| مبارك مزيد المعوشرجي |
أول مظاهرة شاركت بها كنت طالباً في المرحلة المتوسطة، عمري حينها لا يتجاوز إحدى عشرة سنة، ذهبنا من مدارسنا بسيارات النقل إلى قصر نايف، رافضين منددين مطالبة قاسم العراق بضم الكويت، مؤيدين للقيادة السياسية في البلاد، هاتفين: يا ابو سالم عطنا سلاح، نبي نحارب ما نرتاح، و(يا بغداد ثوري ثوري خلي قاسم يلحق نوري).
وقد خطب فينا شاكراً المغفور له بإذن الله تعالى الأمير الوالد الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح، رحمه الله.
أما المظاهرة الثانية فكانت في عام 1964 أثناء زيارة الحبيب بورقيبة رئيس الجمهورية التونسية آنذاك، الذي صرح بضرورة التفاوض مع إسرائيل وتطبيق مبدأ: خذ وطالب، وليت حكامنا أطاعوه، فكانت شعاراتنا آنذاك: (لا صلح لا تفاوض لا اعتراف»، لاءات قمة الخرطوم المعروفة، و«لا دراسة ولا تدريس إلا بوحدة مع الرئيس» (أي: جمال عبد الناصر)، وكان المتظاهرون من ثانوية الشويخ حاضنة الفكر الوطني والقومي الذي بثّه المدرسون الكويتيون خريجو مصر ولبنان بين الطلاب.
وما إن خرجنا من بوابة المدرسة حتى تولتنا الشرطة العسكرية بأغصان أشجار الأثل والسدر والصفصاف المزروعة في طرق المدرسة، فتفرقنا مذعورين لشدة تعاملهم معنا بقسوة، فأكثرهم من غير الكويتيين، قادة وأفراداً، وبعد وقت تم استبدال ناظر المدرسة الأستاذ سليمان المطوع وزير التخطيط الأسبق، بالأستاذ عبد الحميد الحبشي الذي كان ضابطاً بالجيش المصري، ولكنه كان لنا خير خلف لخير سلف.
لا أود أن أطيل في المظاهرات منذ وعيت في السياسة كثيراً ولكني سأكتفي بهذين المثالين، كنا نعرف المنظمين ومن يقودون المظاهرة ونعرف الهدف منها، والرسالة التي تحمل، تأييدا كان أو رفضاً، ونعرف لمن يجب أن تصل هذه الرسالة وعلى صغر أعمارنا وقلة الوعي السياسي والوطني لم نخرب أي منشأة ولم نسئ لأي عسكري أو نستفزه، لاحترامنا لما يمثل، وهيبة للقانون، والسجون ذاك الزمان لا تخرج أبطالاً ونواباً بل تخرج التائبين الصالحين من العمل السياسي.
واليوم مظاهراتنا «سواريه»، توزع فيها الشرطة على المتظاهرين المياه المبردة والعصائر المثلجة وتنقل للجمهور عبر قنوات فضائية مباشرة ولكنها مجهولة المنظمين، وطرق المسيرة والمحتجز من قوات الأمن يرفع يديه فرحاً مبتسماً بإشارة النصر وسط دخان القنابل الصوتية والدخانية، فالاحتجاز هدف بحد ذاته، لأن المحتجز سيخرج من سجنه بطلاً مشهوراً وطريقه لمجلس الأمة سهود ومهود، وسيجد له بدلاً من المحامي عشرات ومن دون مقابل، ويقولون أول أحسن من الحين، وأقول لهم: أخطأتم ولو تبادلنا الأدوار والأزمان لتظاهرنا من ذاك الوقت إلى الآن، ولتوقفت مظاهرات اليوم من أول مظاهرة.