الرأي اليوم / قانون الإعلام... وصمة عار

تصغير
تكبير
أتى وليته ما أتى...

انتظرناه بفارغ الصبر ليضيف الى رسالة الكويت وسمعة الكويت ونهضة الكويت وتاريخ الكويت فإذا به يأخذ ذلك الرصيد ويرميه في غرفة مظلمة أشبه بزنزانة موحشة ويطرح مواده وفرماناته وعقوباته.

ترقبنا خروجه إلى النور مع انطلاق الكويت مجددا إلى فضاءات أوسع من الحريات والديموقراطية في ظل سباق محموم على الانفتاح اقليميا وعربيا للحاق بما كنا عليه قبل عقود، فإذا به يطفئ الانوار ويعيد الكويت الى مرحلة ما قبل الدستور.

مشروع قانون الاعلام الجديد الذي أعده مجلس الوزراء لتتم مناقشته في مجلس الأمة وصل ترافقه تصريحات أشبه بتظاهرة احتفالية... فلا حل أهلا ولا نزل سهلا، لانه وصمة عار وسبة في جبين الكويت بما تضمنه من مواد لا تمت إلى لغة العصر بصلة ولا ترقى الى المستوى الذي وصل اليه الإعلام في الكويت ولم يؤخذ رأي اهل الاعلام بها. كنا في بلاط صاحبة الجلالة فتحول القانون الجديد بلاطة على صدر صاحبة الجلالة تكتم أنفاسها.

لست في وارد مناقشة المشروع بندا بندا، فلا المساحات تسمح ولا القارئ مضطر لإعادة قراءة معلومات عامة وبديهيات تنتقل من مشروع الى آخر. لكن النقطة الاساسية الأولى في معرض الرفض هي الرقابة المسبقة على نشر الكتب أو المطبوعات أو الاعمال الفنية. في المادة 16 من مشروع القانون: «على الطابع قبل أن يتولى طباعة أي مطبوع ان يقدم اخطارا مكتوبا بذلك الى الوزارة مرفقا به نسخة من مشروع المطبوع وتصدر الوزارة قرارها بالموافقة على الطباعة أو الرفض ويجب الحصول على موافقة الوزارة قبل تداوله ونشره...» والامر نفسه ورد في المادة 46 حول المصنفات والمواد الإعلامية وشركات الانتاج الفني وكلها يجب ان تعرض اعمالها على الوزارة لتصدر قرارها بعد شهر.

الله الله يا كويت. في الستينيات من القرن الماضي كانت الرقابة على النشر لاحقة واليوم في العام 2013 صارت الرقابة مسبقة. هل يعرف من وضع هذه المادة ماذا يقول أو يفعل؟ وهل يعلم أن العالم اصبح قرية صغيرة يكفي المرء لمعرفة ما ينقصه ان يلمس شاشة هاتفه النقال ليقرأ ويشاهد ويرى؟ وقبل ذلك كله هل درى ان الكويت كانت مطبعة الخليج والعرب في الخمسينيات والستينيات وان من كان يبحث عن كتاب كان يجده عندنا؟... القريب منا والبعيد يعودان الى ما كنا عليه قبل نصف قرن من إلغاء للرقابة المسبقة ومشروع القانون الجديد يعيدنا اليها.

ان شرط الرقابة المسبقة لا يعكس ضيق أفق من وضع هذه المادة فحسب بل استهانته بأهل الاعلام خصوصا والكتاب والمفكرين والمثقفين عموما الذين يعتبر انهم غرباء عن القانون وبعيدون عن المسؤولية، وهذه افظع سمة من سمات الانظمة الديكتاتورية حيث غابت كل انواع المشاركة بحجة ان «السلطة تفهم والناس تخاف».

وفي الفصل الرابع المتعلق ببث القنوات المرئية والمسموعة اشتراط ان تبث القناة برامج تحمل الطابع الوطني بما لا يقل عن اربع ساعات شهريا. وهذه نقطة غريبة عجيبة موجودة بكثافة في الانظمة الديكتاتورية. هل تعني ان صاحب المحطة أو الاذاعة مشكوك في وطنيته؟ هل تعني ان صاحب المحطة أو الاذاعة سيصبح وطنيا لمدة اربع ساعات في الشهر وبقية الشهر خائنا أو متقاعسا عن خدمة وطنه؟ وما هو تعريف البرامج التي تحمل الطابع الوطني؟ فاذا عرضت برنامجا يكشف الفساد والرشوة والتسيب وسوء الادارة والواسطات والمخالفات وانتهاك القانون فهذا في رأي كثيرين قد يكون أهم برنامج يحمل الطابع الوطني بينما سيكون في نظر من وضع هذه المادة «برنامجا يسيء الى الكويت».

«الطابع الوطني» لم يعد يا فطاحل، يا جهابذة، يا فلاسفة، اغنية مع بضع صور وايادٍ تصفق. لم يعد التغني بأمور عادية هو من صلب واجبات السلطة وتصويرها على انها انجازات. ثم من قال ان «الطابع الوطني» يحتاج الى فرضه بالقانون وتحديد ساعاته؟ هل تشكك السلطة في وطنية اهل الاعلام والفكر والثقافة والفن خصوصا أو الكويتيين عموما؟

نصل الى نقطة في غاية الحساسية ونتمنى ان تفهم وجهة نظرنا بالمعنى الايجابي لا ان يبدأ «السفهاء» و«الجهال» ببخ سمومهم وتوجيهها في الاطار الذي يخدم احقادهم ومصالحهم. بند «المسائل المحظورة والعقوبات».

في المحظور بنود كثيرة تبدأ من المساس بالذات الالهية وتنتهي بالحياة الخاصة لموظف العام، مرورا بقيادات الدولة ورجال القضاء والدستور والاقتصاد ونظام الحكم... الخ. النقطة الثالثة تتحدث عن عدم جواز التعرض لشخص حضرة صاحب السمو الامير بالنقد، وهي نقطة لا خلاف عليها لأن ذات صاحب السمو الامير مصانة في الدستور وكل قوانين الدولة تطبقها. الجديد في مشروع القانون اضافة اسم سمو ولي العهد الى جانب اسم سمو الامير، وذات ولي العهد غير مصانة في الدستور، وعندما حصر الاعضاء المؤسسون مع اركان الاسرة ذات سمو الامير فقط في الدستور فانما فعلوا ذلك من حسبة دستورية وسياسية واجتماعية ومن منطلق انخراط الجميع في العمل العام تحت سقف معين. الدستور حصر الذات المصانة بالامير، ورغم كل الود والمحبة من اهل الكويت لسمو ولي العهد الا ان كسر حصرية الذات المصانة قد ينسحب لاحقا وفي قوانين اخرى على رئيس الوزراء أو على نوابه أو على شيوخ.

سمو ولي العهد هو الامير القادم ولذلك فالشأن العام بحلوه ومره هو عمله اليومي، وهو يرأس مجلس الاسرة وهناك من ابناء الاسرة من ينتهك القانون ومن يمتلك منابر اعلامية تهاجم اهل الكويت فتسيء الى سمعة الاسرة وتضعها في مواقف هي في غنى عنها، وهو المكلف بوضع حد لهذه التجاوزات واعادة الامور الى نصابها في بيته الصغير في موازاة تفرغه لمعالجة امور بيته الكبير الكويت، وهو الملتزم بالدستور والقوانين، ولا نعتقد ان الاساءة الى القضاء أو تهديد الاقتصاد الوطني أو نظام الحكم اقل أهمية من الإساءة لا سمح الله إلى شخص، ومن يقرأ بتمعن لائحة الجزاءات المنصوص عنها في مشروع القانون يجد أمورا كثيرة غير منطقية بالنسبة الى التفاوت في العقوبات.

وفي المسائل المحظورة والعقوبات أمور كثيرة لا يسعنا كإعلاميين الا ان نتوقف عندها من باب «النسبية»، وهي امور لا يحبذ اهل السلطة الرابعة التعامل معها بالعناوين العامة لان التفسيرات تخضع للامزجة والآراء الشخصية. نتحدث هنا، ومن دون الدخول في تفاصيل، عن قضايا إسلامية كان ممكنا تناولها على أيام الرسول (صلى الله عليه وسلم) واليوم صارت من المحرمات وصولا الى قضايا مثل التمييز والكراهية والازدراء والوحدة الوطنية والاضرار بالعلاقات بين الدول أو التأثير على قيمة العملة أو خدش الآداب العامة... وصدقوني كلها أمور نسبية وهي سيف بيد السلطة يمكن ان تستخدمه لتكميم الافواه عندما ترى ضرورة لذلك.

كما أسلفت، في مشروع القانون الجديد «بلاوي» لا تتسع المساحة لها، سواء ما يتعلق بالإعلام الإلكتروني أو وسائط التواصل أو بغموض بعض البنود وترك تفسيرها للسلطة... لكن القصيدة مطلعها كفر. لن يوافق رجال السلطة الرابعة عليه... لن يشاركوا في اغتيال الحريات... لن يحفروا بأياديهم قبرا للديموقراطية.



جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي