إطلاق موقع إلكتروني يحمل اسم المفكر الراحل لتوثيق أهم أعماله وآرائه ودراساته الاجتماعية والسياسية

خلدون النقيب... موسوعة كويتية لاستشراف المستقبل العربي

تصغير
تكبير
| إعداد غالية عيسى |

«ان التجربة الديموقراطية في الكويت شيء ثمين لا يمكن الاستغناء عنه لأنه حصيلة ثلاثة أرباع قرن»... و «اننا بحاجة قبل أي شيئ آخر ليس الى مصالحة النظم، وانما الى المصالحة مع الذات: أي الى تبديد الأوهام التي تتحكم بنفوس العرب وعقولهم».

هكذا يعبّر المفكر والأكاديمي الراحل الدكتور خلدون النقيب عن أهمية التمسك بالديموقراطية في الكويت، الدولة الخليجية الوحيدة التي تتمتع بنظام ديموقراطي وبهامش واسع من الحريات بغض النظر عن أساليب ممارسة هذه الديموقراطية وما اذا كانت تعتريها بعض الثغرات أو الاخفاقات سواء من ناحية المفهوم أو التطبيق، فنقيب المفكرين - كما يلقبه البعض - يوضح ان «الديموقراطية ليست آلية انتخاب فقط»، لافتاً الى ان «هناك أبعاداً عدة لممارستها من أهمها الالتزام بمبدأ المواطنة وضرورة الانصهار الوطني».

الدكتور خلدون النقيب الذي توفي قبل نحو عام ونيف عن عمر يناهز السبعين عاما، يعتبر واحدا من أكبر المفكرين العرب في علم الاجتماع السياسي، تم أخيرا اطلاق موقع الكتروني يحمل اسمه (www.khaldounalnaqeeb.com ) ويؤرخ لأهم مؤلفاته وابحاثه وأرائه التي أثرى بها الساحة الأكاديمية والسياسية والاجتماعية في الكويت وامتدت آثارها لتشمل المحيط العربي بكل ما يحمله من هموم وتصارع وأحلام.

ويعرض الموقع أرشيفا كاملا عن حياة الراحل بالصور والكلمات، ويشمل وثائق تنشر للمرة الأولى مكتوبة بخط يد النقيب نفسه.

الراحل الذي طالما شدد على «ضرورة التزام الجماعات السياسية المختلفة ذات المصالح المختلفة بمفهوم الجماعة الوطنية، مع احتفاظ كل منها بحقها في الدفاع عن مصالحها الخاصة التي لا يجب ان تطغى على المصلحة العامة»، يرى ان «مستقبل الحياة الديموقراطية في الكويت مرهون بظهور نظام حزبي ناضج سياسياً»، منوّها الى ان مثل هذا النظام «لا يولد في بيئة قبلية وطائفية تحوّل الديموقراطية من أداة للاندماج الوطني الى أداة للتفرقة وتشكيل أحزاب طائفية قبلية».

كتب النقيب الكثير الكثير عن الكويت التي أحبها وأحبته، وكان في معظم كتاباته أشبه بقائد باسل يقود معركته المصيرية لانقاذ بلاده من الغرق والرسو بها على برّ الأمان من منظور اجتماعي سياسي، فهو قد رفع الصوت مدوياً من أجل رصّ الصفوف والتعالي على العصبيات الطائفية والقبلية والفئوية، وحذّر غير مرة من استمرار أجواء التأزيم، منبهاً الى ان «الوضع السياسي الذي نشكو منه قد يؤدي الى ان تتحول الكويت الى مشروع دولة فاشلة»، ولافتاً الى «بعض مؤشرات الدولة الفاشلة وأبرزها: ضعف الخدمات العامة، ضعف الاندماج الوطني، بروز المحاصصة القبلية والطائفية، اضافة الى الخلل والفساد الاداري».

وفي معرض تناوله لاشكالية العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، اوضح ان «مواطن الخلل تكمن في وجود رئيس وزراء معين ودائم ولكنه لا يتمتع بأغلبية برلمانية منظمة»، وبيّن ان «الخلل الآخر يتمثل في غياب التنظيم الحزبي الذي ينظم وجود اغلبية أو معارضة برلمانية»، وألمح كذلك الى «عدم الوصول الى اجماع بين السلطتين على مصالح البلد الحقيقية»، مشيراً الى ان «عدم الوصول الى هذا الاجماع سيؤدي الى استمرار عدم التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية»، لكنه في الوقت نفسه قال: «يجب ألا نقلق أو نتململ من المهاترات التي تحدث بين النواب والحكومة أحياناً، لأن كل ذلك سيؤدي يوماً للنضج السياسي».

وفي ميدان آخر، أبى النقيب ان يقف متفرجاً فكانت ثورته على الفساد وأزلامه، معلناً ان «الفساد في الماضي كان ينتقل من خلال (الشنط السمسونايت)، أما الآن فهو موجود من خلال المناقصات والتعيينات والزبائنية السياسية».

وفي هذا المجال، تطرق الى ما أسماه بـ «المؤسسة القبلية الطائفية»، والتي عرفها بأنها «الجماعة المتضامنة التي تسعى الى مصالح لها، وتريد الحصول على أكبر قدر من المكاسب لكنها تجسد المعنى كعقلية عامة»، لافتاً الى انه «لما كانت (هذه المؤسسة) تسير بشكل موازٍ مع الحكومة ولا تخضع لرقابتها أو رقابة البرلمان في اطار دستوري، فان المجال يكون مفتوحاً أمام الفساد ما يضمر من فرص الاصلاح المالي والاداري، وعليه يصعب الاصلاح السياسي».

شملت كتابات الدكتور خلدون النقيب مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية في الكويت، لكنه رصد أيضاً التحولات الاجتماعية والحراك السياسي والثقافي في العالم العربي، وقدم تشريحا لسمات الدولة التسلطية، ودعا لانشاء الدولة المدنية الحديثة ونبذ الطائفية والقبلية. وأشهر قلمه في وجه التقهقر والتأزم السياسي العربي، وشيوع عقلية «البازار» التي تجعل من كل شيء قابلاً للبيع والتفاوض.

اهتم بالتغيير الاجتماعي والسياسي في الوطن العربي عامة والخليجي خاصة، فشكلت طروحاته أساساً لـ «سوسيولوجيا خليجية» تتبنى معالجة المشكلات البنيوية العميقة في هذه المنطقة. كما بحث بعمق المشكلات الخليجية المتعلقة بمفاهيم مثل «القبيلة» و «الديموقراطية» و «الدولة الريعية»، كما جاء في كتاب «الديمقراطية والقبيلة: حالة الكويت»، و «المجتمع والدولة في الخليج والجزيرة العربية من منظور مختلف».

وقضى النقيب حياته في العمل والانتاج والبحث الدؤوب لانارة دروب الحقيقة، وقد حظيت كتاباته باهتمام الدارسين الأجانب وبخاصة الراغبين في فهم الشخصية الكويتية والخليجية.

ناضل... ولم يكتف بالكتابة عن فلسطين، وكان له موقف فكري لا يهادن أمام الصهيونية واسرائيل فضلاً عن آرائه السياسية الجريئة، وتناول النقيب ظاهرة العولمة، فشكل كتابه «آراء في فقه التخلف... العرب والغرب في عصر العولمة» وقفة تحليلية للنظام العالمي الجديد أبرزت ملامح الاستغلال والغزو الرأسمالي للعالم.

كان ذا قدرة فائقة على النفاذ الى صلب المشكلة العربية وجذورها، حتى رأى البعض ان «ربيع الشعوب العربية خسر برحيله صوتاً مهماً»، حيث ان هذه الشعوب التواقة الى التحرر والديموقراطية كانت ستجد في رؤاه وموسوعيته ما سيعينها على تحقيق تطلعاتها، لكن وبرغم ان النقيب توفي في بدايات حالة الثورات في ابريل من العام 2011، الا انه وبحسّه الاستشرافي كان واثقاً من حدوث التغيير بل وتنبأ به، وربما كان كلامه عن ثورة المعلومات ودورها في انشاء جيل عابر للانتماءات تمهيداً للدور الذي لعبه ولايزال الشباب في ما يشهده الواقع من احداث على امتداد العالم العربي، حيث انه قال: «ان جيل الـ(فيس بوك) نجح في خلق مجتمعات تطوعية عفوية وليست أحزاباً سياسية منظمة»، مشيراً الى ان «الأمل على تنمية هذه التنظيمات الشبابية التطوعية العفوية التي لا تحكمها بيروقراطية وتراتبية المناصب الحزبية، فهذه الحركات الاجتماعية الجديدة التي تعتمد على وسائل الاعلام الحديثة وعلى الميديا بالدرجة الأولى تمكنت من ان تحوّل الانترنت والـ(فيس بوك) الى أدوات رابحة لاختيار شخصيات عابرة للانتماءات»، لافتاً الى ان «هذا التيار الشبابي هو الأمل للمستقبل».

ان المتأمل في كلام الدكتور خلدون النقيب والذي أورده في أماكن وأزمنة مختلفة ليظن انه استلهمه من وحي الأحداث التي يشهدها الواقع الكويتي والعربي الحالي، لكن المتابع والمطلع على سيرة ومسيرة المفكر الراحل يعلم انه لم يكن مجرد متخصص في علم الاجتماع السياسي يقرأ الظواهر ويحللها مدللاً على ابرز أسباب أزماتنا وتخلفنا، بل كان صاحب رؤية استشرافية ويمتلك من المقومات ما يؤهله لرسم خارطة طريق توصلنا الى تخطي سبل هذه الأزمات نحو كل ما من شأنه تحقيق النهوض والتنمية والتقدم، مسخراً حياته ومعارفه لمكافحة محاولات تسطيح بل وتشتيت الوعي العربي وتغييب ارادة التغيير.





سيرة... ومسيرة

 

• ولد خلدون حسن خالد خلف النقيب في مدينة البصرة بتاريخ 16 سبتمبر 1941، وأمضى مرحلتي الروضة والابتدائية فيها لينتقل بعدها الى بغداد حيث تابع تعليمه المتوسط والثانوي في مدرسة اليسوعية الكاثوليكية.

• باشر دراسته الجامعية في جامعة بغداد وحصل على شهادته من جامعة القاهرة بتخصص علم الاجتماع، ثم التحق بجامعة لويفيل كنتاكي بالولايات المتحدة الأميركية ونال درجة الماجستير في تخصص علم النفس الاجتماعي عام 1969. وبينما كان يدرس الماجستير، أوقف قيده الجامعي لفترة عام 1967 وتوجه الى فلسطين للمشاركة في الحرب.

• حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة تكساس أوستن في الولايات المتحدة الأميركية بتخصص علم الاجتماع عام 1976، وكان عنوان رسالته «الأنماط المتغيرة للتدرج الاجتماعي في الشرق الأدنى: دراسة حالة لمجتمع الكويت».

• عمل عضوا في هيئة التدريس بجامعة الكويت قسم الاجتماع منذ سنة 1976، ثم شغل منصب مساعد عميد، ليكون بعدها أول عميد كويتي لكلية الآداب وتولى هذا المنصب مرتين في سنوات 1978 ـــ 1981 و1986 ـــ 1992، كما شغل منصب رئيس قسم الاجتماع في سنة 1991 ـــ 1992.

• أدخل خلال عمله الاداري برامج الإرشاد والتوجيه الطلابي الى جامعة الكويت، وشارك في العديد من اللجان الاكاديمية، منها اللجنة الاستشارية لمدير جامعة الكويت سنة (1986)، اللجنة المكلفة بتوحيد معاهد اعداد المعلمين (سنة 1987)، واللجنة التنفيذية لانشاء كلية التربية (سنة 1980)، فضلا عن عضويته الدائمة باللجنة التي تعد لإنشاء برامج دراسات عليا في العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت.

• عضو في المجلس التنفيذي للجمعية الدولية لعلم الاجتماع (مدريد، اسبانيا) منذ سنة 1988، عضو الجمعية العربية لعلم الاجتماع منذ سنة 1985، وعضو اكاديمية نيويورك للعلوم. وشارك في لجنة تحكيم جائزة السلطان عويس في العلوم والدراسات الاجتماعية (سنة 1992)، ولجنة التحكيم لجائزة سعاد الصباح (سنة 1991).

• أسس ورأس تحرير المجلة العربية للعلوم الاجتماعية (باللغة الإنكليزية) في سنوات 1984 ـــ 1985، وشغل عضوية مجالس تحرير المجلة الدولية لعلم النفس الاجتماعي التطبيقي (جون وايلي) التي تصدر باللغة الإنكليزية. كما أسس «المجلة العربية للعلوم الإنسانية»، و«حوليات كلية الآداب» عندما تولى عمادة كلية الآداب.

• عمل خلدون النقيب على مواصلة تطوير مهنته الأكاديمية من خلال حضور المؤتمرات وتقديم أوراق العمل في العديد منها بمختلف دول العالم. وفي وقت قصير أصبح خلدون النقيب خبيراً معروفاً في مجاله، وترجمت بعض أعماله الى اللغة الإنكليزية واعتمد عليه العديد من طلبته كمرجع في إعداد البحوث. كما كان أستاذا زائرا في عدد من الجامعات، ومنها مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة هارفارد عامي 1981- 1982، الجامعة الاميركية في القاهرة عام 1988، وجامعة جورج تاون في واشنطن دي سي عام 1989.

• توفي في 27 أبريل 2011 إثر إصابته بأزمة قلبية.





مؤلفات ودراسات



للدكتور الراحل خلدون النقيب العديد من المؤلفات والكتب المنشورة، أبرزها:

• «المجتمع والدولة في الخليج والجزيرة العربية: من منظور مختلف (1989)

• «ثورة التسعينات: العالم العربي وحسابات نهاية القرن» (1991).

• «الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر: دراسة بنائية مقارنة» (1991).

• «صراع القبيلة والديموقراطية: حالة الكويت» (1996).

• «في البدء كان الصراع: جدل الدين والاثنية، الأمّة والطبقة عند العرب» (1997).

• «آراء في فقه التخلف: العرب والغرب في عصر العولمة» (2002).

ولديه عدد من البحوث والدراسات المنشورة في الدوريات العلمية، ومن أهم بحوثه:

• «التنبؤية لآراء ابن خلدون».

• «الخليج بعد الأزمة: رؤية مستقبلية» (1991).

• «التركيب السكاني وسياسة القوى العاملة» (1991).

• «نموذج الدول النفطية: تجارب الدول الخليجية وليبيا في تحقيق الرفاهية الاجتماعية وأهم التحولات المعاصرة وأثرها على هذا التوجه» (2005).

كما كانت له مساهماته الصحافية التي نشر عبرها مقالاته ودراساته، ومنها دراسته عن:

• «الثقافة العربية أمام تحديات القرن المقبل».

• «المشكل التربوي والثورة الصامتة: دراسة في سوسيولوجيا الثقافة».

• «اطار استراتيجي مقترح للتنمية العربية».

• «الرعاية الاجتماعية في الميزان».

• «دراسات أولية في التدرج الطبقي الاجتماعي في بعض الأقطار العربية» (1980).

• «تساؤلات حول بعض الملامح الخاصة بالمجتمع العربي وتاريخه» (1981).

• «الأزمة الدستورية في العالم العربي: العلمانية والأصولية وقضية الحرية» (1994).
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي