السيد هاني فحص / مقال / الإسلام السياسي القوي هل هو بخير؟
9 فبراير 2013
12:00 ص
896
| بقلم: العلامة السيد هاني فحص |
هناك منطق سياسي كارثي سائد يفسر كوارثنا، ما سلف منها وما هو آت، هو منطق: اجمع عشر قسائم تربح ليرة ذهبية. اما كيف تجمعها ومن أين؟ اجمع تربح.
ليس لنا اعتراض أخلاقي او ديني أو وطني على هذا المنطق وتعميمه في المناخات السياسية المختلفة، شرط ألا يدعي أهله ومن يتعاطاه من البداية او في النهاية، انه مبدئي او من منطق أهل التقوى أو الذوق أو المعرفة بمعناها المعياري وجوهرها وغايتها الإنسانية.
واذا كان هذا المنطق المطبق والمتداول، ابتذالا للميكيافيلية، فان الميكيافيليين يعفون أنفسهم من حسابات المبادئ والقيم وعيونهم وعقولهم دائماً وأبداً على ما يحققونه وينجزونه او يصادرونه او يختلسونه، على الربح، على الوجود لا على القيمة، على المكسب لا على المصدر، على الوظيفة لا على المرجعية، على اللحظة التي بين أيديهم لا على المآلات والنهايات، على الهدف المباشر لا الوسيلة، اما المبدئية والتقوى والإيمان والدين ومصلحة الأمة وتاريخها ومستقبلها، فهذه كلها مفهومات معيارية، تدفع نحو تحقيق الهدف ولكنها تشترط مشروعية الهدف وسلامة الطريق والخطوة والصحبة، تشترط تطابق الغاية مع الوسيلة، فلا يعود الربح السريع او الكثير هو المقياس في النجاح. ومن هنا فانه اذا كان ما بعد الحداثة يحمل لنا إنذاراً بإسقاط المعايير او سقوطها، فاننا ومن أجل ان نحفظ قوامنا ونصابنا وخصائصنا، مدعوون الى الحذر لأن عدمه يهددنا بأضرار فادحة ومدمرة... وعندما تسقط المعايير لا يعود بإمكاننا ان ننافس أحداً.
إذا في السياسة القائمة على دعوى معيارية لا يجوز ان تكون الوقائع هي العلامة المميزة، وتكون العلامات المميزة في حيز آخر كالأفكار والقيم والأنظمة العاملة والجهد المبذول للمطابقة بين التكتيك والاستراتيجية مع تغليب الاستراتيجية على التكتيك دائماً، وتحكيم المبادئ باليوميات والتفاصيل والجزئيات.
إذا يمكن للوقائع أن تكون حجة ودليل نجاح، لدى حزب أو سلطة أو فرد، إن شاؤوا، ويمكن ألا تكون، بل يمكن أن تكون دلالة على فشل أو بداية فيه، وهذا ما يمكن التماس شواهده في كثير من الحروب التوسعية، وفي كثير من العمليات الاقتصادية، ومن هنا يكون حسابنا مع دولنا أو حكوماتنا أو أحزابنا وجماعاتنا، كما هو مع قبائلنا وعشائرنا، على أساس النهج، وما يمكن للوقائع أن تضيفه اليه أو تأكل منه أو تأكله، على فرض سلامته، ويمكن أن يكون النهج، وهو غير الدعوى والادعاء والإعلام والإعلان وعموم الأدبيات السياسية الحكومية أو الحزبية أو الطائفية، يمكن للنهج، بذاته أن يكون ظالماً، عندما تظهر على وجهه وعقله، علامات التصلب في شرايينه، جراء توهم التمامية الإيديولوجية التي تجعله عرضة للتعرج والتكسر والانكسار والكسر والتحول الى كائن كاسر... ما يجعل حامليه ـ أي النهج ـ يذهبون الى تسويغه بحساب الوقائع أو المكاسب أو النقاط التي حققوها في الميدان أو صناديق الاقتراع، والاعتداد بها كدليل على النجاح ودوامه، أو كتعويض أو تغطية للتراجع العميق (قبل نهاية السنة 2012 بأشهر كانت شعبية حركة النهضة في تونس قد تنازلت بنسبة 13 في المئة ومن يومها لم تتقدم بل يبدو انها تأخرت). وإذا ما دققنا فإن «الإخوان» في مصر قد فازوا في الرئاسة بخمس أعداد من يحق لهم الاقتراع من الشعب المصري. وعليه فإن مفهوم الأكثرية بذاته مفهوم رخو ورجراج، وعليه فإن الأرقام والحيثيات التي يروج لها كدليل على التفوق ومؤهل لاحتكار السلطة، قد تكون مقدمة لظهور التناقض والإنحراف والتحريف والإنقسام وحتى النكوص أو الارتداد السياسي وحتى الفكري. وإنه لأمر خطير أن تصبح الوقائع الكمية نهجاً بديلاً للنهج أو الحكم الذي سقط أو أسقطته الوقائع.
وإذا كان المنطق الأمثل يدعونا الى محاسبة أحزابنا على هذه الرؤية التي لا ترى، فإن الأحزاب الدينية تبقى أكثر من غيرها ملزمة بمنطق وموجبات المحاسبة، وإلا أصبح تناقضها صارخاً وخطرها عليها وعلينا ماحقاً، وكلما ارتفعت في خطابها وبرامجها النبرة التطهرية، واللهجة المثالية، والدعاوى الإلهية، والوعود النشورية، أي تقدمت الايديولوجيا على العقل، في سيطرتها وإعاقتها لرؤية الواقع كما هو وتغييره بالشراكة من داخله وبقوانينه، أصبحت القوى والأحزاب الدينية، خصوصاً بعد وصولها الى السلطة، بما يعقب ذلك عادة، وكما هو مشهود الآن، من عمى ايديولوجي، كلما حصل ذلك، اصبحت هذه القوى أكثر تعرضاً للانكشاف والفشل والافتضاح والتشظي والانتكاس والسقوط المريع. ولا داعي لحساب الفوارق في العقيدة لترتيب فرق بين مصيرها المحتمل ومصير الأحزاب الشيوعية الملموس، تبعاً لما حدث في العقل الشيوعي، بسبب شموليته وأدلجته، لا بسبب إلحاده وكفره.
ولو لم يكن الأمر هكذا، أو قريباً منه جداً، فإن طالبان مثلاً وفي لحظة انتصارها الكاسح في أفغانستان، وإن كان غير نهائي كما توهمت، قد جمعت من الوقائع والمواقع والأرقام والنقاط، ما لا سبيل الى التقليل من حجمه ومن دلالته، فهل كانت طالبان وهي في ذروة نشوتها بالنصر بخير؟ وهل كانت أو أصبحت أفغانستان في ظل طالبان وتحت نفوذها بخير؟ وهل الإسلام الطالباني أصلاً بخير؟ وهل إيران الآن، وبعد الحركة الخضراء والتصرفات القمعية مع المعارضة، والتصرفات الزبائنية المحلية والخارجية، في السياسة والاقتصاد والتي أدت الى حالة من الفقر الشعبي العميق في بلد يملك طاقات اقتصادية هائلة.. وهل إيران التي تتصرف مع الشعوب المظلومة والمحرومة من الخبز والحرية، على الطريقة الروسية، الموروثة من زمن الشمولية الشيوعية (الروسية اصلاً وفصلاً) والتي تجلت في بودابست عام 1956. ضد احتجاجات الشعب الهنغاري، وفي براغ عام 1968. وغيرها وغيرها، هل إيران بموقعها من لوحة وتحديات الربيع العربي المعقدة دون شك، بخير؟ هل هي بنت الثورة التي أسقطت الطاغية والطاغوت؟
لا يبدو، ان شيئاً من ذلك بخير أو الى خير أو أنه خير نسبي أو جزئي مهدد بالشر، والقياس، حتى مع اعتبار الفوارق، على المسارات والمآلات المحتملة بالاسلام السياسي والحركي، في كل أماكن وجوده وقوته ونشاطه أو (نجاحه) تسمح لنا أن نفصح عن انطباعنا، بأن حركة أو حركات الإسلام السياسي قوية جداً، لأمور عدة أهمها، أن أضدادها التاريخيين والراهنين ضعفاء، ولا داعي لطمأنينتها الى ذلك لأن الضعيف قد يقوى اذا عرف كيف يردّ على التحدي، الى حالة الفراغ التي أحدثتها أزمة التحديث في العالمين الاسلامي والعربي، ومنها التفافات والتفاتات أميركية، في ظل استمرارية الاستقطاب الوحداني المهتز، الى هذه القوة الاسلامية، أو الإسلاموية، والدخول على خطها، من خلفها أو من أمامها، بهدف اختراقها بالشراكة التي لا يضربها الاختلاف، ولا حتى العداوة، لاستتباعها واقعياً واستخدامها في اتجاهين، اتجاه تقديم وترسيخ صورة الاسلام وبالملموس، بأنه لا يقل أو هو يزيد على الشيوعية خطراً على الحضارة والعمران والمعرفة والفن والعلم والإنسان وحقوقه وحرياته... حتى يكون هناك مبرر للتعبئة ضده، في جو ما اصطلح عليه وجرى العمل على ترسيخه واستثماره (اسلاموفوبيا) والاتجاه الآخر هو الاستمرار في تأزيم واختراق حركات الشعوب ضد الاستبداد المنتهية صلاحيته لإعادة إنتاجه وتجديده بالثورة والديموقراطية المسيطر عليها، وتجديد رهن الثروات على إيقاع العولمة التي تتحول الى رأسمالية متجددة ومتغولة، لمنع الشعوب من تحقيق النمو والنهوض والاستقلال والسيادة وكل ما يحفظ وجودها وحريتها وكرامتها ومشاركتها، ولا يعدل شيئاً في هذا المسار كلام رومانسي عابر كالذي ورد في خطاب الرئيس الأميركي السابق بيل كلنتون حيث تبرع بتبرئة الاسلام من تهمة الارهاب، ولا كلام واشنطن وخطاب الإدارة الأميركية الملتبس علينا رغم وضوح مضامينه وأهدافه أو خطاب الإدارات الأوروبية الذي لا ينقصه الحماس مع الشعوب من دون أن يكون الفعل الأوروبي المتردد والمراوغ متناسباً معه، أي مع الخطاب.
إن الموقف الأميركي من الشعوب الأخرى، وخاصة شعوب المشرق أو الجنوب، لا يخترعه أو يصنعه رئيس أو حكومة بعينها، لأن الرئيس هو صنيعة نظام الأفكار والقيم والمصالح الأميركية الراسخ والمتجدد على تغيير طفيف بين دورة أخرى وفي الشكل أكثر مما في المضمون.. ويمكن أن يكون محقاً من علق شيئاً من أمل على أوباما، الذي كرر وعده بالتغيير، الذي لم تصل نعمه إلينا، لأن أوباما لم يكن يقصدنا، أو أنه قصدنا إجمالاً ولكن التفصيل ليس بيده.
إذا... فالقوة الظاهرة والمبالغ فيها، في حركة الاسلام السياسي، ليست من السلامة من العاهات الفعلية او المحتملة، بحيث تدعو الى الاطمئنان الى مستقبلها ومستقبلنا معها.
إن ما قد يدعونا الى الاطمئنان ولو نسبياً، هو التخفيف من استشعار القوة الفائضة، انطلاقاً من حساب الوقائع المتحققة، وبالعودة الى التاريخ القريب والبعيد أيضاً، للدول والأحزاب والقوى التي أغرتها الفراغات الكبيرة في حال من سبقها، بالمبالغة في تقدير انتصارها، فانتكست، وكان وقع انتكاسها ثقيلاً عليها وعلى البشرية جمعاء (النازية أوضح الأمثلة ولا ننسَ الشيوعية) وقبل هذا وذاك، لن تكون حركة الاسلام السياسي، من دون تفريق عميق غير متوافر، بين أحزابها وتشكيلاتها المؤتلفة أو المختلفة، سياسياً أو فكرياً أو مذهبياً، لن تكون بخير وعافية وتتجنب المزالق والمآزق، إلا إذا تنكبت سبيل الذرائعية والنفعية والانتهازية، وتمسكت بالمعيارية الإنسانية، أي الدولة المدنية التي تحتكم للقانون والقيم الروحية في الأديان وتحقق العدالة والتي هي، أي الدولة المدنية، أي دولة المواطنة، هي المميز الوحيد المتاح والضامن لوجودها ووجودنا ومستقبلها ومستقبلنا.
