د. وليد التنيب / قبل الجراحة / قرار أولادي

تصغير
تكبير
| بقلم الدكتور وليد التنيب |

كان يوماً جميلاً ذا صباح مميّز و أجواء غائمة باردة نوعاً ما... أي باختصار يوم ربيعي جميل...

كان قرار الذهاب إلى البر قد اتخذ بالأمس...

فليس هناك أحلى من البر في هذه الأجواء الربيعية الجميلة.

تمت إجراءات الإعداد لهذه الرحلة من مساء أمس بكل جد واجتهاد من قبل جميع أفراد الأسرة.

الحمد لله أن كل شيء كان معداً وليس هناك أي تأخير.

هل جربت التأخير خصوصاً إن كان بسبب غيرك؟!

فعلاً التأخير بسبب أخطاء أو إهمال أو عدم اكتراث غيرك مزعج لكل من التزم بالموعد أو التزم بالتعليمات والخطة!

لو طلبت منك أن تذكر لي الأشخاص الذين تعرفهم ويمتازون بدقة المواعيد وحب الالتزام بالوقت لذكرت لي شخصاً واحداً أو بالكثير ثلاثة من أهلك أو أصدقائك...

ولو طلبت منك تذكّر من لا يلتزم بالموعد أو قليل الاحترام للمواعيد لتذكرت عدداً كبيراً من أهلك وأصدقائك...

يبدو أنها مشكلة أو عادة سيئة، ولكننا نناقشها ونظهر تذمّرنا منها ولكننا بالحقيقة لا نحاول أن نحلّها أو حتى أن نشارك في حلها...

وغالبيتنا، إن كان هو المتضرر من التأخير يبدي عصبيته ويحاول أن يقنع الجميع بالضرر الواقع بسبب التأخير... ولكنك تراه من المتأخرين بعد ذلك إن كان التأخير يضرّ ويؤذي غيره.

إننا نعيش بمعادلة سهلة الحل ونعرف أكثر من طريق لحل هذه المعادلة ولكننا لا نحاول أن نحل المعادلة وإن بدأنا بالحل نشغل أنفسنا بأشياء أخرى عن تكملة الحل... لأننا ببساطة نفتقد شيئاً مهماً في حياتنا... إنها ببساطة التربية داخل المنزل ومبدأ الثواب والعقاب...

مبدأ الثواب والعقاب يعتبر من أهم أسس التربية والتطوير

مكافأة المجتهد وعقاب المهمل مبدأ قلما طُبِّق عندنا وعند كل شعوب العالم الساعي إلى التخلف...

أعود لأسألك مرة أخرى لتذكر لي كم مرة تمت مكافأة مهمل يعمل معك؟

وكم مرة عوقب أو لم يكافأ مجتهد ومخلص يعمل معك في المكان نفسه؟

بصراحة لم أتوقع أن تكون هذه إجابتك!

إنك تقسم أنك اجتهدت وأخلصت والتزمت بقوانين العمل وطوّرت العمل وحضرت قبل العمل وذهبت بعد انتهاء العمل بساعات ومع هذا كله تم إهمالك ولم تكافأ وإنما تمت مكافأة ابن... الذي كان أكسل موظف معكم.

وعندما أبديت اعتراضك تم عقابك وتهديدك بالفصل...

بصراحة، بدأت أتعاطف معك ولكنني مثلك وهناك عدد لا بأس به مثلك.

إنني أقدّم أسفي الشديد لأني وجّهت لك مثل هذا السؤال الذي زاد من عصبيتك...

بصراحة لم أكن أودّ أن أكدّر عليك وأزيد أحزانك ولكنني أخطأت بطرح هذا السؤال عليك...

إن لم تقبل أسفي فاستمع إلى ما حصل لي في رحلة البر، وقد تكون أحداثها شفيعة لي لتقبّل أسفي...

كما ذكرت سابقاً، كان كل شيء معداً ومرتباً منذ الأمس لرحلة البر...

والجو الجميل ساعدنا كثيراً.

كنا قد واعدنا زميلينا جاسم وأحمد لكي يذهبا معنا للبر...

فالبر يحلو مع الجمعة والأصدقاء.

صحيح أنك تفتقد الأجواء العائلية في هذه الرحلات، ولكن لكل شيء ثمناً

كنا عند الساعة السابعة صباحاً جاهزين للانطلاق وننتظر صديقنا أحمد ليحضر إلى منزلنا هو وأسرته لنذهب معاً...

الآن الساعة الثامنة والنصف ولم يأتِ أحمد حتى الآن والموعد هو السابعة

وجاسم ينتظرنا في بيته لكي نذهب إليه.

اتصلت بأحمد أكثر من مرة وفي كل مرة يؤكد لي أنه جاهز ولحظات وسوف يكون عندي...

بدأت أهدده عند الساعة التاسعة بأني سأذهب وأتركه.

ولكنني أعلم أنه لا يعرف الطريق الصحيح ويحتاجني أمامه لكي يصل إلى المكان الذي نود الذهاب إليه...

ماذا أقول لصديقنا جاسم الذي ينتظرنا عند بيته؟

كيف أبرر له تأخيري؟... كيف أقنعه بأن التأخير بسبب أحمد وليس مني أو من أحد أفراد أسرتي؟

حضر أحمد عند العاشرة وأخذ يتعذر بالأولاد وزحمة الطريق! أي زحمة يا أحمد واليوم إجازة؟ جملة أسررتها لقلبي أحاكي بها نفسي!

ولكي لا أفسد أجواء الرحلة احتفظت بالقهر داخلي وحاولت قدر المستطاع أن أهدئ أعصاب أسرتي... وأن أتحمل كلامهم عن قلة احترام أصدقائي لي ولامهم!

لم أجادلهم كثيراً وأعلم أن أحمد مخطئ ويجب أن يعاقب أو على أقل تقدير ألا يكافأ...

انطلقنا إلى بيت زميلنا جاسم وأنا أحضّر الكلمات والجمل لكي أشرح له سبب تأخّرنا!

وصلنا بيت جاسم وكانت المفاجأة لي ولأسرتي أن جاسم وأسرته لم يجهزوا للذهاب إلى البر!

كم تحتاج يا جاسم؟ رد بثقة لحظات...

كانت هذه اللحظات تتبعها لحظات حتى أذّن الظهر...

ذهبنا للصلاة في المسجد وعدنا وعندها قال جاسم وعائلته المصونة إنهم جاهزون الآن...

كانوا يعلنون أنهم جاهزون والأولاد معي بدأوا نقاشاً هادفاً عن مكافأة المجتهد والملتزم ومعاقبة المهمل...

«تساسر» الأولاد وأمهم في ما بينهم واتخذوا قراراً صعباً.

قرار حتى حكومتنا الرشيدة لا تستطيع أن تتخذه وإن اتخذته فهي لم ولن تطبقه...

صحيح أنه قرار تربوي وإداري يشاد به ويعتبر من أساسيات النجاح للمؤسسات والحكومات والدول... ولكن هل أستطيع تطبيقه؟

قرروا وبصوت واحد عدم الذهاب إلى البر.

حاولت أن أثنيهم عن هذا القرار ولكنهم على ما يبدو درسوا الموضوع جيداً...

أخيرا يوجد في بلدي من يدرس المواضيع قبل اتخاذ القرار!

قلت لهم إن لكل القوانين استثناءات...

ردوا عليّ بأن لا استثناءات لقراراتهم وأن من أهم أسباب فشل القوانين والقرارات هو الاستثناءات.

تمنيت أن تحضر الحكومة لتسمع وتتعلم لعلها تفهم وتطبّق!

أخبرت صديقيّ أحمد وجاسم بأننا بسبب تأخرهما وإهمالهما لن نذهب معهما إلى البر...

ردا باستهزاء... بسبب تأخرنا تعاقب نفسك؟

بسبب تأخرنا... إن أسرتك تعاقب نفسها؟

بدأت أقتنع بكلامهما ولكن أسرتي يبدو أنها قد درست الموضوع جيداً وأصرت على عدم الذهاب، عدنا إلى البيت وذهب جاسم وأحمد إلى البر.

بدأ أفراد الأسرة بالإعداد للغداء في حديقة المنزل كتعويض عن عدم الذهاب إلى البر، كانت أجواء جميلة قمنا بشواء اللحم والدجاج.

وفيما كنا نأكل الحلويات، اتصل جاسم مستفسراً: «أين الخيمة وأدوات الشواء المعد للغداء وأين الألعاب وأين الماء؟»، فهم في البر الآن والأجواء باردة وليس لديهم ما يأكلون وليس لديهم ماء.

رد أبنائي وزوجتي... يبدو أن صديقيك يا أبي لا يستوعبان العقاب.

قلت لهم ليس هذا السبب ولكنهما لم يعتادا على مواجهة أفعال مدروسة وخطط معدة بإحكام وقرارات أخذت بعد استشارة من مستشارين بحق مستشارين وليسوا... لا أريد أن أكمل لأني بدأت أعاقب وليس من عادتي معاقبة المهمل والمخطئ وإنما من طباع أبنائي والشباب.

فاحذر يا هذا من الشباب، فهم لا يتخذون قرارات إلا بعد دراسة وإن كنت لا تصدق فاسأل جاسم وأحمد....
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي