د. حسن عبدالله عباس / بابا الخالد وبابا البدر

تصغير
تكبير

يقول شاعر القصيدة اليتيمية:

«ضدان لما استجمعا حسنا والضد يظهر حسنه الضد».


بمعنى أننا لو أردنا أن نكتشف حُسن أو قُبح الشيء، فعلينا أن نعاين قرينه ونقارن بينهما. ما أردته من البيت المفاضلة بين فعلين لطالما ومازلنا نعيشهما هذه الأيام، وهما فعل وزارة الداخلية ونشاطها المتعلق بمقاومة الفرعيات وشراء الذمم الانتخابية وعمل لجنة التعديات على أملاك الدولة. فلو أردنا أن نعرف ما إن كان أي طرف قد فعل أمراً جميلاً (أو قبيحاً)، فما عليك سوى مقايسته بالآخر.

التشابه بين الكيانين كبير، فالطرفان يحظيان بدعم القيادة العليا في الدولة وبتخويل مباشر من رئاسة الوزراء، والاثنان يقاومان معاً التجاوزات والتصرفات غير القانونية، كما أنهما وبنشاطهما الآني يريدان استعادة هيبة الدولة التي فُقدت منذ «زمن طويل»، وأهم المشتركات بينهما أن الرئاسة بيد العسكر، فوزارة الداخلية «يتوزرها» جابر الخالد ورئاسة لجنة التعديات بيد محمد البدر، والاثنان من العسكر كما نعلم.

إلا أن الاختلاف الواضح بينهما يكمن في الأداء، فوزارة الداخلية فشلت في مهمتها، في حين أن اللجنة نجحت ومازالت تجني ثمار نجاحاتها. وزارة الداخلية مع بالغ الإحباط شمّرت عن ساعديها وأعلنت أنها ستضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه كسر هيبة الدولة، ومع ذلك عبرت القبائل «بسلام» لاختيار مرشحيها ومازالت تعبر رغم أنف الحاسدين، وها هي الأموال الانتخابية تُتداول وبالعلانية نفسها التي حظيت بها الفرعيات أو «التشاوريات». فلا يكمن الأمر فقط في فشل الوزارة التصدي ومقاومة الفرعيات فحسب، بل تطور ليرفع بعض أبناء القبائل «شارة النصر» بتغلبها على القوات الخاصة! يعني أن هيبة الدولة تراجعت عن مستواها المتدني السابق إلى درجة «دون التجمد». فلو الدولة لم تقاومهم وتوقفت عند حد التهديد كالسابق وظلت تُهدد «بيد من حديد» فقط، لنافقنا أنفسنا وكذبنا عليها بالقول إن الدولة لو أرادت منع الفرعيات لاستطاعت، لكن تجربة أمة 2008 أثبتت عملياً أن الوزارة تعاني من قصور خطير عن إدارة الأمور «بحرفنة» وعقلانية.

فهل تعتقد عزيزي القارئ أن الدولة ستوفق في محاربة مشكلة أعقد من الفرعيات وأقصد بها شراء الذمم؟ لا أظن ولسببين: الأول القصور والخلل الذي رأيناه في تجربة الفرعيات، والثاني لأن شراء الذمم غالباً يأتي من مرشحي «Full Options». يا ليتهم سكتوا لأن التهديد بالعنف أهون بكثير من الانهزام والتقهقر، فعلى قاعدة «من أمن العقاب» ستكون الفرعيات والمال السياسي أشرس في المستقبل.

قد تسأل الآن ولماذا نجحت لجنة التعديات؟ الحكمة. فعين الجواب «الحكمة»، ما اعتمدته اللجنة هو الأسلوب التوعوي الممزوج بالجدية والتدرج بأنواع الحلول وحتى الوصول لآخر محطات العلاج وهو العنف «المبرر». «thumps up» لكم يا لجنة. فهل عرفت كم الفرق بين الضدين، لا الجميلين، ولكن بين القبيح والجميل!


د. حسن عبدالله عباس

كاتب كويتي

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي