سمير الحجاوي / قطر واستراتيجية خلق المشاكل

تصغير
تكبير
| سمير الحجاوي |

ليس لدولة قطر من استراتيجية سوى «اثارة المشاكل» في العالم العربي، ومحاولة الاستحواذ على الدور والاعلام والعبث بمقدرات الدول الاخرى وإعادة رسم سياساتها بما يخدم المصالح القطرية... هذه العبارة ترددت وتتردد في وسائل اعلام عربية وأجنبية ودوائر حكم في اكثر من مكان... فهي تتهم تارة بتقديم دعم مالي او «رشاوى» لهذا الطرف او ذاك والتحالف مع احزاب او تنظيمات بعينها في محاولة للتأثير على المشهد العربي برمته.

كل هذه الاتهامات تطلق من دون تقديم دليل عليها وتدخل في باب «الاشاعات والسواليف والنكات السوداء»، ويذهب رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني ابعد من ذلك بقوله «من يملك دليلا فليقدمه للقضاء»، معتبرا «الحديث عن ان قطر لا عمل لديها سوى خلق المشاكل يحتاج إلى اثبات. وأي شخص يكذب في مثل هذا الموضوع فيجب أن تكون الكذبة مقنعة»، ويستطرد: «سياستنا واضحة وهي تمني قطر الخير والازدهار والاستقرار للجميع، فنحن لا نتدخل أبداً في شؤون الغير». كما جاء في حديثه لصحيفة «الراي» الكويتية.

مشكلة الانظمة العربية وبعض القوى الحزبية، خاصة الهلامية والتي لا تمثل اكثر من ظاهرة صوتية، انها تسعى «اختراع مشكلة كي تبعد الاسباب الحقيقية عن الصورة»

لتحويل الانظار وتشتيتها عن المعضلات الحقيقية في محاولة من هذه الجهات للهروب من عجزها وفشلها وايجاد «شماعة» تعلق عليها اخفاقاتها المزمنة.

ولا تخفي قطر، الدولة والحكومة والشعب تأييدها لخيارات الشعوب العربية، وهو ما اكده الشيخ حمد بن جاسم بقوله: «قطر ليس لها مشكلة مع أحد، فنحن على علاقة متوازنة مع كل الأطراف، وهذا لا يؤثر على علاقتنا بدول الخليج العربية، ونحن دائما نعلنها صراحة ولا نخفيها إننا دائما مع حرية الشعوب في اختيارها، لأن الشعوب هي التي تقرر في تلك الدول من يحكمها، ما داموا لجأوا إلى صناديق الاقتراع لاختيار من يحكم»، فالمواطن العربي «ليس غبيا»، ويعرف ما يريد ولهذا السبب اندلعت الثورات في العالم العربي «فكل شيء له مسبباته، والجميع يعرف أن الربيع العربي حصل في الدول التي اشتعلت فيها ثورات مثل تونس ومصر وليبيا، قامت لأسباب الجميع يعرفها جيدا، لذلك علينا كدول أن نرجع إلى تلك الأسباب».كما يقول رئيس الوزراء.

والأسباب واضحة هي: الاستبداد والاستئثار بالسلطة واحتكار الحكم وتوريثه والفساد والخلل في توزيع الثروة والفقر والحرمان والفاقة والبطالة، وتغول اجهزة الأمن وعسكرة المجتمع والسيطرة على وسائل الاعلام وامتهان كرامة المواطن وانتهاك حقوق الانسان والأحكام العرفية والتعذيب وتفشي ظاهرة الاقصاء والرشوة وغياب العدالة والارتهان للأجنبي وإضاعة مقدرات البلاد بتطبيق سياسات فاشلة وغياب العمل المؤسسي والفرص المتكافئة والمحاباة وتحويل الدول إلى مزارع خاصة..

هذه بعض من الاسباب التي ادت إلى اندلاع الثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية وقد يدفع غيرها ايضا الى الثورة، وربما هذا ما دفع الشيخ حمد بن جاسم ال ثاني إلى القول : «إننا في حاجة لمراجعة النفس في المنطقة العربية كلها»، وتطبيق اصلاحات شاملة لان المعادلة واضحة حسب تعبير رئيس الوزراء: «أنا على يقين أن الرئيس الذي لن يقوم بالإصلاح بشكل كامل فسوف يعرض بلده قبل أن يعرض نفسه للخطر».. والخطر الذي يبدأ بتململ اجتماعي وغضب فتوتر ومظاهرات واحتجاجات ثم مطالب جماعية بالاصلاح ترتفع حدتها إلى مطالب باسقاط النظام فتمرد وثورة فمواجهة مسلحة وصولا إلى الحرب كما يحدث في سورية حاليا.

وللتأكيد على وجهة نظره يعتمد الشيخ حمد بن جاسم على معرفته الشخصية بالزعماء العرب يذهب إلى تحليل البعد النفسي لبعض القادة مثل صدام حسين ومعمر القذافي وبشار الأسد بالتأكيد «كل واحد من هؤلاء الزعماء يعتقد في قرارة نفسه أن له وضعا يختلف عن الآخرين، وخير دليل على ذلك الآن بشار الأسد يعتقد نفسه هو الآخر مختلفا عن الآخرين، وكأنه يرى أن ما حصل في الدول الأخرى حصل منذ مئتي أو ثلاثمئة سنة»... اي انهم يعيشون في حالة انفصال عن الواقع وابتعاد عن رؤية الحقيقة ويدفعهم إلى «انكار ما يجري» وكأنه غير موجود.

دائما ما تكون حوارات رئيس الوزراء القطري مثيرة ومشوقة فهو يعتمد سياسية «الصراحة والترويع»، ففي عالمنا العربي حيث تعودنا على كذب المسؤولين ونفاقهم وتلفظهم بعبارات مبهمة لا تعني شيئا يقذف الشيخ حمد بن جاسم بقذائف «صراحته»

المعهودة التي تعمل على «ترويع» من لم يتعودوا على الصراحة، وبدل ان يلجأ هؤلاء لمناقشة «الموضوع» وماقاله يسارعون الى بث الاشاعات والترهات التي لا تستطيع ان تخفي الحقيقة ولا تعمل اكثر من اثارة «غبار موقت» سرعان ما ينجلي لتظهر الامور كما هي وليس كما يتخيلها المنبتون عن واقعهم، خاصة في الملف السوري الذي يرى رئيس الوزراء القطري انه: «بعد سيلان الدم لم يتبق للرئيس بشار إلا أن يتخذ قرارا شجاعا، وهو التسليم المنظم لسلطة منظمة، شريطة ألا يكون هناك انتقام من طرف ضد طرف».

قطر تقف على الضفة الصحيحة من التاريخ وهذا ما يجعل من حركتها لافتة وحيوية وديناميكية ومثيرة للاهتمام، فهي تحترم الشعوب وخياراتها، وتصدع بالحقيقة المؤلمة الضرورية لانتشال الامة العربية من ازماتها وضعفها وتكالب الامم عليها كما تتكالب الاكلة على قصعتها.

حديث رئيس الوزراء القطري كان «كامل الدسم» كعادته وأسئلة رئيس تحرير صحيفة «الراي» الكويتية ماجد العلي كانت قوية ومباشرة، تجنب فيها المجاملة والمناكفة، فكانت مقابلة مهنية رفيعة مستوى من السائل والمسؤول.





[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي