د. سليمان الخضاري / فكر وسياسة / عندما «يتحرش» فيك ... جعفر رجب!

تصغير
تكبير
| د. سليمان إبراهيم الخضاري |

عند الحديث عن جعفر رجب، الكاتب والرسام والفيلسوف الساخر، تتراءى أمامك مفردة أسيء فهمها في الثقافة العربية.. وهي مفردة.. «صعلوك»!

فهذه المفردة التي تستخدم هذه الأيام للإساءة للغير ممن نراهم من المتسكعين العابثين والهامشيين غير المكترثين لما يجري حولهم، هي في أصلها مفردة استخدمت للإشارة إلى فئة «احترفت الصعلكة احترافاً وحولتها إلى ما يفوق الفروسية من خلال الأعمال الإيجابية التي كانوا يقومون بها مثل عروة بن الورد سيد الصعاليك وقبيلتي هذيل وفهم»، كما يشير موقع ويكيبيديا، الذي يستطرد في وصفهم بأنهم جماعة من العرب في عصر ما قبل الإسلام كانوا لا يعترفون بسلطة القبيلة وواجباتها فطردوا من قبائلهم. ومعظم أفراد هذه الجماعة، من الشعراء المجيدين وقصائدهم تعدّ من عيون الشعر العربي».

امتهن الصعاليك، كما يورده الموقع نفسه، غزو القبائل بقصد الاخذ من الاغنياء وإعطاء المنبوذين أو الفقراء، ولم يعترفوا بالمعاهدات أو الاتفاقيات بين قبائلهم والقبائل الأخرى ما أدى إلى طردهم من قبل قبائلهم، وبالتالي عاشوا حياة ثورية تحارب الفقر والاضطهاد وتسعى للتحرر في شكله المتمرد، أي أن الصعلوك في اللغة العربية هو رديف لـ«روبن هود» في الثقافة الغربية.

وعودة لصديقنا جعفر، فالرجل ورغم اسلوبه الساخر، إلا أنه يخوض بظرافة مبكية في أدق مواضيعنا وهمومنا بأسلوب السهل الممتنع، متخطيا حدود الطائفة والقبيلة والانتماءات الصغيرة إلى فضاء الانتماء والهموم الأكبر، والتي قد يكون الكثيرون قد أشبعوها فحصا وتشريحا بأسلوب جاف مدعم بكل الأرقام والأدلة، لكنها لغة فيها من المباشرة أحيانا ما يدفعنا للإعراض عنها بحجة الاطلاع المسبق والمعرفة التامة، إلا أن «بوحسين» قد اختار أن يقاربها بأسلوب مختلف، مغرق في السخرية، ومفرط في الجدية أيضا في الوقت نفسه لمن يتفحص المحتوى والرسالة الحقيقية، والمرارة المعتملة في نفس كاتب تلك المقالات!

ولعلي لا أبالغ إن قلت إنني من المتعلمين من مدرسة صديقنا جعفر، إلا أنني من أولئك الذين تلقفوا واستوعبوا درس المرارة والألم، لكنني لا ولن أمتلك تلك القدرة الغريبة على السخرية من آلامنا وتخلفنا، و«ما عندي قلب» على رسم الابتسامة الحزينة المستمدة من التندر على تناقضاتنا وازدواج معاييرنا وكذبنا الصريح في مواجهة أنفسنا ومحاسبتها.

صديقي جعفر أكرمني بذكر اسمي شخصيا في مقاله الأخير، وهو يتحدث عن ذلك «الجني» الذي أصابته لوثة عقلية بعد التعامل مع الجموع العربية، وآخرها ذلك المواطن الكويتي الذي لم يهتم إلا بمذهب ذلك الجني، وصرح جعفر بأن « الجني حاليا يقبع في العنبر رقم تسعة بالطب النفسي، يعالجه الدكتور سليمان الخضاري»، وفات صديقي الصعلوك الكبير أن عنبر تسعة هو مخصص للإدمان، أي أن الجني بعدما يئس من البشر في عالمنا... لم يجد بدا من الإدمان، لكي ينسى أنه في يوم من الأيام... قد تعامل مع معشر العرب!



Twitter: @alkhadhari

كاتب وأكاديمي كويتي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي