عندما أعلن الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي قبل شهرين عن «الإعلان الدستوري المكمّل» وأقال وكيل النيابة، انزعجنا كما انزعج غالبية الشعب المصري من تلك الخطوة المتعجلة، بالرغم من تقديمه البراهين على أهميتها لتعديل مسار الثورة.
وقلنا حينها ان مرسي الذي جاء لحكم دولة ناشئة حديثا وفيها الكثير من المتناقضات يحتاج الى التلطف بالشعب والتدرج معهم لكي يصل الى الأهداف المرجوة.
بالطبع فقد قامت ثورة جديدة ضد مرسي وخرج ملايين الشعب الى الشوارع لاستنكار ذلك الإعلان، وسال الكثير من الدماء، وأضرب كثير من قضاة مصر ورفضوا التعاون معه ما أرغمه على إلغاء إعلانه الأول وإصدار إعلان أخف بكثير منه وتعهدات بعدم الانقضاض على الحكم او تحويل مصر الى ديكتاتورية، ثم عرض مرسي حوارا مع أطياف المجتمع، وتلطف بشعبه الى ان انتهت لجنة كتابة الدستور من إعداد الدستور المقترح وعرضته على الاستفتاء.
للأسف ان التجمعات التي قادت الاستنكار الأول بحجج الخوف على مصر من الديكتاتورية لم تتوقف عن المطالبة بالتصويت بالرفض للدستور المقترح ثم تحركت من أجل تقويض حكم مرسي وإبطال التجربة، وعشنا أياما حالكة السواد في متابعة المناقشات العقيمة التي شارك فيها من هب ودب ما بين مؤيد ومعارض.
وللأسف ان كثيرا من تلك الجمعيات المعارضة التي لا يجمعها منهج واحد بل لها هدف واحد وهو تقويض حكم الاخوان المسلمين - بحسب شعارها الذي رفعته - للأسف انها تخطت جميع المعايير في النقد ووصلت الى حرق مقرات الاخوان وقتل بعض معارضيها، واعتقدت بأن الفرصة قد أصبحت مواتية لها لتحقيق أهدافها.
وللأسف ان أعدادا كبيرة من القضاة قد استجابوا لتلك الدعوات وقاطعوا الإشراف على الاستفتاء، وكانت المحكمة الدستورية على وشك إلغاء مجلس الشورى ولجنة كتابة الدستور كما ألغت مجلس الشعب قبلها.
المهم ان الاستفتاء على الدستور قد مضى في طريقه بسهولة وسلاسة ولم يسجل انتهاكات فيه تطعن في نزاهته - كما أثبت الكثير من الجهات المحايدة - وحصل الدستور على موافقة حوالي ثلثي الشعب وهي نسبة كافية لقبول أي دستور، وخطب مرسي في شعب مصر يطلب منه تخطي الماضي وبدء صفحة جديدة من الانجاز، لكن تلك المعارضة المدجنة التي تغذيها جهات خارجية كما يبدو والتي ترفض فكرة ان تحكم تعاليم الدين الاسلامي مصر، بالرغم من ان الدستور المصري الجديد كما قرأنا كثيرا من بنوده هو دستور مدني لا ديني ويعطي مساحات واسعة من الحرية لجميع الأديان والطوائف، ولكن هذه هي طبيعة القوى العلمانية والليبرالية في كل بلد، تتشدق بالحرية والديموقراطية متى ما تماشت مع أهدافها، ومتى خالفتها وتدخلت في بعض الأمور العامة التي لا تريدها تلك القوى نبذتها وحاربتها وتباكت على الحرية الموءودة وحقوق الإنسان.
الله يعين شعب مصر على هؤلاء الذين يعادون الديموقراطية والدين ويريدون الدنيا ان تسير على أهوائهم!!
د. وائل الحساوي
[email protected]