هناك منطق سياسي كارثي سائد يفسر كوارثنا، ما سلف منها وما هو آت، هو منطق: اجمع عشر قسائم تربح ليرة ذهبية. اما كيف تجمعها ومن أين؟ اجمع تربح.
ليس لنا اعتراض أخلاقي او ديني أو وطني على هذا المنطق وتعميمه في المناخات السياسية المختلفة، شرط ألا يدعي أهله ومن يتعاطاه من البداية او في النهاية، انه مبدئي او من منطق أهل التقوى أو الذوق أو المعرفة بمعناها المعياري وجوهرها وغايتها الإنسانية.
منذ 9 ساعات
منذ 9 ساعات
واذا كان هذا المنطق المطبق والمتداول، ابتذالا للميكيافيلية، فان الميكيافيليين يعفون أنفسهم من حسابات المبادئ والقيم وعيونهم وعقولهم دائماً وأبداً على ما يحققونه وينجزونه او يصادرونه او يختلسونه، على الربح، على الوجود لا على القيمة، على المكسب لا على المصدر، على الوظيفة لا على المرجعية، على اللحظة التي بين أيديهم لا على المآلات والنهايات، على الهدف المباشر لا الوسيلة، اما المبدئية والتقوى والإيمان والدين ومصلحة الأمة وتاريخها ومستقبلها، فهذه كلها مفهومات معيارية، تدفع نحو تحقيق الهدف ولكنها تشترط مشروعية الهدف وسلامة الطريق والخطوة والصحبة، تشترط تطابق الغاية مع الوسيلة، فلا يعود الربح السريع او الكثير هو المقياس في النجاح. ومن هنا فانه اذا كان ما بعد الحداثة يحمل لنا إنذاراً بإسقاط المعايير او سقوطها، فاننا ومن أجل ان نحفظ قوامنا ونصابنا وخصائصنا، مدعوون الى الحذر لأن عدمه يهددنا بأضرار فادحة ومدمرة... وعندما تسقط المعايير لا يعود بإمكاننا ان ننافس أحداً.
إذا في السياسة القائمة على دعوى معيارية لا يجوز ان تكون الوقائع هي العلامة المميزة، وتكون العلامات المميزة في حيز آخر كالأفكار والقيم والأنظمة العاملة والجهد المبذول للمطابقة بين التكتيك والاستراتيجية مع تغليب الاستراتيجية على التكتيك دائماً، وتحكيم المبادئ باليوميات والتفاصيل والجزئيات.
إذا يمكن للوقائع أن تكون حجة ودليل نجاح، لدى حزب أو سلطة أو فرد، إن شاؤوا، ويمكن ألا تكون، بل يمكن أن تكون دلالة على فشل أو بداية فيه، وهذا ما يمكن التماس شواهده في كثير من الحروب التوسعية، وفي كثير من العمليات الاقتصادية، ومن هنا يكون حسابنا مع دولنا أو حكوماتنا أو أحزابنا وجماعاتنا، كما هو مع قبائلنا وعشائرنا، على أساس النهج، وما يمكن للوقائع أن تضيفه اليه أو تأكل منه أو تأكله، على فرض سلامته، ويمكن أن يكون النهج، وهو غير الدعوى والادعاء والإعلام والإعلان وعموم الأدبيات السياسية الحكومية أو الحزبية أو الطائفية، يمكن للنهج، بذاته أن يكون ظالماً، عندما تظهر على وجهه وعقله، علامات التصلب في شرايينه، جراء توهم التمامية الإيديولوجية التي تجعله عرضة للتعرج والتكسر والانكسار والكسر والتحول الى كائن كاسر... ما يجعل حامليه ـ أي النهج ـ يذهبون الى تسويغه بحساب الوقائع أو المكاسب أو النقاط التي حققوها في الميدان أو صناديق الاقتراع، والاعتداد بها كدليل على النجاح ودوامه، أو كتعويض أو تغطية للتراجع العميق (قبل نهاية السنة 2012 بأشهر كانت شعبية حركة النهضة في تونس قد تنازلت بنسبة 13 في المئة ومن يومها لم تتقدم بل يبدو انها تأخرت). وإذا ما دققنا فإن «الإخوان» في مصر قد فازوا في الرئاسة بخمس أعداد من يحق لهم الاقتراع من الشعب المصري. وعليه فإن مفهوم الأكثرية بذاته مفهوم رخو ورجراج، وعليه فإن الأرقام والحيثيات التي يروج لها كدليل على التفوق ومؤهل لاحتكار السلطة، قد تكون مقدمة لظهور التناقض والإنحراف والتحريف والإنقسام وحتى النكوص أو الارتداد السياسي وحتى الفكري. وإنه لأمر خطير أن تصبح الوقائع الكمية نهجاً بديلاً للنهج أو الحكم الذي سقط أو أسقطته الوقائع.
وإذا كان المنطق الأمثل يدعونا الى محاسبة أحزابنا على هذه الرؤية التي لا ترى، فإن الأحزاب الدينية تبقى أكثر من غيرها ملزمة بمنطق وموجبات المحاسبة، وإلا أصبح تناقضها صارخاً وخطرها عليها وعلينا ماحقاً، وكلما ارتفعت في خطابها وبرامجها النبرة التطهرية، واللهجة المثالية، والدعاوى الإلهية، والوعود النشورية، أي تقدمت الايديولوجيا على العقل، في سيطرتها وإعاقتها لرؤية الواقع كما هو وتغييره بالشراكة من داخله وبقوانينه، أصبحت القوى والأحزاب الدينية، خصوصاً بعد وصولها الى السلطة، بما يعقب ذلك عادة، وكما هو مشهود الآن، من عمى ايديولوجي، كلما حصل ذلك، اصبحت هذه القوى أكثر تعرضاً للانكشاف والفشل والافتضاح والتشظي والانتكاس والسقوط المريع. ولا داعي لحساب الفوارق في العقيدة لترتيب فرق بين مصيرها المحتمل ومصير الأحزاب الشيوعية الملموس، تبعاً لما حدث في العقل الشيوعي، بسبب شموليته وأدلجته، لا بسبب إلحاده وكفره.
ولو لم يكن الأمر هكذا، أو قريباً منه جداً، فإن طالبان مثلاً وفي لحظة انتصارها الكاسح في أفغانستان، وإن كان غير نهائي كما توهمت، قد جمعت من الوقائع والمواقع والأرقام والنقاط، ما لا سبيل الى التقليل من حجمه ومن دلالته، فهل كانت طالبان وهي في ذروة نشوتها بالنصر بخير؟ وهل كانت أو أصبحت أفغانستان في ظل طالبان وتحت نفوذها بخير؟ وهل الإسلام الطالباني أصلاً بخير؟ وهل إيران الآن، وبعد الحركة الخضراء والتصرفات القمعية مع المعارضة، والتصرفات الزبائنية المحلية والخارجية، في السياسة والاقتصاد والتي أدت الى حالة من الفقر الشعبي العميق في بلد يملك طاقات اقتصادية هائلة.. وهل إيران التي تتصرف مع الشعوب المظلومة والمحرومة من الخبز والحرية، على الطريقة الروسية، الموروثة من زمن الشمولية الشيوعية (الروسية اصلاً وفصلاً) والتي تجلت في بودابست عام 1956. ضد احتجاجات الشعب الهنغاري، وفي براغ عام 1968. وغيرها وغيرها، هل إيران بموقعها من لوحة وتحديات الربيع العربي المعقدة دون شك، بخير؟ هل هي بنت الثورة التي أسقطت الطاغية والطاغوت؟
لا يبدو، ان شيئاً من ذلك بخير أو الى خير أو أنه خير نسبي أو جزئي مهدد بالشر، والقياس، حتى مع اعتبار الفوارق، على المسارات والمآلات المحتملة بالاسلام السياسي والحركي، في كل أماكن وجوده وقوته ونشاطه أو (نجاحه) تسمح لنا أن نفصح عن انطباعنا، بأن حركة أو حركات الإسلام السياسي قوية جداً، لأمور عدة أهمها، أن أضدادها التاريخيين والراهنين ضعفاء، ولا داعي لطمأنينتها الى ذلك لأن الضعيف قد يقوى اذا عرف كيف يردّ على التحدي، الى حالة الفراغ التي أحدثتها أزمة التحديث في العالمين الاسلامي والعربي، ومنها التفافات والتفاتات أميركية، في ظل استمرارية الاستقطاب الوحداني المهتز، الى هذه القوة الاسلامية، أو الإسلاموية، والدخول على خطها، من خلفها أو من أمامها، بهدف اختراقها بالشراكة التي لا يضربها الاختلاف، ولا حتى العداوة، لاستتباعها واقعياً واستخدامها في اتجاهين، اتجاه تقديم وترسيخ صورة الاسلام وبالملموس، بأنه لا يقل أو هو يزيد على الشيوعية خطراً على الحضارة والعمران والمعرفة والفن والعلم والإنسان وحقوقه وحرياته... حتى يكون هناك مبرر للتعبئة ضده، في جو ما اصطلح عليه وجرى العمل على ترسيخه واستثماره (اسلاموفوبيا) والاتجاه الآخر هو الاستمرار في تأزيم واختراق حركات الشعوب ضد الاستبداد المنتهية صلاحيته لإعادة إنتاجه وتجديده بالثورة والديموقراطية المسيطر عليها، وتجديد رهن الثروات على إيقاع العولمة التي تتحول الى رأسمالية متجددة ومتغولة، لمنع الشعوب من تحقيق النمو والنهوض والاستقلال والسيادة وكل ما يحفظ وجودها وحريتها وكرامتها ومشاركتها، ولا يعدل شيئاً في هذا المسار كلام رومانسي عابر كالذي ورد في خطاب الرئيس الأميركي السابق بيل كلنتون حيث تبرع بتبرئة الاسلام من تهمة الارهاب، ولا كلام واشنطن وخطاب الإدارة الأميركية الملتبس علينا رغم وضوح مضامينه وأهدافه أو خطاب الإدارات الأوروبية الذي لا ينقصه الحماس مع الشعوب من دون أن يكون الفعل الأوروبي المتردد والمراوغ متناسباً معه، أي مع الخطاب.
إن الموقف الأميركي من الشعوب الأخرى، وخاصة شعوب المشرق أو الجنوب، لا يخترعه أو يصنعه رئيس أو حكومة بعينها، لأن الرئيس هو صنيعة نظام الأفكار والقيم والمصالح الأميركية الراسخ والمتجدد على تغيير طفيف بين دورة أخرى وفي الشكل أكثر مما في المضمون.. ويمكن أن يكون محقاً من علق شيئاً من أمل على أوباما، الذي كرر وعده بالتغيير، الذي لم تصل نعمه إلينا، لأن أوباما لم يكن يقصدنا، أو أنه قصدنا إجمالاً ولكن التفصيل ليس بيده.
إذا... فالقوة الظاهرة والمبالغ فيها، في حركة الاسلام السياسي، ليست من السلامة من العاهات الفعلية او المحتملة، بحيث تدعو الى الاطمئنان الى مستقبلها ومستقبلنا معها.
إن ما قد يدعونا الى الاطمئنان ولو نسبياً، هو التخفيف من استشعار القوة الفائضة، انطلاقاً من حساب الوقائع المتحققة، وبالعودة الى التاريخ القريب والبعيد أيضاً، للدول والأحزاب والقوى التي أغرتها الفراغات الكبيرة في حال من سبقها، بالمبالغة في تقدير انتصارها، فانتكست، وكان وقع انتكاسها ثقيلاً عليها وعلى البشرية جمعاء (النازية أوضح الأمثلة ولا ننسَ الشيوعية) وقبل هذا وذاك، لن تكون حركة الاسلام السياسي، من دون تفريق عميق غير متوافر، بين أحزابها وتشكيلاتها المؤتلفة أو المختلفة، سياسياً أو فكرياً أو مذهبياً، لن تكون بخير وعافية وتتجنب المزالق والمآزق، إلا إذا تنكبت سبيل الذرائعية والنفعية والانتهازية، وتمسكت بالمعيارية الإنسانية، أي الدولة المدنية التي تحتكم للقانون والقيم الروحية في الأديان وتحقق العدالة والتي هي، أي الدولة المدنية، أي دولة المواطنة، هي المميز الوحيد المتاح والضامن لوجودها ووجودنا ومستقبلها ومستقبلنا.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي