سمير ارشدي / إيران ومجلس التعاون الخليجي: بناء الثقة ونبذ التوتر

تصغير
تكبير
ان قراءة عابرة لمسلسل الاحداث الديموقراطية في المشهد الايراني تبين ان المسيرة لم تتوقف على الرغم من بعض المطبات الطفيفة ومحاولة من لا تروق لهم سيادة الشعب الدينية وضع العصي بين العجلات، الا ان قطار المشاركة السياسية يواصل حركته باندفاع حيث ان عدد المشاركين في الاستحقاقات والانتخابات الرئاسية والتشريعية يتضاعف ويتزايد باستمرار الامر الذي يبرهن على نزاهة العملية الديموقراطية وحيويتها وتجذرها داخل المجتمع.

لا شك ان تدفق الجماهير على صناديق الاقتراع بهذا الزخم الفريد واصطفاف النساء جنباً الى جنب الرجال وفي طليعتهم جيل الشباب يؤكد على حيوية هذه النهضة وقدرتها على الاستمرار ومواكبة روح العصر بفكر اسلامي نيّر وان الشعب الايراني الذي انتصر على اضخم آلة عسكرية في الشرق الاوسط، والذي قاوم الغزو العراقي ودحر القوات المعتدية، واستطاع ان يوجه ضربات موجعة للكيان الصهيوني وقام باستئصال جذور التواجد الاميركي على ارضه وساند قوى التحرر في فلسطين ولبنان والبوسنة وحقق مقولة ان العصر هو عصر الشعوب، يقف اليوم خلف قيادته الرشيدة ليعلن ان طهران ستبقى صرخة مدوية في عالم الفكر والمعرفة وانها جاءت لترسم صورة الاسلام الاصيل البعيد عن التطرف والعنف والانغلاق، الاسلام الذي يطمح لتحقيق العدل والمساواة وثقافة الوسطية والتسامح والاعتدال التي طالما نادى بها المسؤولون الايرانيون في طروحاتهم الفكرية وكتبهم وخطاباتهم استلهاما من مدرسة الامام الراحل الذي اعتمد في منهجيته على ثقافة السلم ونبذ العنف، حيث خابت المحاولات الحثيثة لدفعه للمواجهة المسلحة مع نظام الشاه وسعيه الدائم لحقن الدماء والتغيير السلمي من خلال بناء ارضية ثقافية صلبة للمجتمع الاسلامي، فقد كان يوصي ابناء الشعب الايراني من نساء ورجال بأن الزهور جواباً على اطلاق الرصاص وإراقة الدماء ليؤكد بأن الدم ينتصر على السيف وان اطلاق الورود هو الجواب والرد الشعبي على من يطلقون النار على ابناء جلدتهم، وكان الكثير يستغرب بل ويستهجن هذا التصرف ويعتبره ضعفا وسوء ادارة لعملية الثورة الاسلامية، حيث ان الامام من خلال قواعده الشعبية باستطاعته وباشارة بسيطة ان يجند الالاف من الشبان المتطوعين الا انه آثر التعامل بحكمة ودراية ورفضَ مبدأ الكفاح المسلح باعتباره لا يمثل الخطوة الاولى للتغيير، وايمانا منه بأن التغيير لا يحصل بالقوة والعنف بل من خلال رصيد فكري وتحول في ادبيات التعامل مع الاخر.

رغم الظروف العصيبة والتحديات التي مرت بها ايران خلال العقود المنصرمة، الا انها وُفقت في تقديم خطاب سياسي جديد للعالم منسجم مع مبادئها و طموحاتها، وذلك من خلال اتباع استراتيجية جديدة وازالة الشوائب العالقة في العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي ونبذ التوتر وبناء الثقة وان تثبت بالقطع واليقين حرصها على علاقات وطيدة قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة دون التدخل في الشـؤون الداخلية وكانت في اجندة الرئـيس احمـدي نجاد زيارة العواصم العـربية الكبـرى ووصـل ما انقطـع من وشائج عريقـة حيث شهـدت العلاقات الايرانية ـ العربية تطوراً متسارعاً.

ايران من خلال هذا التواصل العربي اكدت بانها ليست الخطر الذي يخشاه سكان الشاطئ الاخر بل هي الجار المسالم وهي كما شقيقاتها في المنطقة المدافع الحقيقي عن حياض المنطقة ومياهها، وان الحضور الاجنبي الكثيف دفعنا ثمنه باهظا وادى الى استنزاف اموال وطاقات دول المنطقة بأسرها ولم يحقق الامن والاستقرار بل زرع المزيد من التوتر والاضطراب.

لقد نجحت الديبلوماسية الايرانية في ترسيخ مبدأ الحوار والتفاهم والتعايش السلمي وأكدت الرؤى الاسلامية المعاصرة المساندة للسلام والداعية للحوار كأساس لحل الصراعات ووأدها في مهدها، واستطاعت مع احتفاظها باستقلالها السياسي ان تدير بنجاح مفاوضاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والاتحاد الأوروبي حول الملف النووي و تقنع الرأي العام العالمي بمشاريعها السلمية، و تبني صرح العلاقات المتبادلة مع كل دول العالم باستثناء الكيان الصهيوني المحتل وتتبنى فرص السلام والوئام وهي تعيش عقدها الرابع.



 سمير ارشدي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي