انخفاض تكلفة القروض التجارية إلى 2 في المئة فوق الخصم أو أقل بفعل اشتعال المنافسة

إسقاط الفوائد يُغرق البنوك بسيولةٍ... فوق السيولة

تصغير
تكبير
| كتب رضا السناري |

تترقب البنوك الغارقة في السيولة تدفقاً إضافياً لسيولة تقارب 744 مليون دينار، ستضخها الدولة من خلال «صندوق الأسرة» لشراء قروض المواطنين القائمة قبل مارس 2008، ما قد يشعل المنافسة على توظيف السيولة الفائضة ويخّض مستويات فائدة الإقراض.

وكانت البنوك تواجه أصلاً ارتفاعاً في منسوب السيولة مقابل قلّة فرص الإقراض، منذ أربع سنوات على الأقل. وبحسب تصريحات اخيرة لمحافظ بنك الكويت المركزي الدكتور محمد الهاشل، بلغ معدل السيولة لدى البنوك الكويتية في نهاية العام الماضي نحو 27 في المئة، في حين أن متطلبات الحدود الدنيا المحددة بموجب تعليمات بنك الكويت المركزي لا تتعدى 18 في المئة.

وغذت السيولة عوامل عديد خلال العامين الماضيين، بدءاً بالمنحة الأميرية للمواطنين في 2011، مروراً بسلسلة من قرارات زيادات الرواتب والكوادر الوظيفية، التي أدت إلى ارتفاع ملحوظ في رصيد الودائع، حتى أن بعض البنوك توقفت عن استقبال المزيد منها. وفي المقابل، ظل نمو الإقراض محدوداً، إذ لم يتجاوز 2 في المئة في 2011، و5 في المئة العام الماضي.

وأدى ذلك إلى انخفاض مستوى فائدة سوق ما بين البنوك (الانتربنك) إلى مستوى متدنٍّ قياسي في فبراير الماضي عند 1.02 في المئة، بانخفاض 27.2 نقطة أساس على أساس سنوي، وبعد أن كان يفوق 3 في المئة في فبراير 2009.

وكذلك، انخفض المعدل الموزوزن لفائدة الإقراض إلى مستوى غير مسبوق عند 4.754 في المئة في فبراير، بانخفاض 45.7 نقطة أساس خلال سنة، وبعد أن كان عند 8.2 في المئة و6.8 في المئة في فبراير من العامين 2008 و2009 على التوالي. وبالطبع، كان لانخفاض سعر الخصم الدور الأكبر في هذا الانخفاض، لكن ما من شك أن لارتفاع منسوب السيولة دوره في ذلك.

ومن المتوقع ان تغذي السيولة المتدفقة من تسويات «صندوق الأسرة» وشراء الحكومة للمديونيات، المعارك بين البنوك التقليدية على تسعير القروض في سباقها المحتدم منذ فترة إلى منح الائتمانات الجديدة، وتوظيف المستويات المرتفعة من السيولة الموجودة لديها، فيما تتزايد التوقعات بتراجع معدلات الفائدة على القروض الممنوحة مستقبلا إلى مستويات اقل من المعمول بها حاليا.

وكشفت مصادر مسؤولة لـ «الراي» أن بعض الوحدات المصرفية التلقيدية بدأت منذ فترة استعدادها لهذا المستجد، بإعادة تسعيرها للقروض الجديدة، وبتخفيض عوائدها المحصلة على الائتمانات التجارية إلى ما دون أقصى الهامش المسموح به من البنك المركزي، البالغ 3 نقاط مئوية فوق سعر الخصم. إذ باتت بعض القروض تمنح 2 في المئة فوق سعر الخصم أو أقل أحياناً، رغبة منها في تخفيض تكلفة الاموال المتراكمة لدى البنوك، باستثمارها بعائد أقل بدلا من بقائها من عائد.

ومع ان شراء القروض سيقتصر على البنوك التقليلدية، فإن فائض السيولة سينعكس بالتأكيد على توجهات البنوك التي تعمل وفقا للشريعة الاسلامية التي تعاني هي الأخرى من مستويات السيولة المرتفعة في السوق عموماً.

وتشكل قيمة القروض التي ستتم معالجتها ضمن صندوق الاسرة ما يقارب رؤوس اموال قطاع البنوك التقليدية باستثناء الوطني، والبالغة 864 مليون يدنار تقريبا، فيما تشكل اكثر من اجمالي رؤوس اموال بنوك عدة مجتمعة مثل «بوبيان» و«الاهلي الكويتي» و«الاهلي المتحد» و«برقان» و«الدولي».

وفي هذا الخصوص يقول أحد مديري الخزينة لـ «الراي» ان عملية معالجة القروض التي اقرها مجلس الامة تنذر بمخاوف من مستقبل السيولة التي ستحصل عليها البنوك التقليدية من هذه المعالجة، وتاثيرها على تكلفة الاموال المركونة في هذه البنوك من دون استثمار بسبب قلة أوجه امتصاصها في السوق المحلي، وأوضح أن وتيرة نمو الائتمان في الكويت ليست بالسرعة المرجوة وان استمرار التخفيضات الحادة في الانفاق الحكومي خلال السنوات الخمس الماضية قد يلحق ضررا أكبر بعوائد البنوك من السيولة المكونة لديها.

فمنذ بداية الأزمة المالية تقريبا تتمتع البنوك الكويتية بفوائض مرتفعة من السيولة دون ان يقابلها مصادر الاستثمار المناسبة، حتى ان الرئيس التنفيذي لمجموعة البنك الوطني ابراهيم دبدوب، لم يتردد في عمومية البنك بـ 2009 في القول إن «التحدي الاكبر امام البنوك الكويتية مستقبلا يتعلق بتخمة السيولة».

ورغم تأكيدات المحافظ ان الأصول السائلة المكونة لدى البنوك تمتاز بكونها ذات جودة عالية حيث تتمثل في أدوات الدين العام اضافة إلى الودائع لأجل لدى البنك المركزي والسندات الصادرة عنه وهي من أدوات التدخل التي يستخدمها البنك المركزي لتنظيم مستويات السيولة في إطار عمليات السياسة النقدية، الا ان من الواضح أن هذه السيولة الموجودة لدى البنوك بالاضافة إلى المستويات الجديدة ستخلق هامشا اقل لاستثمارها امام البنوك ما لم تُطرح مشاريع تنموية قادرة على توظيف السيولة المصرفية.

ولاشك أن فائض السيولة يرتّب تحدّيات على الناظم الرقابي، الذي سيضطر إلى تعزيز أدوات امتصاصها من خلال الأدوات النقدية المعتادة، لكن ذلك لن يكون من دون تكلفة عليه، وبالتالي على المال العام. وإلا فإن البديل سيكون ترك التضخم يفعل فعله.

وتؤكد جهات مصرفية على ضرورة توجه بنك الكويت المركزي إلى طرح أدوات جديدة غير تقليدية لامتصاص مستويات السيولة المرتفعة لدى البنوك، ومن صور ذلك السماح للوحدات المصرفية المحلية بالاستثمار في نظام السندات المتوقف منذ بداية 1980، وفتح المجال امام البنوك المحلية لتصريف جزء من السيولة الموجودة لديها في الاستثمار بسندات خارجية أو فتح سوق السندات المحلي من خلال توفير سوق ثانوية لتوسيع نطاق المتداولين فيها، موضحة ان مثل هذه الادوات تسهم في تحسين بيئة الاعمال المصرفية، وفي تعويض معدل الفائدة المفقود في ظل ضعف الطلب الائتماني.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي