الحقوق المكتسبة والتي كفلها الدستور لا يجب أن تمس مهما كانت المبررات التي دفعت الحكومة إلى إصدار مرسوم بقانون جديد يقيد حرية الاجتماعات العامة. الغريب إنه في العام 2006، أصدرت المحكمة الدستورية حكماً بعدم دستورية عدد من مواد المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979، وهذا الحكم بحد ذاته ينبغي أن يكون الحصن المنيع الذي من شأنه صد المحاولات كلها التي تقيد حرية الاجتماعات في بلد نظرته الاجتماعية وثقافة أهله قد رسخت دستورياً حرية الاجتماعات العامة، ولكن للحكومة رأيها الذي جاء من قبيل الانتهاز بعد حل مجلس الأمة لإصدار القانون سالف الذكر وفق المادة 71 في شأن إصدار المراسيم بقوانين.
وإذا كانت المادة 71 قد نصت على وجوب الضرورة عند إصدار المراسيم... فهل من ضرورة قصوى حسب ما حدده المشرع ؟ الإجابة لا شك بلا!
إن تضييق الخناق على فئات المجتمع من شأنه تقييد الحريات وفيه نقض للدستور، ناهيك عن الإذن الذي ينبغي أخذه لعقد الاجتماعات العامة! وإذا كانت الحكومة ترى في بعض الاجتماعات العامة سلوكاً منافياً للدستور أو فيها تجاوزاً للقانون، فالأولى دراسة التغيير في النمط السلوكي الذي شهده المجتمع ومعالجته لا أن يتم تقييد حرية السواد الأعظم من المجتمع الكويتي.
إن تنظيم الاجتماعات العامة يتطلب تثقيفا وتغييرا في ثقافة المجتمع لا أن يسلط سيف القانون بتشريع مخالف لروح الدستورية التي هي المتنفس الوحيد والمشروع لأبناء هذا الوطن العزيز على قلوبنا. كيف لنا أخذ تصريح بعقد لقاء أو تجمع؟ هل يجوز أن يصدر قانون وفق المادة 71 من دون توافر الضرورة فيه، خصوصاً وأن المجلس الجديد إن قدر الله له الانعقاد سيكون خلال شهر؟ هل فترة الشهر لا تحتمل التأخير؟
إن بعض القوانين من شأنها رفع مستوى البلد تعليمياً، صحياً، اقتصادياً ولا خلاف عليها. ولكن إصدار قوانين تقييد الحريات ومساحة التعبير عن الرأي بالوسائل السلمية حسب ما عاهدناه في مجتمعات إنما هو قانون تنعكس اثاره السلبية على الجميع وسيخلف روحاً غير طيبة بين عموم فئات المجتمع وأفراده!
إننا يا سادة نبحث عن حريات مسؤولة، وندعو المولى عز وجل أن يهبنا ثقافة اجتماعية تعزز من روح العطاء للوطن من دون تحيز أو انتقائية وبشفافية مطلقة تفتح الباب أمام رجالات الإصلاح بعدالة وتكافؤ للفرص وأن يكون الباب والقانون مغلقين في وجه المفسدين ومشتري الذمم وغيرهم!
إن الوطن ينادي المخلصين إلى التجاوب مع معطيات الحياة العادلة، فالإصلاح لا يكون إصلاحا حقيقياً ما لم تترجمه الأفعال على أرض الواقع... والله المستعان.
تركي العازمي
كاتب ومهندس كويتي
[email protected]