هل تكره الضباب وتحاول أن تتجنّب مشاكله وعوائقه؟
أم أنت ممن يحلو لهم الضباب ويتمنون وجوده دائماً وتعشق الحياة الضبابية؟
أم أن أمر الضباب لا يعنيك ولن يكون له أي تأثير عليك وعلى من حولك، لذلك فالضباب وعدم وجوده لك سيان؟
الأمر ليس بالصعب من وجهة نظر البعض لتحديد من يكون، ولكن الأمر للبعض الآخر يبدو أصعب جداً.
إذاً استمع إليّ وحاول أن تفهم... وركّز، فقد تكون أنت جاسم...
خلد جاسم للنوم مبكراً في هذه الليلة الباردة... وهو في الفراش بدأ يذاكر لنفسه خطة الغد ويحاول أن يعيدها أكثر من مرة لكي لا ينسى أي شيء.
فغداً يوم حافل بالأعمال لجاسم.
فعند الصباح الباكر لديه اجتماع مع الموظفين لمناقشة خطة العمل للمرحلة المقبلة... فهو المدير الجديد القادم لهم من مكان آخر... ويعلم جاسم أنه قبل بهذا المنصب بعد ضغوط عليا بسبب كثرة التسيّب الذي لوحظ في المكان المنقول إليه.
بعد الاجتماع بالموظفين سيقوم بجولة في الإدارة والمكاتب التابعة له لتفقد العمل... كان مصرّاً على رفض أي حفل استقبال للتهاني!
بعد ذلك، وبحسب المخطط الذي أعده جاسم، سيلتقي برؤساء الأقسام للتعارف ولدراسة أوضاع الأقسام وأسباب التسيّب، وكان قد أعدّ خطة بعد الكثير من التحري عن الإدارة المطلوب منه إدارتها...
فقد اشتهرت هذه الإدارة بالتسيّب لسوء الإدارة وتم اختيار جاسم لإصلاح أوضاعها لأن المواطنين قد زادت شكاواهم في جميع الجرائد وعند كبار المسؤولين.
نعم، تم اختيار جاسم لمعرفة الكل بقدراته المتميزة على الإدارة والتعاطي مع مشاكل المراجعين.
أغمض جاسم عينيه وأخذ يتذكر بعض الأحداث التي مرت به في عمله السابق، فقد كان قبل اختياره لهذا المنصب يعمل في شركة خاصة لها من السمعة الحسنة الشيء الكثير... والتاريخ يشهد كيف أن أفكار جاسم وأعماله كانت الوقود المحرّك لهذه الشركة الكبيرة...
هنا تذكر جاسم أنه بعد العمل، لديه محاضرة سيلقيها في الجامعة عن الإدارة وطريقة معالجة مشاكل العمل، وذكّر نفسه بما يجب عليه القيام به لهذه المحاضرة... فهو يعشق التدريس، وها هي الفرصة الأولى قد أتت له ليثبت للإدارة الجامعة من هو جاسم وكيف فرّطت الإدارة به عندما تقدم للعمل في الجامعة... والآن تدعوه لإلقاء محاضرة كأستاذ خبير... ليعطي من خبرته للطلبة.
نام جاسم بعد كل هذا...
استيقظ مبكراً كعادته، وعند خروجه من المنزل لاحظ أن الضباب يلفّ المكان والرؤية الأفقية متدنية... ولكنه قرر الذهاب إلى العمل... فكما أن الضباب سيؤذيه وهو في طريقه للعمل، فهو سيؤذي الكل. أي سيؤذي الموظفين والمراجعين ولا ذنب للمراجعين ألا يقوم أحد بتخليص أعمالهم.
توكل على الله وردد دعاء الركوب واتجه إلى العمل...
نعم، كانت هناك صعوبات أثناء السير، ولكن العمل مقدّس عند جاسم.
وصل جاسم إلى مكان عمله ووجد الفرّاش الذي بادره بالسؤال عن صحته ورحّب به في مكانه الجديد.
ولكن الفرّاش أخبر جاسم بأن لا أحد من الموظفين قد حضر!
استغرب جاسم وقال يبدو أنه الضباب... ولكن الضباب ينقشع مع الوقت وما عليه إلا الانتظار.
مرت ساعة تتبعها ساعة تتبعها ساعات وجاسم والفراشون في العمل ومعهم كمّ هائل من المراجعين، ولا يوجد أي من الموظفين.
أمر أحد الفراشين بالاتصال برؤساء الإدارات... وكان الرد بأنه الضباب ولا يستطيعون الحضور بسبب الضباب.
لم يعلّق جاسم...
خرج للمراجعين وشرح لهم الوضع.
قال له أحد المراجعين: «ولكن الشمس شقت الضباب منذ مدة»... وقال آخر: «ولكننا حضرنا بالرغم من الضباب».
لم يجد جاسم إجابة وكرر اعتذاره.
بعد انتهاء ساعات العمل، وبينما هو في طريقه إلى الجامعة جاءته رسالة نصية تفيد بأن المحاضرة تأجّلت إلى يوم الغد بسبب الضباب... تلفت يميناً ويساراً... كلّم نفسه: «ولكن لا ضباب الآن»...
ذهب جاسم إلى بيته، وعند الليل نام مبكراً وعنده خطة واضحة...
قام كعادته مبكراً... ركب سيارته وقادها باتجاه عمله السابق... فقد قرر جاسم ترك المنصب الحكومي قبل أن يبدأ العمل.
وحدّث جاسم نفسه قائلاً إنه ليس انسحاباً ولكنه... ولم نستطع أن نسمع ما قاله جاسم عن سبب تركه العمل الحكومي.
فإن كنت أنت تعلم، فأنت محظوظ، إذ إن معظم المسؤولين في البلد لا يعلمون.