رولا فاضل / برد طرابلس قارس... والغطاء إلى متى؟

تصغير
تكبير
| رولا فاضل |

طرابلس يا مدينتي التي فيها ولدت وترعرعت، قلبي ينكوي لجرحك القديم الجديد، كقلوب جميع الطرابلسيين سواء الذين لا يزالون يعيشون في كنفك أو الذين هجروك مثلي تماماً ليبحثوا عن مدينة، لم تستطع أن تمنعها أي قوة أو مخطط من تلبية طموحات مواطنيها.

جرحك يا طرابلس قديم جديد، لأنه لا يقتصر على أحداث التبانة وجبل محسن المتكررة فحسب، وانما يتخطى الدم الذي تدفعينه من أبنائك ليشمل كل الظلم الذي ألحقه بك «منتخَبو المصلحة الشخصية» و«وزراء الصدفة» ورؤساء «آخر زمن». جرحك بدأ ينزف عندما فقدت المقومات المدنية الحضارية والثقافية و الاقتصادية... جرحك يا طرابلس بدأ ينزف عندما فقدت صناعتك وحرفك وزراعتك، عندما أُقفلت مصانعك ومصفاتك، عندما غُيبتِ عن خطة الاعمار والانماء وعندما هُمّشت كسائر المناطق من خارج بيروت. جرحك ينزف كلما تودعين أهلك الذين يهجرونك لأنك لا تملكين ما تقدمين لهم؛ جرحك ينزف، عندما لا تستقبلين السياح وتخبرينهم عن تاريخك العريق وترينهم تراثك من قلاع و آثار وأسواق قديمة وعندما لا تجدين من تقولين له انكِ قبل أن تكوني عاصمة محافظة الشمال، أنت المدينة الأولى في لبنان.

سياسات ما بعد حروب لبنان جعلت منك يا طرابلس مدينة الفقر والبؤس والشقاء والتلوث وانعدام فرص العمل وهذا يؤلمك وينزف جرحك فلا تكتمل فرحتك عندما تشهدين على نجاحات أبنائك وأموالهم وأدمغتهم التي يستثمرونها في الخارج وأنت متروكة للتجاذبات السياسية والمصالح الانتخابية و«الأجندات» الخارجية.

صحيح أنّ مشهد المواطن البائس الفقير يؤلمك في الصميم يا طرابلس ولكن ما يؤلمك أكثر هو وجود هذه الكميات الكبيرة من الأسلحة الثقيلة بأيادي من غيّر سوء التغذية ملامحه؛ مئات آلاف الدولارات تُصرف على معارك ينفذها من لا يستطيع أن يسدد فاتورة المستشفى أو قسط المدرسة أو حتى كسوة محترمة تقيه من برد الشمال القارس.

صحيح أنه عندما تدّعي المؤسسات الأمنية أن لا علم لها بوجود هذه الأسلحة بين أيادي المواطنين، يؤلمك يا طرابلس ولكن ما يؤلمك أكثر هو العجز الرسمي والأمني والسياسي عن وضع حدّ للعنف وانتظار القرار السياسي أو الغطاء السياسي لتدخل الجيش وبسط سيطرته على ساحة المعارك.

كنت يا طرابلس وما زلت ضحية صمت وغياب المسؤولين الذين أبوا أن يكرموك كما تستحقين فأصرّوا على اجبارك على الاستكانة تحت وطأة القهر و البؤس وتركوا جرحك مفتوحاً ينزف مع كل خلاف ينشب في أي منطقة ومع كل صراع سياسي أو حزبي وحتى مع حرب في بلد مجاور.



رولا فاضل
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي