مشاهد / ممنوع الهمس!

تصغير
تكبير
| يوسف القعيد |

كأن التاريخ يجمع أحداثه في عقد واحد. أو ربما كان قانون الصدفة هو الذي يرتب هذه الأحداث معاً. ورغم تباعد الأمكنة. وتغير الظروف. واختلاف الرؤى. وعدم التقاء الأحداث. من واشنطن إلى باريس. فإن كلمة السر - أو الخيط الرفيع - الذي لا يمكن رؤيته بالعين المجردة. يقول إن ما يجمع بين ما يجري في واشنطن وباريس هو الصهيونية العالمية.

في باريس... كانت فرنسا تحاكم فرنسا... تقف فرنسا في ساحة المحكمة. هي المتهم، وهي أيضاً القاضي. في سلسلة محاكمات غريبة. يختلف المتهمون. وشهود الإثبات، وشهود النفي وشهود الزور. والمحامون. وممثلو الادعاء.

ولكن المعنى الجوهري... أن فرنسا الحريات... فرنسا حقوق الإنسان. قررت أن تعيد إنتاج نفسها حتى تقف ضد نفسها في مشهد. ربما كان أكثر مأسوية من أي مشهد آخر.

وفي واشنطن... نرى شمشون الأميركي في مواجهة دليلة اليهودية، التي لم تأخذ شعرة من رأسه فيها سر قوته فقط. ولكنها سرقت لحظة من عمره. لتحطم بها جميع أسرار قوته. والحكاية في واشنطن. باعثها وجوهرها يدور حول الصهيونية. وما فعلته بأقوى رئيس دولة في العالم في ذلك الوقت.

لا أحب أن يصب هذا الكلام في خانة جعل الصهيونية العالمية قوة فوق كل قوى العالم. قادرة على فعل المستحيل في كل مكان وزمان. فلست من المؤمنين أنهم وحدهم – دون سواهم – القادرون على تحريك جميع أحجار الشطرنج على مستوى العالم كله. ولست من الذين يحاولون قراءة تاريخ البشرية على أنه من صنعهم وإبداعهم. لأن في هذا تجاوزا حقيقيا لكثير من ثوابت العقل البشري. الذي تتداخل فيه محركات كثيرة. قد تكون متناقضة أو متنافرة أحياناً. قد تكون صفحات من التاريخ. ولكن ما قيمة التاريخ ما لم نعتبر منه ونأخذ الدروس من أحداثه.

مشهد واشنطن. الذي حاولوا إقناعنا أن نجمة داود تعلوه. وتحاول إعادة تأكيد ظهورها في سماء أميركا. ضج وقتها بالعديد من الأسئلة.

فرغم أن مونيكا لوينسكي ليست هي الوحيدة التي تدعي وتفخر بأنها كانت عشيقة الرئيس. ثمة غيرها من النساء، نساء من أيام ولاية أركانسو، ونساء من زمن البيت الأبيض، إلا أن مونيكا هي الوحيدة التي وصلت بالأمر إلى ما هو أبعد من الأزمة. جعلت استمرار الرئيس الأميركي في بيته الأبيض مجرد احتمال.

في القائمة: جيفر فلاورز. سالي بيردو. وطبعاً بولا جونز. ودولي كابل براوننجز وكاثلين ديللي. وسوزان ماكدوجال.

ومن باب إنعاش الذاكرة فقط. أكتب: أن الأولى: مغنية كباريه سابقة. ادعت في يناير 1992. خلال حملة كلينتون الرئاسية الأولى أنه كان على علاقة سابقة بها طوال 12 عاماً. ونفى كلينتون هذا تماماً. والثانية: ملكة جمال سابقة لولاية أركنسو. ادعت أنها كانت عشيقة لكلينتون عدة أشهر. من سنة 1983. والثالثة: كانت موظفة في مكتبه بولاية أركنسو. وفي مايو 1991. استدعاها. وهو حاكم الولاية إلى غرفة في فندق فطلب منها خدمة جنسية. ورفعت دعوى تعويض ضد الرئيس بتهمة التحرش الجنسي الذي جرت الإجراءات القضائية المتعلقة به. ومنها خرجت القضية الجديدة.

والرابعة: محامية من مدينة دالاس. وقد ادعت أنها كانت على معرفة بالرئيس. وقد أقامت معه علاقات جنسية متقطعة منذ أكثر من ثلاثين عاماً. وقد روت قصتها على شبكة الإنترنت. وقد أدلت بشهادتها في إطار الإجراءات القضائية التمهيدية لشكوى باولا جونز. والخامسة: موظفة سابقة في البيت الأبيض. استجوبت في إطار قضية باولا جونز بعدما ادعت إحدى زميلاتها. ليندا تريب أن الرئيس غازلها في المكتب البيضاوي العام 1993. وقد أكدت ويللي خلال استجوابها أن الرئيس قبلها وتلمسها. عندما دخلت مكتبه للكلام معه في موضوع مهني. والسادسة: صديقة وشريكة لعائلة كلينتون تمضي حالياً عقوبة السجن لرفضها الإدلاء بشهادتها في قضية وايت ووترز.

تبقى قضية مونيكا اليهودية. التي كانت تبلغ من العمر وقت الفضيحة 21 عاماً. أي أنها كانت في عمر ابنة كلينتون. وتشاء الصدف أن مونيكا تسكن في برج سكني اسمه: ووتر جيت. لكي تصبح هي نفسها بطلة فضيحة جديدة هي «مونيكا ووترز».

وفي كل فضيحة سابقة. كان يتم استخدام الصحافة والإعلام: «جريدة، مجلة، راديو، تليفزيون»، ولكن في حالة مونيكا دخلت أدوات أخرى على الخط. الإنترنت والسينما التي كانت تصنع أفلامها عادة. بعد انتهاء الفضيحة.

هذه المرة دخلت السينما إلى الساحة. حتى والحدث يجري تشكله في أرض الواقع. يبحث عن نهاية له. والحدث مفتوح على جميع الاحتمالات. وفي واشنطن. تجري فصول «مونيكا جيت» تحت دوي أكبر لهاث إعلامي. حاول أن يصبح مشهداً نهائياً للقرن العشرين. بما أحيا من آمال. وماخيب من توقعات.

لكن كان هناك – في الوقت نفسه – وفي 1700 دار عرض. تم عرض فيلم «الكلب واج» يروي قصة رئيس أميركي يواجه فضيحة جنسية. ويبحث عن أزمة خارجية لتحويل الأضواء بعيداً عن فضيحته. والفيلم من بطولة داستين هوفمان وروبرت دي نيرو. والفيلم الثاني هو: «ألوان الطيف». يقوم ببطولته جون ترافولتا وإيما تونسون التي تقوم بدور سيدة البيت الأبيض. والفيلم يقدم قصة الرئيس الأميركي الذي يخوض المعركة الرئاسية العام 1992. وتطارده فضيحة جنسية.

وبعيداً عن خيال السينما. والصراع الإعلامي المحموم. جرى حسم مصير كلينتون. حسمته أمور كثيرة متداخلة ومتشابكة. قد تكون متعارضة ومتناقضة. سواء موقف الديمقراطيين ومدى استعدادهم للتخلي عن الرئيس. والجمهوريين. ومدى قبولهم بقاء كلينتون. أكمل مدته محاصراً في البيت الأبيض. وأن هذا أفضل لهم من مجيء آل جور. فمعلوم كلينتون أفضل من مجهول نائبه. هذه الأطياف تعود للذهن مع المعركة الراهنة. وما يجري مع هيلاري زوجة بطل الفضيحة القديم. ومع أوباما الذي يتم التفتيش في تاريخه بدقة متناهية. بحثاً عن مثالب.

وفي وسط ركام التفاصيل المتغيرة من يوم لآخر. تبدو الحقيقة الوحيدة المؤكدة. وسط المتغيرات الكثيرة هي دور اليهود في أحداث الأزمة الفاصلة في حكم كلينتون. أعرف أن البيت الأبيض لم يتهم اليهود علناً بأنهم وراء الأزمة. وجميع اتهامات البيت الأبيض لم تخرج عن اليمين الأميركي. وهو تعبير فضفاض إن عرفنا أن أميركا كلها هي معقل اليمين على مستوى العالم كله... بل إن الأمر وصل إلى اتهام زراع وتجار وصناع الدخان بعد حملة كلينتون ضد التدخين. والتي نجحت وجعلت استهلاك السجائر يصل إلى أدنى معدل له.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي