أسامة عيسى الماجد الشاهين / سور الكويت... الحقيقي!

تصغير
تكبير
بنى الكويتيون ثلاثة أسوار طينية ذات بوابات خشبية لحماية عاصمة وطنهم، الأول عام 1760 والثاني 1814 والثالث 1920، وذلك إثر انهيار حكم بني خالد وتتابع الأطماع بهذه الرقعة الآمنة والمزدهرة من الخليج العربي.

وحقيقة الأمر أن (الطين) و(الخشب) لم يحمِ شيئًا، بقدر ما قامت (الفكرة) التي توحد خلفها آلاف الكويتيين بذلك، وهي فكرة العيش المشترك في وطن يكفل حرياتهم وحقوقهم ويتشاركون بأعباء إدارته وحمايته دون تسلط أحد عليهم.

إن العبث بهذا الأساس المتين التي قامت عليه الكويت منذ 1756 في غاية الخطورة، سواء عبر مسايرة نزعات التفرد بإدارة الشأن العام، أو الخضوع لإغواءات الكرسي والمال والشهوة، أو مخالفة المبادئ التي يرتكز عليها النظام الدستوري، مثل الفصل بين السلطات العامة الثلاث وعدم تطاول واحدة منها على غيرها.

وإيقاف العبث بسور الوطن - أيًا كان مصدره أو مبرره - واجب الجميع، وذلك لأن الكويت وطن الجميع وليست دار قوم دون غيرهم، وقد عبر الآباء الأوائل عن ذلك ببساطة ووضوح بقولهم: «إحنا إخوان مريم»، فرابط المواطنة جعل ويجعل سائر الكويتيين ينتفضون لحماية كل كويتي وكويتية، وهو ما ترجم لاحقًا في المادة السابعة من دستور 1962: «العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين».

كما أن الأخذ على يد العابثين وفق الشرع والدستور - واجب الجميع أيضًا، فنحن وإياهم في سفينة واحدة، وإذا أخذنا على أيديهم نجونا ونجونا جميعًا، أما إذا تركناهم وما صنعوا فسنهلك ونهلك جميعًا، مثلما حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث السفينة الشهير.

إن أخطر ما يهدد سور الكويت الحقيقي - أي فكرة العيش المشترك تحت ظلال الحرية والعدالة - هو فقدان الأمل بإمكان ذلك واليأس من عودة الزمن الجميل، والاقتناع بأفكار أنانية وسلبية من شاكلة: «أعطونا نصيبنا من الثروة/ الوطن شركة تحت التصفية/ الاضطرار لمعايشة الفساد/ التفكير بالعمل والسكن خارج الوطن»، وهي نبرة متزايدة ومتصاعدة يجب إيقافها قبل فوات الأوان!

إن إنقاذ المرتكز الأساسي لبقاء الوطن وحمايته - وهي فكرة المواطنة السابق بيانها - لا يقوم على مقولات عابرة أو قرارات ارتجالية لا تستمر أو استعراضات جميلة تنتهي بإسدال الستار عليها، بل بإصلاح حقيقي للأوضاع والتزام جدي وعملي باحترام الدستور وسيادة القانون وتشارك القرارات والأعباء.

شباب الكويت - وهم 70 في المئة من شعبها - يريدون أداء واجبهم تجاه وطنهم، والحصول على فرصتهم في بنائه وإنقاذه، وإذا كان غيرهم قد أصيب باليأس أو آمن بعجزه عن تغيير الواقع، فهم من جيل التغيير والربيع والحراك، وعلينا دعمهم بما نستطيع وإفساح المجال لهم، فحلول وعقول الأمس لا تصلح لليوم، مهما كانت النوايا صادقة والقلوب مخلصة.

ختامًا: قام الوطن العزيز على مرتكزات أساسية، كالحريات الشخصية والعامة، والعدالة والرفاهية الاجتماعية، والشراكة بإدارة الشأن العام، وعلينا التمسك بذلك مهما حاول البعض صرفنا عنه، فهو قبل وبعض كل شيء... سور الكويت الحقيقي!

والحمد لله أولاً وأخيرا.



أسامة عيسى ماجد الشاهين

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي