| أسيل سليمان الظفيري | عاد الوالدان إلى البيت بعد غياب ساعتين، وإذا بالصالة مملوءة بمخلفات ألعاب أطفالهما، مشيا قليلا فوجدا الخزانة مفرغة من الأغراض، دخلا غرفتيهما وإذا بهدية كبيرة يدوية الصنع كانت بانتظارهما مكتوب عليها «نحن نحب ماما وبابا»!
اعلم قارئي إنك تتساءل الآن ما العلاقة بين العنوان والقصة؟ كانت الفوضى في الصالة مصدر ازعاج كبير للأم، وبدأت تحدث نفسها عن درجة المسؤولية المنخفضة عند ابنائنا إذ قاموا بهذه الفوضى، ولكن الأم بحكمتها لم تعط أهمية لذلك الشعور، ولو كان ذلك لضيّعت على نفسها وأطفالها متعة لاحقة، وكم سيفسد هذا مزاجها ومزاج أبنائها.
كم من ملاحظات يجب ألا نعيرها اهتماما حتى نعيش بمتعة، التغافل هو تعمِد الغفلة، أي أن تكون لك عين تلحظ ولكن عقلك يختار مما تلاحظ ما يستحق التعليق، فالتغافل يمنحنا فرصة للاكتشاف والفهم قبل أن نبدأ بإطلاق التعليقات، ويجعلنا نرى الأشياء بمنظور آخر، ومن محاسن التغافل أنه ينقلنا بسلاسة من عين ناقدة تبحث عن العيوب فتعكر مزاجنا، إلى عين تبحث عن الجمال فتستمتع به، فما كانت تلك الفوضى في الصالة والخزانة، إلا للبحث عن هدية تليق بمقام الوالدين، قس على ذلك كل الملاحظات المزعجة اليومية من أحاديث جانبية بين زملائك في العمل والتي تنقطع بمجرد دخولك الغرفة، وكلمة جارحة زل بها لسان صديق، وتلك المناسبة التي لم تُدعَ لها، وحتى تقصير خادمك بالمنزل.
أتفق جزئيا مع الحكيم الذي قال «طنش تعش تنتعش»، وأتفق كليا مع القائل «تجاوز في حياتك عن أمور... وكن عند احتدام الأمر صاحي»، فالفرق بين هذا وذاك أن الأول تغافل أو «طنش» دون آلية يتبعها سوى أنه يريد الراحة لنفسه، أما الآخر فقد تغافل اختيارا، ولكنه «صاحي» أي لديه العلم الكافي بكل ما يدور حوله، لكنه آثر التغافل لعلمه أنه من شيم الكرام، وهو بدرجة من الرقي كافية ترقى به عن كل التفاصيل الصغيرة المزعجة والملاحظات غير المهمة، فأراح واستراح، التغافل فن قائم بذاته وتعلمه يحتاج لصبر وحكمة وممارسة، لكن نتائجه الطيبة على حياتنا وعلاقاتنا تستحق أن نخطو خطوة تدريب أنفسنا، وقد قالها أبوتمام: ليس الغبي بسيد في قومه.. ولكن سيد قومه المتغابي.
@AseelALzafiri