النص والعرض المسرحيان

 u062f. u064au062du064au0649 u0639u0628u062fu0627u0644u062au0648u0627u0628
د. يحيى عبدالتواب
تصغير
تكبير
| د. يحيى عبدالتواب * |

العلاقة بين النص والعرض المسرحيين قضية مثارة دائما. ويتمحور حولها نقاش جاد عبر العصور وعبر المجتمعات المختلفة. وليس بالضرورة ان يكون لرأي من الآراء حول هذه القضية الغلبة الأبدية. ولكن احكام تطور ظاهرة المسرح في حد ذاتها تتطلب، بل وتفرض المرونة والتغير عبر طريق متعرج يمينا ويسارا بين الطرفين من حيث هيمنة فكر أي من مؤلف النص ومؤلف العرض، وارتقاء وتدنيا من حيث جودة العمل المسرحي.

وفي الوقت الراهن يحتد النقاش بين اصحاب الآراء المختلفة. وسبب حدة النقاش هذه، عادة ما يكون خارج موضوع النقاش نفسه. وعادة ما ينقسم المتناقشون الى فريق يمثل كاتبي النصوص المسرحية ويرون أنه ما على الآخرين سوى تبجيل هؤلاء الكتاب وعمق رؤيتهم، في نظرة متعالية على من يعملون على خلق العرض المسرحي من المخرجين والممثلين ومصممي الديكور المسرحي وغيرهم، والذين يعتبرونهم أقل حكمة على أفضل تقدير. أما الفريق الآخر فيدافع عن نفسه من منطلق أن العرض خلق آخر له مؤلفه وهو المخرج والذي يعتبر النص منطلقا لأفكاره التي تحكمها رؤية، يوظف في سبيل تحقيقها سائر عناصر العرض - بما فيها النص المسرحي - وينسق بين المبدعين الآخرين للوصول الى أفضل ما يمكن للعرض. ويذهب بعض افراد الفريق الثاني الى اعتناق مبدأ أنه ليس للنص سلطان مقدس على العرض والعارضين. وبذلك، فأي مغالاة في التحيز من أي الطرفين يؤدي الى احتدام أزمة الفهم لجوهر القضية. وذلك لأن هذا المنهج في التفكير يضمن عدم الوصول الى حل المعضلة بالادراك الشامل لها. وقد يصل النقاش الى نقطة اللا عودة اذا ما وصل كل من الطرفين الى شخصنة القضية، بحيث تصبح معركة تهدف الى محاولة تفضيل اما الكاتب أو المخرج.

أما اذا ما احتكمنا للتفكير الجدلي الذي لا يقصي أحد الطرفين، والذي يرى أن كلا من النص والعرض هما بعدان متداخلان في تكوين الابداع المسرحي، فقد نجد طريقا لنصرة الطرفين معا. ولكن من أجل أن نصل الى شمولية الرؤية، لابد وأن نأخذ في الاعتبار الطرف الثالث المكون للظاهرة المسرحية - والذي من دونه ينعدم وجودها - ألا وهو الجمهور المسرحي. فالجمهور طرف أساس، ليس فقط بسبب وجوده كمتلق للابداع، ولكن من حيث وجوده الايجابي من حيث وعيه وتذوقه وفاعلية تجاوبه قبولا ورفضا لبعدي العمل الابداعي : العمق الفكري والمتعة الجمالية، بل واستكمال الصورة الفنية في خياله. وهو بذلك ليس طرفا منفصلا عن العملية الابداعية وانما هو مشارك فيها بلا شك.

ولا يخفى أن جوهر القضية المثارة يكمن في أن العرض المسرحي هو فن أدائي يتطلب اللقاء الحي بينه وبين الجمهور. أما النص المسرحي فهو أدب يكتب من اجل أن يعرض على خشبة المسرح أمام الجمهور. ولكل من الأدب من جانب والفنون الأدائية من جانب آخر بنية وقوانين خاصة تميز كلً منهما. فان تصلَب النص أمام فنون الأداء أو تغولت الفنون الأدائية على جوهر العمل الأدبي المسرحي، فلن يذوب العملان في وحدة متسقة، وكان مآل كلاً منهما الى البعد عن ابداع عمل متكامل، وبرزت زوايا لكل منهما تشوه التكوين الكلي للابداع المسرحي.

ان فن المسرح هو العرض المسرحي أمام الجمهور، أما النص أو أي من تفاصيل فنون الأداء المسرحي فلا يزيد عن كونه مكوناً من مكونات هذا العرض. فان برز مكون عن المكونات الأخرى أدى ذلك الى الاخفاق. وان كان الابداع الفني عموما يتطلب موهبة أصيلة وخيالا خصبا ومعرفة عميقة وثقافة واسعة وحرفة متقنة، فقد يكون سبب عدم نجاح الابداع هو واحد من هذه المتطلبات وليس مجرد موقف ما - أيا كان هذا الموقف - من قضية النص والعرض المسرحيين.





* قسم التمثيل والاخراج المسرحي

المعهد العالي للفنون المسرحية

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي