أبلغ رد على كل من تطاول على مقام النبي صلى الله عليه وسلم
«...إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ»
المجموعة التي قامت بتوزيع نسخ القرآن المترجم والسيرة النبوية في لندن
«أميتوا الباطل بالسكوت عنه، ولا تثرثروا فينتبه الشامتون» هذه المقولة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ما كان أحوجنا لأن نتمثلها ونحن نتعامل مع أزمة الفيلم المسيء لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلو أننا سكتنا عنه، ولم نعره اهتماماً، لأمتناه... ولأحرقنا الزمرة الفاجرة التي سولت لهم أنفسهم صناعته، غيظاً وكمداً على فشلهم في تحقيق أهدافهم الشيطانية وأهداف أسيادهم الذين دفعوهم الى اتون الفتنة وجعلوهم وقوداً لها.
إن الغضب في مثل هذه الحالة مشروع، والذود عن نبينا صلى الله عليه وسلم واجب، لكن يجب علينا ونحن نغضب أن تكون الغضبة لله ولرسوله، وليس لأغراض أخرى - وهي كثيرة - وأن نتحلى بقيم الإسلام السامية، حتى لا نعطي شراذم الخلق الفرصة للنيل من ديننا ومقدساتنا. وما أروع ما قامت به جمعية (DISCOVER OSLAMUK) في لندن من رد بليغ على الفيلم المسيء، بتوزيع أكثر من (110.000) نسخة من القرآن المترجم وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
هكذا تكون النصرة لنبينا صلى الله عليه وسلم من خلال تعريف غير المسلمين بشريعته السمحة وسيرته العطرة الزاخرة بالعبر والعظات والدروس ونبل الأخلاق والتسامح والمروءة والوفاء وكل الخلال والسجايا الكريمة.
إن نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون باتباع سنته، والتزام هديه وشريعته... فلا يعقل أن يخرج الى الشارع جماعات من الناس ترفع اللافتات والشعارات وتقف أمام عدسات التلفاز تصرخ وتندد وتتوعد نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم من لا يحفظ بضعة أحاديث صحيحة عنه، ومنهم من لا يعرف شيئاً عن سيرته، بل منهم من يسمع النداء للصلاة ولم يلبًّ... بل منهم من لم يدخل مسجداً من قبل... فكيف ينصره من لم يلتزم أوامره، ويتبع هديه...؟ إن فاقد الشيء لا يعطيه... وصدق الله العظيم إذ يقول: «إنَّا كفيناك المستهزئين».
عبدالله متولي
إن من سنة الله فيمن يؤذي رسوله، صلى الله عليه وسلم أنه إن لم يجاز في الدنيا بيد المسلمين، فإن الله سبحانه ينتقم منه ويكفيه إياه والحوادث التي تشير إلى هذا في السيرة النبوية وبعد عهد النبوة كثيرة، وقد قال الله تعالى: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين).
والقصة في سبب نزول الآية وإهلاك الله لهؤلاء المستهزئين واحدا واحدا معروفة قد ذكرها أهل السير والتفسير وهم على ما قيل نفر من رؤوس قريش وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وكلاهما لم يسلم، لكن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأكرم رسوله، فثبت ملكه.
قال ابن تيمية : يقال: إن الملك باق في ذريته إلى اليوم، ولا يزال الملك يتوارث في بعض بلادهم.
وأما كسرى فمزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتله الله بعد قليل ومزق ملكه كل ممزق، فلم يبق للأكاسرة ملك وهذا والله أعلم تحقيق لقوله تعالى: (إن شانئك هو الأبتر) فكل من شنأه وأبغضه وعاداه، فإن الله يقطع دابره ويمحق عينه وأثره وقد قيل: إنها نزلت في العاص بن وائل، أو في عقبة بن أبي معيط، أو في كعب بن الأشرف، وجميعهم أخذوا أخذ عزيز مقتدر.
إن أحداث التاريخ منذ بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها الكثير من المواقف والأحداث التي تبين عاقبة من استهزأ بالحبيب صلى الله عليه وسلم، وتؤكد أن الله تعالى تكفل بالانتقام لنبيه صلى الله عليه وسلم، وكفاه ممن استهزأ به، وهذا ماض إلى قيام الساعة دائماً وأبداً؛ مصداقاً لقوله تعالى: «إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ» (الحجر:95).
قال العلامة السعدي في تفسيره لهذه الآية: «وهذا وعْدٌ من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ألا يضره المستهزئون، وأنْ يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة، وقد فعل الله تعالى، فإنَّه ما تظاهر أحدٌ بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة».
روى أنس رضي الله عنه قال: (كان رجل نصرانياً فأسلم، وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فعاد نصرانياً، فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله، فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم، نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له، فأعمقوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم، فألقوه، فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا، فأصبح قد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه) رواه البخاري.
يقول ابن تيمية: «وهذا أمر خارج عن العادة، يدل كل أحد على أن هذه عقوبة لما قاله، وأنه كان كاذباً؛ إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا، وأن هذا الجُرم أعظم من مجرد الارتداد؛ إذ كان عامة المرتدين لا يصيبهم مثل هذا، وأن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبَّه، ومُظْهِرٌ لدينه، وكذب الكاذب إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد».
وقصة كسرى وقيصر المشهورة مع النبي صلى الله عليه وسلم جديرة بالتأمل، فقد كتب إليهما النبي صلى الله عليه وسلم، فامتنع كلاهما عن الإسلام، لكن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأكرم رسوله، فثبَّت الله ملكه، وكسرى مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستهزأ به، فقتله الله بعد قليل، ومزق ملكه كل ممزق، ولم يبق للأكاسرة مُلك، فكل من أبغض النبي صلى الله عليه وسلم وعاداه، فإن الله يقطع دابره، ويمحق عينه وأثره، وهذا تحقيق وتصديق لقول الله تعالى: «إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ» (الكوثر:3) .
وينبغي أن يُعْلم أن كفاية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ممن استهزأ به أو آذاه ليست مقصورة على إهلاك هذا المعتدي بقارعة أو نازلة، بل صور هذه الكفاية والحماية متنوعة متعددة، قال الله تعالى: «وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ» (المدثر:31)، ولعل تتبع هذا الأمر يطول، غير أننا نكتفي بعرض عدة نماذج، كفى الله فيها رسوله صلى الله عليه وسلم ممن آذاه أو استهزأ به في حياته، وهذه بعض أسمائهم مع بيان حالهم ونهاية حياتهم:
أبو لهب
هو عبد العزى بن عبد المطلب: عم النبي صلى الله عليه وسلم، كان من أشد الناس تكذيبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثرهم أذى له، وهو القائل للنبي صلى الله عليه وسلم: «تبا لك! ألهذا جمعتنا؟!».
وكذلك كانت امرأته من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تضع الشوك في طريقه، والقذر على بابه، فلا عجب أن نزل فيهما قول الله تعالى: «تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ» (سورة المسد:1-5)، وقد أخذ الله أبا لهب بمكة، إذ أصابه بمرض خبيث يقال له: مرض العدسة، وكان ذلك يوم هزيمة المشركين ببدر، فجمع الله عليه البلاء والعذاب النفسي والبدني، فمات شر ميتة.
ذكر الطبري في «تاريخه»: «أن العدسة قرحة كانت العرب تتشاءم بها، ويرون أنها تعدي أشد العدوى، فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه، وبقي بعد موته ثلاثاً، لا تقرب جنازته، ولا يحاول دفنه، فلما خافوا السُّبَّةَ في تركه، حفروا له، ثم دفعوه بعود في حفرته، وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه».
أبو جهل عمرو بن هشام
وكنيته أبو الحكم، وكناه المسلمون بأبي جهل؛ لخبثه وسوء أفعاله، كان من أشد قريش عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكم لاقى النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون من إيذائه واستهزائه، هلك ببدر، قتله ابنا عفراء شابان صغيران واجتز رأسه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أحد المستضعفين من المسلمين، وذلك زيادة في إذلاله.
عقبة بن أبي معيط
من أشد الناس أذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعداوة له وللمسلمين، وهو الذي وضع سلا الجزور-جلد بعير مذبوح- بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي عند الكعبة، وضحك لذلك كفار قريش، حتى جاءت فاطمة رضي الله عنها، فأبعدته عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: (اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، ثم تسمّي: اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد. قال ابن مسعود: فوالله لقد رأيتهم صرعى (قتلى)يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب (البئر) - قليب بدر- ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأتبع أصحاب القليب لعنة) رواه البخاري. وقد هلك هذا الخبيث عقبة بن أبي معيط ببدر، حيث أُسِر بها وقُتِل.
الأسود بن عبد يغوث
من المستهزئين بالرسول صلى الله عليه وسلم، وكان إذا رأى فقراء المسلمين قال لأصحابه مستهزئاً: هؤلاء ملوك الأرض الذين يرثون ملك كسرى. وكان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أما كُلِمتَ اليوم من السماء يا محمد؟! وقد أصاب الله هذا الخبيث بقروح في رأسه فمات منها شر ميتة.
الحارث بن قيس السهمي
أحد المسيئين للنبي صلى الله عليه وسلم، الذين ظلوا يؤذونه طول حياتهم، وكان لشدة كفره وجهله يقول: غرَّ محمد أصحابه، ووعدهم أن يحيوا بعد الموت. وهلك هذا الكافر بالذبحة؛ إذ أكل حوتاً مملوحاً، فلم يزل يشرب حتى مات، وقد امتلأ رأسه قيحاً، فكانت موتته شر ميتة وأنكرها.
العاص بن وائل السهمي
والد عمرو بن العاص رضي الله عنه، وكان من المستهزئين بالحبيب صلى الله عليه وسلم، وهو القائل لما مات القاسم بن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن محمداً أبتر (مقطوع)، لا يعيش له ولد»، فأنزل الله تعالى فيه سورة الكوثر: «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» (الكوثر:1-3). هلك العاص اسم ومسمى بمكة، بسبب شوكة في رجله، انتفخت بسببها، حتى صارت كعنق البعير، فمات بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
الأسود بن المطلب أبو زمعة
ذكر ابن هشام في سيرته أنه كان يقول لأصحابه مستهزئا بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته: «قد جاءكم ملوك الأرض، ومن يغلب على كنوز كسرى وقيصر، ويصفرون ويصفقون ضحكا وسخرية»، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يعمى ويثكل (يفقد) ولده، فمات أعمى أثكل إلى جهنم وبئس المصير.
مالك بن الطلاطلة
كان سفيهاً من المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فمات بمكة بعد أن امتلأ رأسه قيحاً.
هؤلاء من صناديد الكفر بمكة، اعتدوا على مقام النبي صلى الله عليه وسلم بالإيذاء والاستهزاء، فأهلكهم الله بأساليب شديدة شتى وفي مدة وجيزة، نكالاً لهم في الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى، وفي ذلك عبرة لمن يعتبر.
ثم إن هذه النماذج وغيرها مما وقع في حياته أو بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لَتؤكد صدق وعد الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ» (الحجر:95). يقول ابن تيمية في هذا الصدد: «والقصة في إهلاك الله واحداً واحداً من هؤلاء المستهزئين معروفة، قد ذكرها أهل السِّيَر والتفسير، وهم على ما قيل: نفر من رؤوس قريش، منهم: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسودان: ابن المطلب وابن عبد يغوث، والحارث بن قيس».
إن من سنة الله فيمن يؤذي رسوله صلى الله عليه وسلم، أن الله سبحانه ينتقم منه، ويكفيه إياه، وهذا ماض إلى قيام الساعة؛ لقول الله تعالى: «إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ» (الحجر:95)، ثم إن المجرم الذي يسيء للنبي صلى الله عليه وسلم إذا لم تدركه عقوبة في الدنيا فيما يظهر للناس فإن وراءه يوماً عبوساً قمطرير شره في الخلق منتشر عظيم الشأن، والواجب علينا التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وطاعة أوامره، والدفاع عنه، ونصرته وتوقيره، قال الله تعالى: «إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً» (الفتح:8-9).
الهدف من إنتاج
وعرض الفيلم المسيء
هذه مقتطفات من مقال للدكتور عادل عمر رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية، فند فيه الأهداف الخسيسة لصناع الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم، وطرح فيه العديد من التوجهات التي يجب على المسلم اتباعها لمواجهة هذا التطاول على مقامه صلى الله عليه وسلم.
بدأ الدكتور عادل عمر مقاله بآيات من القرآن الكريم منها:
* (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّـهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّـهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) البقرة: 120
* (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى ليْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّـهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) البقرة: 113
إن المسلم الحق لا يمكن أن يقوم بمثل هذا الدور لا واعيًا ولا مستغفلاً لأن إسلامه يمنعه أن يتلقى التوجيه من أعداء الإسلام وهذا هو الدين لا يمين ولا شمال، وإلى هذا المعنى لفت النبي صلى الله عليه وسلم الأنظار في حواره الرائع مع حذيفة بن اليمان رضي الله عنه الذي كان يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشر مخافة أن يدركه، حوار طويل جدًا، وجميل جدًا، لن نذكره كله وهو في البخاري لمن أراد الرجوع إليه، لكن نقطة مهمة جدًا تخصّنا الآن، فبعد أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي زمان على أمتي سيكون فيه الخير ولكن سيكون فيه دخن سأل حذيفة: وهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نَعَمْ.
ثم نأتي الآن الى الشر الذي زخم العقول الشريرة والتي نزع من قلوبها الخير وتكرر سيناريو الهجوم على نبي الرحمة المهداة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد نقلت صحيفة معاريف عن سام باسيل المخرج الإسرائيلي الأميركي للفيلم المسيء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم مزاعمه أن هدفه من الفيلم محاربة أفكار الإسلام وجهل المسلمين، وأنه في المقام الأول فيلم سياسي سوف يساعد إسرائيل في كشف عيوب الإسلام أمام العالم أجمع.
وزعم باسيل أن الفيلم يظهر بربرية المسلمين وهمجيتهم من خلال الإحراق والقتل واصفا بوقاحة النبي محمد صلى الله عليه وسلم: بالمخادع، وعبّر باسيل عن أسفه لمقتل أميركيين في ليبيا داعيا أميركا أن تتخذ موقفًا وتعمل على تغيير وضع التأمين لديبلوماسييها.
وأكد باسيل أن هذا الفيلم قام مئات من اليهود بتمويله فهو صناعة إسرائيلية - أميركية - مصرية، مشيرا إلى أن ما يحدث من احتجاجات واشتعال في مصر وليبيا هو هدف من أهداف الفيلم.
المخرج الاسرائيلي الاميركي للفيلم المسيء لرسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سام باسيل زعم خلال تصريحاته إلى صحيفة معاريف وواصل زعمه قائلا: إن الفيلم يعمل على إظهار بربرية المسلمين وهمجيتهم من خلال الإحراق والقتل واصفا النبي بألفاظ يعجز اللسان والقلم عن ذكرها.
عقد أقباط المهجر في الولايات المتحدة ودعاة تقسيم مصر وإقامة دولة قبطية وأبرزهم موريس صادق، الذي أُسقطت عنه الجنسية المصرية وعصمت زقلمة، المعروف برئيس الهيئة العليا للدولة القبطية المزعومة بالاشتراك مع القس الأميركي المتطرف، تيري جونز صاحب دعوى إحراق المصحف الشريف، ما سمّوها محاكمة شعبية للرسول، عليه الصلاة والسلام في ذكرى أحداث هجمات سبتمبر، داخل كنيسة القس في ولاية فلوريدا وسط تغطية إعلامية كبيرة من القنوات التلفزيونية الأميركية المحلية.
وتشكلت المحاكمة من القس وايتني ساب وتيد جيت وأسامة دقدوق ويشترك بها كمراقبين موريس صادق، وإيليا باسيلي، وإيهاب يعقوب وسعت لتحميل الرسول عليه الصلاة والسلام مسؤولية هجمات سبتمبر والتشكيك في الإسلام، وأنه ليس رسالة سماوية بل هو اختراع بشري وأنه لا يحمل سلاماً للأرض بل يحرّض على كراهية البشر وسفك الدماء وذلك من أجل إصدار حكم بالإعدام في حق الرسول عليه الصلاة والسلام.
وأطلق المتطرّفون على المحاكمة: اليوم العالمي لمحاكمة محمد وكان من المقرر أن يعرض منظمو المحاكمة فيلماً مسيئاً للرسول صلى الله عليه وسلم قبل بدء المحاكمة من إنتاج الهيئة العليا للدولة القبطية المزعومة التي يترأسها كل من عصمت زقلمة، وموريس صادق والذي استغرق إعداده 3 سنوات، ومدته 3 ساعات وجرى إعداد نسخة مدبلجة له باللغة العربية.
وقال سام باسيل، مخرج الفيلم إنه استند في تجسيد شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الكتب والمراجع الإسلامية المعروفة التي تكلمت عن حياته دون أن يذكر تلك المراجع والكتب.
إن هذا الفيلم ليس أول إساءة للإسلام ولن يكون الأخير ولابد من محاسبة من يقفون وراءه سواء من المصريين وغيرهم وحسنا فعل النائب العام بوضع عشرة مصريين من هؤلاء على قوائم ترقب الوصول للتحقيق معهم ومعرفة ابعاد مشاركتهم في إنتاج هذا الفيلم وعرضه برغم أنهم يعلمون مسبقاً انه ستكون له عواقب وخيمة.
التوجيه الأول
ضبط النفس والتروي وعدم التعجل إلى أي تصرف قد يحسب على المسلمين وينبغي استغلال هذه الأحداث فيما يخدم دين الله فإن من النقم ما يحمل في طياته نعما.
قال ابن القيّم رحمه الله: المصائب والبلايا نقمة ونعمة ففي هذه الأحداث تنبيه للغافلين للعودة لرب العالمين وتجديد للدين في نفوس المسلمين إلى غير ذلك من مصالح قد تجنى.
التوجيه الثاني
وجوب التوبة والرجوع إلى الله والحذر من الذنوب والمعاصي قال تعالى: «وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ» الشورى: 30.
وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم.
التوجيه الثالث
الرجوع إلى أهل العلم والبصيرة والعمل بنصحهم وتوجيههم عملا بقول الله سبحانه: «وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَو ِالْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» النساء: 83
فلا ينبغي الإقدام على قول أو فعل إلا وفقا لتوجيه هؤلاء العلماء ونخص هنا ما دعا إليه علماء الأمة.
من المقاطعة الاقتصادية لمنتجات الدول التي تبنت هذه الأفكار وكذا غير المقاطعة من وسائل يمكن أن تتحقق بها المصلحة الشرعية.
وينبغي أن نركّز في هذا على الدولة التي طلع منها هذا الشر فنقاطع بضائعها وخدمتها وأدويتها مقاطعة تامة حتى يذوق أهلها وبال أمرهم.
التوجيه الرابع
وحدة الصف وتوحيد الكلمة، ففي ذلك قوة الأمة والحذر من التفرّق ففي ذلك الضعف والهوان قال تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» آل عمران: 103
وقال سبحانه: «وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» (46) وننبه على أن هذه التوجيهات مطلوبة من المسلمين في كل وقت وحين ويتأكد الطلب عند حدوث مثل هذه الأحداث.
وأخيرا نقول:
يا سيّد الخلقِ يا نورٌ نسيرُ بهِ إلى الجِنانِ فدتكَ الشمسُ والقمرُ
فدتكَ نفسي ومالي والحياةُ وما في الأرضِ والكونُ والأفلاكُ والبشرُ
يا هاديَ الخلقِ نشكو حالَ أمّتِنا إلى الذي أحكِمتْ من عندهِ السوَرُ
في الكونِ صِرنا ظلاماً لا سِراج لنا بصائرٌ عميتْ والعقلُ والبصرُ
إنّا طلبنا الهُدى في غيرِ سُنّتِكُم تِهنا عن البدرِ لمّا ضمّنا السحَرُ
ياسيدَ الخلقِ لو كنّا أولي رشدٍ ماكانَ وغدٌ لدينِ الشرِّ ينتصِرُ
وما تجرأ قسيِّسٌ وزُمرتُهُ على جنابِكَ لو كنّا لما مكروا
يا رحمةَ اللهِ للأكوانِ قاطِبةً شكي عزائمَنا ياسيدي الخوَرُ
في اليومِ نقتُلُ مرّاتٍ وليس لنا من ناصِرٍ ونقولُ الدّهرُ والقدَرُ
جيوشُنا عبَسَتْ في وجهِنا وإذا جاء العدوّ سعتْ بالذلِّ تعتذِرُ
تمدُّ كفّاً إلى الطاغوتِ في وهنٍ فزادها وهناً واستأسد الخطَرُ
ياسيِّد الخلقِ ضاع الحقُّ في زمنٍ تكدّرَ الصفوُ فيهِ إذ صفى الكدرُ
المسلمون بهِ بُكمٌ وإنْ نطقوا وصامتون وإنْ صاحوا وإن هذروا
ياسيّد الخلقِ هذا الشِّعرُ أبعثُهُ من الفؤادِ إلى قومي ليعتبِروا
وأشهِدُ اللهَ ياسمعي ويا بصري أنّي بدينِك يامُختارُ أفتخِرُ
وليس لي غيرُ هذا الفخرِ أُعلِنهُ فلتُشرِقِ الشمسُ وليهمي بك المطرُ
المبعوث للناس رحمة
هذه أبيات من قصيدة للشيخ جمال الدين الصرصري والذي قال عنه ابن كثير: الصرصري المادح، الماهر، ذو المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يشبه في عصره بحسان بن ثابت رضي الله عنه. يقول:
محمد المبعوث للنــاس رحمةً
يشيِّد ما أوهى الضلال ويصلح
لئن سبَّحت صُمُّ الجبـال مجيبةً
لداود أو لان الحديـد المصفح
فإن الصخور الصمَّ لانت بكفه
وإن الحصــا في كفه ليُسَبِّح
وإن كان موسى أنبع الماء بالعصا
فمن كفه قد أصبح المـاء يَطفح
وإن كانت الريح الرُّخاءُ مطيعةً
سليمان لا تألـو تروح وتسرح
فإن الصبـا كانت لنصر نبينا
ورعبُ على شهر به الخصم يكلح
وإن أوتي الملكَ العظيم وسخِّرت
لـه الجن تسعى في رضاه وتكدح
فإن مفاتيح الكنــوز بأسرها
أتته فرَدَّ الـــزاهد المترجِّح
وإن كـان إبراهيم أُعطي خُلةً
وموسى بتكليم على الطور يُمنح
فهـذا حبيب بل خليل مكلَّم
وخصِّص بالرؤيا وبالحق أشرح
وخصص بالحوض الرَّواء وباللِّوا
ويشفع للعـاصين والنار تَلْفح
وبالمقعد الأعلى المقرَّب نــاله
عطـــاءً لعينيه أَقرُّ وأفرح
وبالرتبة العليـا الوسيلة دونها
مراتب أرباب المواهب تَلمح
ولَهْوَ إلى الجنات أولُ داخلٍ
لــه بـابها قبل الخلائق يُفْتَح
فلو أننا سكتنا عنه، ولم نعره اهتماماً، لأمتناه... ولأحرقنا الزمرة الفاجرة التي سولت لهم أنفسهم صناعته، غيظاً وكمداً على فشلهم في تحقيق أهدافهم الشيطانية وأهداف أسيادهم الذين دفعوهم الى اتون الفتنة وجعلوهم وقوداً لها.
إن الغضب في مثل هذه الحالة مشروع، والذود عن نبينا صلى الله عليه وسلم واجب، لكن يجب علينا ونحن نغضب أن تكون الغضبة لله ولرسوله، وليس لأغراض أخرى - وهي كثيرة - وأن نتحلى بقيم الإسلام السامية، حتى لا نعطي شراذم الخلق الفرصة للنيل من ديننا ومقدساتنا. وما أروع ما قامت به جمعية (DISCOVER OSLAMUK) في لندن من رد بليغ على الفيلم المسيء، بتوزيع أكثر من (110.000) نسخة من القرآن المترجم وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
هكذا تكون النصرة لنبينا صلى الله عليه وسلم من خلال تعريف غير المسلمين بشريعته السمحة وسيرته العطرة الزاخرة بالعبر والعظات والدروس ونبل الأخلاق والتسامح والمروءة والوفاء وكل الخلال والسجايا الكريمة.
إن نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون باتباع سنته، والتزام هديه وشريعته... فلا يعقل أن يخرج الى الشارع جماعات من الناس ترفع اللافتات والشعارات وتقف أمام عدسات التلفاز تصرخ وتندد وتتوعد نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم من لا يحفظ بضعة أحاديث صحيحة عنه، ومنهم من لا يعرف شيئاً عن سيرته، بل منهم من يسمع النداء للصلاة ولم يلبًّ... بل منهم من لم يدخل مسجداً من قبل... فكيف ينصره من لم يلتزم أوامره، ويتبع هديه...؟ إن فاقد الشيء لا يعطيه... وصدق الله العظيم إذ يقول: «إنَّا كفيناك المستهزئين».
عبدالله متولي
إن من سنة الله فيمن يؤذي رسوله، صلى الله عليه وسلم أنه إن لم يجاز في الدنيا بيد المسلمين، فإن الله سبحانه ينتقم منه ويكفيه إياه والحوادث التي تشير إلى هذا في السيرة النبوية وبعد عهد النبوة كثيرة، وقد قال الله تعالى: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين).
والقصة في سبب نزول الآية وإهلاك الله لهؤلاء المستهزئين واحدا واحدا معروفة قد ذكرها أهل السير والتفسير وهم على ما قيل نفر من رؤوس قريش وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وكلاهما لم يسلم، لكن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأكرم رسوله، فثبت ملكه.
قال ابن تيمية : يقال: إن الملك باق في ذريته إلى اليوم، ولا يزال الملك يتوارث في بعض بلادهم.
وأما كسرى فمزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتله الله بعد قليل ومزق ملكه كل ممزق، فلم يبق للأكاسرة ملك وهذا والله أعلم تحقيق لقوله تعالى: (إن شانئك هو الأبتر) فكل من شنأه وأبغضه وعاداه، فإن الله يقطع دابره ويمحق عينه وأثره وقد قيل: إنها نزلت في العاص بن وائل، أو في عقبة بن أبي معيط، أو في كعب بن الأشرف، وجميعهم أخذوا أخذ عزيز مقتدر.
إن أحداث التاريخ منذ بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها الكثير من المواقف والأحداث التي تبين عاقبة من استهزأ بالحبيب صلى الله عليه وسلم، وتؤكد أن الله تعالى تكفل بالانتقام لنبيه صلى الله عليه وسلم، وكفاه ممن استهزأ به، وهذا ماض إلى قيام الساعة دائماً وأبداً؛ مصداقاً لقوله تعالى: «إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ» (الحجر:95).
قال العلامة السعدي في تفسيره لهذه الآية: «وهذا وعْدٌ من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ألا يضره المستهزئون، وأنْ يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة، وقد فعل الله تعالى، فإنَّه ما تظاهر أحدٌ بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة».
روى أنس رضي الله عنه قال: (كان رجل نصرانياً فأسلم، وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فعاد نصرانياً، فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله، فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم، نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له، فأعمقوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم، فألقوه، فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا، فأصبح قد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه) رواه البخاري.
يقول ابن تيمية: «وهذا أمر خارج عن العادة، يدل كل أحد على أن هذه عقوبة لما قاله، وأنه كان كاذباً؛ إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا، وأن هذا الجُرم أعظم من مجرد الارتداد؛ إذ كان عامة المرتدين لا يصيبهم مثل هذا، وأن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبَّه، ومُظْهِرٌ لدينه، وكذب الكاذب إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد».
وقصة كسرى وقيصر المشهورة مع النبي صلى الله عليه وسلم جديرة بالتأمل، فقد كتب إليهما النبي صلى الله عليه وسلم، فامتنع كلاهما عن الإسلام، لكن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأكرم رسوله، فثبَّت الله ملكه، وكسرى مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستهزأ به، فقتله الله بعد قليل، ومزق ملكه كل ممزق، ولم يبق للأكاسرة مُلك، فكل من أبغض النبي صلى الله عليه وسلم وعاداه، فإن الله يقطع دابره، ويمحق عينه وأثره، وهذا تحقيق وتصديق لقول الله تعالى: «إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ» (الكوثر:3) .
وينبغي أن يُعْلم أن كفاية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ممن استهزأ به أو آذاه ليست مقصورة على إهلاك هذا المعتدي بقارعة أو نازلة، بل صور هذه الكفاية والحماية متنوعة متعددة، قال الله تعالى: «وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ» (المدثر:31)، ولعل تتبع هذا الأمر يطول، غير أننا نكتفي بعرض عدة نماذج، كفى الله فيها رسوله صلى الله عليه وسلم ممن آذاه أو استهزأ به في حياته، وهذه بعض أسمائهم مع بيان حالهم ونهاية حياتهم:
أبو لهب
هو عبد العزى بن عبد المطلب: عم النبي صلى الله عليه وسلم، كان من أشد الناس تكذيبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثرهم أذى له، وهو القائل للنبي صلى الله عليه وسلم: «تبا لك! ألهذا جمعتنا؟!».
وكذلك كانت امرأته من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تضع الشوك في طريقه، والقذر على بابه، فلا عجب أن نزل فيهما قول الله تعالى: «تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ» (سورة المسد:1-5)، وقد أخذ الله أبا لهب بمكة، إذ أصابه بمرض خبيث يقال له: مرض العدسة، وكان ذلك يوم هزيمة المشركين ببدر، فجمع الله عليه البلاء والعذاب النفسي والبدني، فمات شر ميتة.
ذكر الطبري في «تاريخه»: «أن العدسة قرحة كانت العرب تتشاءم بها، ويرون أنها تعدي أشد العدوى، فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه، وبقي بعد موته ثلاثاً، لا تقرب جنازته، ولا يحاول دفنه، فلما خافوا السُّبَّةَ في تركه، حفروا له، ثم دفعوه بعود في حفرته، وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه».
أبو جهل عمرو بن هشام
وكنيته أبو الحكم، وكناه المسلمون بأبي جهل؛ لخبثه وسوء أفعاله، كان من أشد قريش عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكم لاقى النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون من إيذائه واستهزائه، هلك ببدر، قتله ابنا عفراء شابان صغيران واجتز رأسه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أحد المستضعفين من المسلمين، وذلك زيادة في إذلاله.
عقبة بن أبي معيط
من أشد الناس أذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعداوة له وللمسلمين، وهو الذي وضع سلا الجزور-جلد بعير مذبوح- بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي عند الكعبة، وضحك لذلك كفار قريش، حتى جاءت فاطمة رضي الله عنها، فأبعدته عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: (اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، ثم تسمّي: اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد. قال ابن مسعود: فوالله لقد رأيتهم صرعى (قتلى)يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب (البئر) - قليب بدر- ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأتبع أصحاب القليب لعنة) رواه البخاري. وقد هلك هذا الخبيث عقبة بن أبي معيط ببدر، حيث أُسِر بها وقُتِل.
الأسود بن عبد يغوث
من المستهزئين بالرسول صلى الله عليه وسلم، وكان إذا رأى فقراء المسلمين قال لأصحابه مستهزئاً: هؤلاء ملوك الأرض الذين يرثون ملك كسرى. وكان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أما كُلِمتَ اليوم من السماء يا محمد؟! وقد أصاب الله هذا الخبيث بقروح في رأسه فمات منها شر ميتة.
الحارث بن قيس السهمي
أحد المسيئين للنبي صلى الله عليه وسلم، الذين ظلوا يؤذونه طول حياتهم، وكان لشدة كفره وجهله يقول: غرَّ محمد أصحابه، ووعدهم أن يحيوا بعد الموت. وهلك هذا الكافر بالذبحة؛ إذ أكل حوتاً مملوحاً، فلم يزل يشرب حتى مات، وقد امتلأ رأسه قيحاً، فكانت موتته شر ميتة وأنكرها.
العاص بن وائل السهمي
والد عمرو بن العاص رضي الله عنه، وكان من المستهزئين بالحبيب صلى الله عليه وسلم، وهو القائل لما مات القاسم بن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن محمداً أبتر (مقطوع)، لا يعيش له ولد»، فأنزل الله تعالى فيه سورة الكوثر: «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» (الكوثر:1-3). هلك العاص اسم ومسمى بمكة، بسبب شوكة في رجله، انتفخت بسببها، حتى صارت كعنق البعير، فمات بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
الأسود بن المطلب أبو زمعة
ذكر ابن هشام في سيرته أنه كان يقول لأصحابه مستهزئا بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته: «قد جاءكم ملوك الأرض، ومن يغلب على كنوز كسرى وقيصر، ويصفرون ويصفقون ضحكا وسخرية»، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يعمى ويثكل (يفقد) ولده، فمات أعمى أثكل إلى جهنم وبئس المصير.
مالك بن الطلاطلة
كان سفيهاً من المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فمات بمكة بعد أن امتلأ رأسه قيحاً.
هؤلاء من صناديد الكفر بمكة، اعتدوا على مقام النبي صلى الله عليه وسلم بالإيذاء والاستهزاء، فأهلكهم الله بأساليب شديدة شتى وفي مدة وجيزة، نكالاً لهم في الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى، وفي ذلك عبرة لمن يعتبر.
ثم إن هذه النماذج وغيرها مما وقع في حياته أو بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لَتؤكد صدق وعد الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ» (الحجر:95). يقول ابن تيمية في هذا الصدد: «والقصة في إهلاك الله واحداً واحداً من هؤلاء المستهزئين معروفة، قد ذكرها أهل السِّيَر والتفسير، وهم على ما قيل: نفر من رؤوس قريش، منهم: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسودان: ابن المطلب وابن عبد يغوث، والحارث بن قيس».
إن من سنة الله فيمن يؤذي رسوله صلى الله عليه وسلم، أن الله سبحانه ينتقم منه، ويكفيه إياه، وهذا ماض إلى قيام الساعة؛ لقول الله تعالى: «إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ» (الحجر:95)، ثم إن المجرم الذي يسيء للنبي صلى الله عليه وسلم إذا لم تدركه عقوبة في الدنيا فيما يظهر للناس فإن وراءه يوماً عبوساً قمطرير شره في الخلق منتشر عظيم الشأن، والواجب علينا التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وطاعة أوامره، والدفاع عنه، ونصرته وتوقيره، قال الله تعالى: «إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً» (الفتح:8-9).
الهدف من إنتاج
وعرض الفيلم المسيء
هذه مقتطفات من مقال للدكتور عادل عمر رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية، فند فيه الأهداف الخسيسة لصناع الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم، وطرح فيه العديد من التوجهات التي يجب على المسلم اتباعها لمواجهة هذا التطاول على مقامه صلى الله عليه وسلم.
بدأ الدكتور عادل عمر مقاله بآيات من القرآن الكريم منها:
* (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّـهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّـهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) البقرة: 120
* (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى ليْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّـهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) البقرة: 113
إن المسلم الحق لا يمكن أن يقوم بمثل هذا الدور لا واعيًا ولا مستغفلاً لأن إسلامه يمنعه أن يتلقى التوجيه من أعداء الإسلام وهذا هو الدين لا يمين ولا شمال، وإلى هذا المعنى لفت النبي صلى الله عليه وسلم الأنظار في حواره الرائع مع حذيفة بن اليمان رضي الله عنه الذي كان يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشر مخافة أن يدركه، حوار طويل جدًا، وجميل جدًا، لن نذكره كله وهو في البخاري لمن أراد الرجوع إليه، لكن نقطة مهمة جدًا تخصّنا الآن، فبعد أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي زمان على أمتي سيكون فيه الخير ولكن سيكون فيه دخن سأل حذيفة: وهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نَعَمْ.
ثم نأتي الآن الى الشر الذي زخم العقول الشريرة والتي نزع من قلوبها الخير وتكرر سيناريو الهجوم على نبي الرحمة المهداة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد نقلت صحيفة معاريف عن سام باسيل المخرج الإسرائيلي الأميركي للفيلم المسيء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم مزاعمه أن هدفه من الفيلم محاربة أفكار الإسلام وجهل المسلمين، وأنه في المقام الأول فيلم سياسي سوف يساعد إسرائيل في كشف عيوب الإسلام أمام العالم أجمع.
وزعم باسيل أن الفيلم يظهر بربرية المسلمين وهمجيتهم من خلال الإحراق والقتل واصفا بوقاحة النبي محمد صلى الله عليه وسلم: بالمخادع، وعبّر باسيل عن أسفه لمقتل أميركيين في ليبيا داعيا أميركا أن تتخذ موقفًا وتعمل على تغيير وضع التأمين لديبلوماسييها.
وأكد باسيل أن هذا الفيلم قام مئات من اليهود بتمويله فهو صناعة إسرائيلية - أميركية - مصرية، مشيرا إلى أن ما يحدث من احتجاجات واشتعال في مصر وليبيا هو هدف من أهداف الفيلم.
المخرج الاسرائيلي الاميركي للفيلم المسيء لرسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سام باسيل زعم خلال تصريحاته إلى صحيفة معاريف وواصل زعمه قائلا: إن الفيلم يعمل على إظهار بربرية المسلمين وهمجيتهم من خلال الإحراق والقتل واصفا النبي بألفاظ يعجز اللسان والقلم عن ذكرها.
عقد أقباط المهجر في الولايات المتحدة ودعاة تقسيم مصر وإقامة دولة قبطية وأبرزهم موريس صادق، الذي أُسقطت عنه الجنسية المصرية وعصمت زقلمة، المعروف برئيس الهيئة العليا للدولة القبطية المزعومة بالاشتراك مع القس الأميركي المتطرف، تيري جونز صاحب دعوى إحراق المصحف الشريف، ما سمّوها محاكمة شعبية للرسول، عليه الصلاة والسلام في ذكرى أحداث هجمات سبتمبر، داخل كنيسة القس في ولاية فلوريدا وسط تغطية إعلامية كبيرة من القنوات التلفزيونية الأميركية المحلية.
وتشكلت المحاكمة من القس وايتني ساب وتيد جيت وأسامة دقدوق ويشترك بها كمراقبين موريس صادق، وإيليا باسيلي، وإيهاب يعقوب وسعت لتحميل الرسول عليه الصلاة والسلام مسؤولية هجمات سبتمبر والتشكيك في الإسلام، وأنه ليس رسالة سماوية بل هو اختراع بشري وأنه لا يحمل سلاماً للأرض بل يحرّض على كراهية البشر وسفك الدماء وذلك من أجل إصدار حكم بالإعدام في حق الرسول عليه الصلاة والسلام.
وأطلق المتطرّفون على المحاكمة: اليوم العالمي لمحاكمة محمد وكان من المقرر أن يعرض منظمو المحاكمة فيلماً مسيئاً للرسول صلى الله عليه وسلم قبل بدء المحاكمة من إنتاج الهيئة العليا للدولة القبطية المزعومة التي يترأسها كل من عصمت زقلمة، وموريس صادق والذي استغرق إعداده 3 سنوات، ومدته 3 ساعات وجرى إعداد نسخة مدبلجة له باللغة العربية.
وقال سام باسيل، مخرج الفيلم إنه استند في تجسيد شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الكتب والمراجع الإسلامية المعروفة التي تكلمت عن حياته دون أن يذكر تلك المراجع والكتب.
إن هذا الفيلم ليس أول إساءة للإسلام ولن يكون الأخير ولابد من محاسبة من يقفون وراءه سواء من المصريين وغيرهم وحسنا فعل النائب العام بوضع عشرة مصريين من هؤلاء على قوائم ترقب الوصول للتحقيق معهم ومعرفة ابعاد مشاركتهم في إنتاج هذا الفيلم وعرضه برغم أنهم يعلمون مسبقاً انه ستكون له عواقب وخيمة.
التوجيه الأول
ضبط النفس والتروي وعدم التعجل إلى أي تصرف قد يحسب على المسلمين وينبغي استغلال هذه الأحداث فيما يخدم دين الله فإن من النقم ما يحمل في طياته نعما.
قال ابن القيّم رحمه الله: المصائب والبلايا نقمة ونعمة ففي هذه الأحداث تنبيه للغافلين للعودة لرب العالمين وتجديد للدين في نفوس المسلمين إلى غير ذلك من مصالح قد تجنى.
التوجيه الثاني
وجوب التوبة والرجوع إلى الله والحذر من الذنوب والمعاصي قال تعالى: «وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ» الشورى: 30.
وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم.
التوجيه الثالث
الرجوع إلى أهل العلم والبصيرة والعمل بنصحهم وتوجيههم عملا بقول الله سبحانه: «وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَو ِالْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» النساء: 83
فلا ينبغي الإقدام على قول أو فعل إلا وفقا لتوجيه هؤلاء العلماء ونخص هنا ما دعا إليه علماء الأمة.
من المقاطعة الاقتصادية لمنتجات الدول التي تبنت هذه الأفكار وكذا غير المقاطعة من وسائل يمكن أن تتحقق بها المصلحة الشرعية.
وينبغي أن نركّز في هذا على الدولة التي طلع منها هذا الشر فنقاطع بضائعها وخدمتها وأدويتها مقاطعة تامة حتى يذوق أهلها وبال أمرهم.
التوجيه الرابع
وحدة الصف وتوحيد الكلمة، ففي ذلك قوة الأمة والحذر من التفرّق ففي ذلك الضعف والهوان قال تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» آل عمران: 103
وقال سبحانه: «وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» (46) وننبه على أن هذه التوجيهات مطلوبة من المسلمين في كل وقت وحين ويتأكد الطلب عند حدوث مثل هذه الأحداث.
وأخيرا نقول:
يا سيّد الخلقِ يا نورٌ نسيرُ بهِ إلى الجِنانِ فدتكَ الشمسُ والقمرُ
فدتكَ نفسي ومالي والحياةُ وما في الأرضِ والكونُ والأفلاكُ والبشرُ
يا هاديَ الخلقِ نشكو حالَ أمّتِنا إلى الذي أحكِمتْ من عندهِ السوَرُ
في الكونِ صِرنا ظلاماً لا سِراج لنا بصائرٌ عميتْ والعقلُ والبصرُ
إنّا طلبنا الهُدى في غيرِ سُنّتِكُم تِهنا عن البدرِ لمّا ضمّنا السحَرُ
ياسيدَ الخلقِ لو كنّا أولي رشدٍ ماكانَ وغدٌ لدينِ الشرِّ ينتصِرُ
وما تجرأ قسيِّسٌ وزُمرتُهُ على جنابِكَ لو كنّا لما مكروا
يا رحمةَ اللهِ للأكوانِ قاطِبةً شكي عزائمَنا ياسيدي الخوَرُ
في اليومِ نقتُلُ مرّاتٍ وليس لنا من ناصِرٍ ونقولُ الدّهرُ والقدَرُ
جيوشُنا عبَسَتْ في وجهِنا وإذا جاء العدوّ سعتْ بالذلِّ تعتذِرُ
تمدُّ كفّاً إلى الطاغوتِ في وهنٍ فزادها وهناً واستأسد الخطَرُ
ياسيِّد الخلقِ ضاع الحقُّ في زمنٍ تكدّرَ الصفوُ فيهِ إذ صفى الكدرُ
المسلمون بهِ بُكمٌ وإنْ نطقوا وصامتون وإنْ صاحوا وإن هذروا
ياسيّد الخلقِ هذا الشِّعرُ أبعثُهُ من الفؤادِ إلى قومي ليعتبِروا
وأشهِدُ اللهَ ياسمعي ويا بصري أنّي بدينِك يامُختارُ أفتخِرُ
وليس لي غيرُ هذا الفخرِ أُعلِنهُ فلتُشرِقِ الشمسُ وليهمي بك المطرُ
المبعوث للناس رحمة
هذه أبيات من قصيدة للشيخ جمال الدين الصرصري والذي قال عنه ابن كثير: الصرصري المادح، الماهر، ذو المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يشبه في عصره بحسان بن ثابت رضي الله عنه. يقول:
محمد المبعوث للنــاس رحمةً
يشيِّد ما أوهى الضلال ويصلح
لئن سبَّحت صُمُّ الجبـال مجيبةً
لداود أو لان الحديـد المصفح
فإن الصخور الصمَّ لانت بكفه
وإن الحصــا في كفه ليُسَبِّح
وإن كان موسى أنبع الماء بالعصا
فمن كفه قد أصبح المـاء يَطفح
وإن كانت الريح الرُّخاءُ مطيعةً
سليمان لا تألـو تروح وتسرح
فإن الصبـا كانت لنصر نبينا
ورعبُ على شهر به الخصم يكلح
وإن أوتي الملكَ العظيم وسخِّرت
لـه الجن تسعى في رضاه وتكدح
فإن مفاتيح الكنــوز بأسرها
أتته فرَدَّ الـــزاهد المترجِّح
وإن كـان إبراهيم أُعطي خُلةً
وموسى بتكليم على الطور يُمنح
فهـذا حبيب بل خليل مكلَّم
وخصِّص بالرؤيا وبالحق أشرح
وخصص بالحوض الرَّواء وباللِّوا
ويشفع للعـاصين والنار تَلْفح
وبالمقعد الأعلى المقرَّب نــاله
عطـــاءً لعينيه أَقرُّ وأفرح
وبالرتبة العليـا الوسيلة دونها
مراتب أرباب المواهب تَلمح
ولَهْوَ إلى الجنات أولُ داخلٍ
لــه بـابها قبل الخلائق يُفْتَح