«الدستورية» تبطل انتخابات «أمة 2012» وتعيد مجلس 2009... وكأن الحل لم يكن
| كتب أحمد لازم |
قضت المحكمة الدستورية أمس ببطلان مرسوم الدعوة إلى انتخابات مجلس الامة (2012) ببطلان حل مجلس الامة (2009) وباستعادة المجلس المنحل سلطته الدستورية وكأن الحل لم يكن.
وقررت المحكمة الدستورية برئاسة المستشار فيصل المرشد ابطال عملية الانتخاب برمتها التي أجريت بتاريخ الثاني من فبراير 2012 في الدوائر الانتخابية الخمس وعدم صحة من أعلن فوزهم بتلك الانتخابات لبطلان حل مجلس الامة (2009) وبطلان دعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الامة (2012) والتي تمت على أساسها هذه الانتخابات.
وأكد الحكم على ما يترتب على ما سبق ذكره من آثار أخصها ان يستعيد المجلس المنحل (2009) بقوة الدستور سلطته الدستورية كأن الحل لم يكن «ولذلك على النحو الموضح بالاسباب».
وجاء في الحكم ان القوانين التي صدرت خلال فترة المجلس الذي قضي بابطاله تظل سارية ونافذة الى أن يتم الغاؤها او يقضى بعدم دستوريتها. وكان من المقرر ان تنظر المحكمة الدستورية في جلستها اليوم بـ 35 طعنا بنتائج انتخابات أمة (2012) وصحة ترشح بعض المرشحين لتلك الانتخابات «بسبب انتفاء الخصومة نتيجة لعودة المجلس المنحل».وقضت المحكمة في الطعنين المرفوعين من النائب السابق روضان الروضان وصفاء الهاشم بابطال عملية الانتخاب برمتها في الدوائر الخمس وبعدم صحة عضوية من أعلن فوزهم وقضت بانتفاء الخصومة لـ 24 طعناً دستورياً مرفوعة من مواطنين ضد نواب ابرزهم النائب فيصل المسلم وذلك لعودة المجلس المنحل.
ورأت المحكمة برئاسة المستشار فيصل المرشد وعضوية المستشارين راشد الشراح وخالد سالم ومحمد بن ناجي وعادل بورسلي انه في الطعنين المقدمين من النائب السابق روضان الروضان وصفاء الهاشم ضد:
1 - رئيس مجلس الوزراء بصفته.
2 - وزير الداخلية بصفته.
3 - وكيل وزارة العدل بصفته.
4 - أمين عام مجلس الوزراء بصفته.
5 - رئيس اللجنة العامة لشؤون الانتخابات بصفته.
6 - رئيس مجلس الامة بصفته.
7 - فيصل علي المسلم.
8 - فيصل صالح اليحيى.
9 - وليد مساعد الطبطبائي.
10 - محمد حسين الدلال.
11 - أحمد عبدالعزيز السعدون.
12 - علي صالح العمير.
13 - شايع عبدالرحمن الشايع.
14 - نبيل نوري الفضل.
15 - محمد سالم الجويهل.
16 - عمار محمد العجمي.
الوقائع
حيث ان الوقائع - وعلى ما يبين من الاوراق - تتحصل في ان الطاعنين قدما طلبا طعنا فيه ببطلان انتخابات مجلس الأمة التي اجريت بتاريخ 2/ 2/ 2012، في الدائرة الانتخابية (الثالثة)، تم ايداعها ادارة كتاب هذه المحكمة بتاريخ 15/ 2/ 2012، قيدت في سجلها برقم (6) لسنة 2012، وطلب آخر سبق لها تقديمه بذات الشكل والمضمون الى الامانة العامة لمجلس الامة بتاريخ 6/ 2/ 2012، ورد الى هذه المحكمة بتاريخ 19/ 2/ 2012، جرى قيده بسجلها برقم (30) لسنة 2012، وتم اعلان المطعون ضدهم بذلك، واسست الطالبة طعنها - على نحو ما جاء بهذين الطلبين - على سند حاصلة ان هذه الانتخابات قد اعتورتها مخالفات دستورية في الاجراءات الممهدة لها تصمها بالبطلان لانطوائها على خرق لنصوص الدستور، فضلاً عما شاب عملية الانتخاب سواء في الاقتراع او فرز الاصوات او تجميعها من اخطاء جوهرية وعيوب جسيمة تؤدي الى ابطال الانتخاب في تلك الدائرة.
وبنى الطاعنان نعيهما في هذا الصدد على اكثر من سبب وذلك وفقاً لما يلي:
السبب الأول
ان المرسوم رقم (443) لسنة 2011 بحل مجلس الامة قد صدر مخالفاً للدستور ما يصمه بالبطلان، اذ ان مؤدي نص المادة (129) من الدستور انه اذا عُين رئيس مجلس الوزراء جديد محل رئيس مجلس الوزراء المستقيل زالت صفة جميع الوزراء في الوزارة المستقيلة، ولم يعد لرئيس مجلس الوزراء وسائر الوزراء في وزارته المستقيلة اي حق في الاستمرار في عملهم كحكومة تصريف اعمال بعد اداء رئيس مجلس الوزراء الجديد اليمين الدستورية امام امير البلاد، وان الامر الاميري بتعيين رئيس مجلس الوزراء الجديد تضمن تكليفه بترشيح اعضاء الوزارة الجديدة، وبالتالي فلا يتصور ان يمارس اي عمل قبل تشكيل وزارته، بيد انه لم تجر الامور وفقاً لمجراها الطبيعي ولم يبادر رئيس مجلس الوزراء الجديد الى تشكيل اعضاء الوزارة الجديدة، وفقاً لامر تعيينه، بل تراخ في ذلك خلال تلك الفترة الحرجة بعد زوال صفة الوزارة المستقيلة، حيث باشر رئيس مجلس الوزراء الجديد صلاحياته منفرداً وقبل تشكيل مجلس الوزراء الجديد، فاستعار اعضاء الوزارة المستقيلة، ونظمهم في اجتماع لمجلس الوزراء بتاريخ 6/ 12/ 2011، وقرر رفع كتاب لأمير البلاد بحل مجلس الامة، ما يجعل اجراء الحل مخالفاً للدستور، ويضحى
معه المرسوم الصادر في هذا الشأن باطلا بطلانا مطلقا، هو والعدم سواء، يستوجب والحال كذلك عدم الاعتداد به وعدم ترتيب آثاره واعتباره كأن لم يكن.
السببب الثاني
ان المرسوم رقم (447) لسنة 2011 بدعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الامة قد صدر مشوبا بالبطلان، اذ جاءت هذه الدعوة بناء على طلب وزارة تخلف في شأنها عنصر جوهري من عناصر قيامها ووجودها، وخلت من تعيين اي وزير فيها من اعضاء مجلس الامة، ودون ان يلتزم في تشكيلها بالقيد الدستوري - المنصوص عليه في المادة (56) من الدستور - والذي يقضي بوجوب ان يكون تعيين الوزراء من بين اعضاء مجلس الامة، الامر الذي يكون معه هذا المرسوم منعدما لا يرتب اثرا قانونيا لمخالفته للدستور، ولا وجه للتذرع بقيام حالة ضرورة يتطلب معها سد فراغ دستوري - أوجدها مرسوم الحل الذي صدر باطلا، وان يتخذ من ذلك تكئة للتحلل من هذا الشرط الدستوري بالمخالفة لصريح نص الدستور.
السبب الثالث
انه قد ترتب على جميع هذه الاجراءات المنعدمة ان ضررا حالا حاق بالطاعنة لحق بها من جراء ذلك، اذ اخذت على حين غرة، ففوجئت بها دون ان تأخذ عدتها، او يتسنى لها ترتيب أوضاعها، او ان تأخذ الوقت الكافي للدعاية الانتخابية واتصالها بالناخبين، وما عسى ان يستلزمه ذلك من التنقل من منطقة الى اخرى في تلك الدائرة، بحسبان انها كانت تضع في اعتبارها المدة المتبقية لمجلس الامة المنحل للقيام خلالها بالدعاية الانتخابية، والتي أضحت تتطلب منها جهدا كبيرا، بسبب اتساع مساحة الدائرة والتي لم تعد تقتصر على منطقتها التي تقطن فيها فحسب، بل امتدت لتشمل مناطق عديدة بالبلاد لاختيار عشرة اعضاء لكل دائرة من الدوائر الخمس، بدلا من خمسة وعشرين دائرة انتخابية التي كانت مقررة من قبل وينتخب عضوان لها، دون تكبيل ارادة الناخب وتحديدها باختياره اربعة اعضاء، وقد ادى تقسيم الدوائر الانتخابية على هذا الوجه الى ان اجريت هذه الانتخابات بالدائرة في ظل منافسة غير متكافئة بين المرشحين، ودون النظر الى اتساع مساحتها او الى التفاوت الظاهر بين الدوائر المختلفة من حيث عدد أصوات الناخبين بما من شأنه ان يفضي الى عدم تحقيق المساواة في التصويت بحيث يكون عاكسا عن صدق التعبير عن الارادة الشعبية الحقة، وبذلك تكون قد غابت عن التمثيل النيابي اهم خصائصه وأغراضه، ما ينعكس ذلك بحكم اللزوم على شرعية الانتخاب.
السبب الرابع
ان الدائرة التي خاضت الطاعنة الانتخابات فيها بالاضافة الى اتساع مساحتها وما ادى اليه تقسيم الدوائر الانتخابية على النحو سالف البيان والى تكريس القبلية بما يجعل النائب أسيرا لناخبيه، ويحمل النائب على اعتبار نفسه ممثلا لدائرته فقط لا لمجموع الامة بما من شأنه ان ينهدم ركن من اركان النظام النيابي، فإنه فضلا عن ذلك، فإن هذه الدائرة تنطلق منها ايضا العديد من التجمعات السياسية والكتل، فكان ان حشدت هذه التجمعات والكتل والقبائل مرشحيها في هذه الانتخابات وجرت المنافسة في تلك الدائرة بين اكبر عدد من المرشحين، حيث بلغ عددهم ما يزيد على (75) مرشحا، وهو عدد لم يحدث في اي انتخابات من قبل، ما شهد معه يوم الاقتراع فوضى كبيرة في اللجان وفي مراكز الاقتراع بالدائرة بصفة عامة، نجمت عنها عيوب جوهرية وأخطاء جسيمة في عملية فرز الاصوات وتجميعها، ترتب عليها تغير مراكز جميع المرشحين، من شأنها ان تلقي بظلال كثيفة من الشك حول صحة النتيجة التي اعلنت في تلك الدائرة، وأسفرت عن عدم فوزها فيها، على الرغم من انها قد حصلت على عدد كبيرة من الاصوات تجعلها ضمن الفائزين في هذه الانتخابات.
(المحكمة)
بعد الاطلاع على الاوراق، وسماع المرافعة، وبعد المداولة.
حيث انه عن الدفع المبدى من المطعون ضده (التاسع) بعدم قبول الطعنين شكلا لعدم توقيع صحيفتيهما من محام مقبول امام هذه المحكمة، فهو دفع في غير محله، ذلك انه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - ان الاجراءات المتعلقة بالطعون الخاصة بانتخاب مجلس الامة او بصحة عضويتهم قد انتظمتها نصوص خاصة في قانون انشائها ولائحتها، ومجال الطعن متاح امام هذه المحكمة لكل ناخب او مرشح طبقا لقانون الانتخاب في طلب ابطال الانتخاب الذي حصل في دائرته الانتخابية، ولا يشترط افراغ طلب الطعن في شكل معين او استلزام ان يكون الطلب موقعا عليه من محام، بيد انه لا ينال من صحة الطلب ان يكون بصحيفة طعن موقعة من محام صدرت له وكالة خاصة من الطالب في هذا الشأن، ومتى كان ذلك، وكان الثابت من الاوراق انه تم توقيع صحيفتي الطعنين من محام ثبتت وكالته عن الطاعنة بموجب توكيل خاص مودع ملف الطعنين يخول له الطعن في هذا الانتخاب نيابة عنها، فانه يتعين ومن ثم رفض هذا الدفع.
وحيث انه بالنسبة إلى ما دفع به المطعون ضده (السادس عشر) من عدم قبول الطعن لان الطاعنة لم تشفع طلب الطعن بالمستندات المؤيدة له على نحو ما تقضي به لائحة المحكمة، فمردود بما هو مقرر - في قضاء هذه المحكمة - من انه لا يترتب على ذلك حتما بطلان الطلب او عدم قبوله، طالما انه قد اشتمل على بيان اسباب الطعن، كاف لتحديد نطاقه واسانيده، وهو الامر الحاصل في طلب الطعن الماثل، ومن ثم يتعين رفض هذا الدفع.
وحيث ان الطعنين قد استوفيا اوضاعهما الشكلية.
وحيث ان ادارة الفتوى والتشريع قد ذهبت في دفاعها الى ان ما اثارته الطاعنة في طلبها متعلقا ببطلان المرسوم الاميري بحل مجلس الامة، والمرسوم الاميري بدعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الامة، لا تختص هذه المحكمة بنظره، باعتبار ان هذين المرسومين في ما تناولاه يتصل بأخص المسائل المتعلقة بعلاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية، وهي من الاعمال السياسية التي تتأبى بحكم طبيعتها ان تكون محلا للتقاضي، تحقيقا لسيادة الدولة وحفظا لكيانها ورعاية لمصالحها العليا، دون تخويل القضاء سلطة التعقيب عليها، لأن النظر في تلك الاعمال يستلزم توافر معلومات وضوابط وموازين يخرج زمام تقديرها عن اختصاص القضاء، فضلا عن اختيار الوزراء وتشكيل مجلس الوزراء من الامور التي تنحسر عنها ولاية القضاء باعتبارها من اعمال السيادة، وهو ما فتئ المشرع على تأكيده في قانون تنظيم القضاء رقم (23) لسنة 1990 بالنص في المادة الثانية منه على انه ليس للمحاكم ان تنظر في اعمال السيادة.
وحيث ان ما اثارته ادارة الفتوى والتشريع في هذا الشأن، مردود بما يلي:
أولا: ان الواضح من نعي الطاعنة في هذا الشق من طلبها ان نطاقه قد اقتصر على الاجراءات التي اتخذتها السلطة التنفيذية في حل مجلس الامة، وكذا في دعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الامة، قولا من الطاعنة ان هذه الاجراءات والتي مهدت الى هذه الانتخابات قد خالفت القيود الاجرائية المنصوص عليها في الدستور، وفي هذا النطاق وحده ينحصر نعيها في هذا الشق من طلبها، ولا يتعداه الى البحث في الملاءمات او التغلغل في بواعث اصدار هذين المرسومين، او التدخل في الولاية المنفردة للسلطة التنفيذية والتي لا تخول للقضاء الحلول محلها في ما قصره الدستور عليها. ولا ريب في ان القيود الاجرائية التي فرضها الدستور على السلطة التنفيذية لا يجوز اسقاطها او تجاوزها او التحلل منها تذرعا بأنها اعمال سياسية، اذ ان هذا القول لا يستقيم في مجال اعمال سلطتها المقيدة طبقا للدستور.
ثانيا: ان الطعون المتعلقة بانتخاب مجلس الامة او بصحة عضويتهم لها طبيعتها الخاصة، ونظر هذه الطعون امام المحكمة الدستورية تحكمه التشريعات المنظمة لاختصاصها، والاجراءات المتعلقة بهذه الطعون تنتظمها نصوص خاصة، والى احكام هذه التشريعات يكون مرد الامر في مباشرة اختصاصها بلا افراط او تفريط او توسعة او تضييق ودون تغول او انتقاص، والمحكمة وهي تفصل في هذه الطعون بوصفها محكمة موضوع ملتزمة بإنزال حكم القانون على واقع ما هو معروض عليها وتغليب احكام الدستور على ما سواها من القواعد القانونية، مقيدة في ذلك بضوابط العمل القضائي وضماناته، بعيدا عن العمل السياسي بحساباته وتقديراته، وهي من بعد لا تخوض في اختصاص ليس لها، او تتخلى عن اختصاص انيط بها، كما لا يجوز لها بالتالي ان تترخص في ما عهد اليها به، كلما كان تعرضها لما اثير امامها من مسائل لازما تدخلها، بما يكفل سيادة الدستور.
ثالثا: ان اختصاص هذه المحكمة بالفصل في هذه الطعون هو اختصاص شامل، وقد جاء نص المادة الاولى من قانون انشائها دالا على ذلك، وبما يشمل بسط رقابتها على عملية الانتخاب برمتها للتأكد من صحتها او فسادها.
رابعا:
ليس من المقبول ان يسمح النظام الدستوري بالرقابة القضائية على دستورية القوانين والمراسيم بقوانين واللوائح، توصلا إلى الحكم بعدم دستورية التشريعات المخالفة للدستور، سواء صدرت هذه التشريعات من السلطة التشريعية او من السلطة التنفيذية، وان يعهد بهذا الاختصاص إلى المحكمة الدستورية وهي جهة قضائية نص عليها الدستور في صلبه، كافلا بها للشرعية الدستورية اسسها، مقيما منها مرجعا نهائيا لتفسير احكام الدستور، ورقيبة على الالتزام بقواعده، اعلاء لنصوص الدستور وحفظا لكيانه، في حين تستعصي بعض الاجراءات الممهدة لعملية الانتخاب والصادر بشأنها قرارات من السلطة التنفيذية على الفحص والتدقيق من قبل هذه المحكمة لدى مباشرة اختصاصها بنظر الطعون الانتخابية، للاستيثاق من اتفاق او تعارض هذه الاجراءات مع الدستور، والا جاز التذرع بوجود مناطق من الدستور لا يجوز لهذه المحكمة ان تمد بصرها اليها، فتغدو هذه القرارات - وهي ادنى مرتبة من القانون - اكثر قوة وامتيازا من القانون نفسه.
ولما كان ما تقدم، وكان ما ذهبت اليه ادارة الفتوى والتشريع لا يلتئم مع طبيعة اختصاص هذه المحكمة للاعتبارات سالفة البيان، فان ما اثارته في هذا الدفاع يكون مسوقا في غير موضعه.
وحيث ان السبب الاول من اسباب نعي الطاعنة ببطلان هذه الانتخابات انها قد اعتورها مخالفات دستورية في الاجراءات الممهدة لها تصمها بالبطلان، قولا من الطاعنة بان طلب حل مجلس الامة قد جاء من وزارة زايلتها هذه الصفة بقبول استقالتها بكاملها وذلك بعد تعيين رئيس جديد لمجلس الوزراء، وتكليفه بترشيح اعضاء الوزارة الجديدة، حيث استبق رئيس مجلس الوزراء - بصفته هذه - قبل تأليف هذه الوزارة الجديدة وصدور مرسوم بتشكيلها، بدعوة وزارة زايلتها هذه الصفة واستعارة وزراء منها، لاخذ موافقتها على هذا الحل، مما يجعل هذا الاجراء باطلا بطلانا مطلقا، يستوجب عدم الاعتداد به وعدم ترتيب اثاره، واعتباره كأن لم يكن لمخالفته للدستور.
وحيث ان هذا النعي سديد، ذلك ان المادة (107) من الدستور تنص على ان «للامير ان يحل مجلس الامة بمرسوم تبين فيه اسباب الحل، على انه لا يجوز حل المجلس لذات الاسباب مرة اخرى، واذا حل المجلس وجب اجراء انتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يتجاوز شهرين من تاريخ الحل، فان لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن، ويستمر في اعماله إلى ان ينتخب المجلس الجديد».
والمستفاد من ذلك ان حل مجلس الامة هو حق دستوري مقرر للسلطة التنفيذية، ويعتبر احد السبل لاحكام المعادلة والتوازن بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، ومن المعلوم ان الامير يتولى سلطاته بواسطة وزرائه (م 55)، والمقصود بالحل هو انهاء مدة المجلس انهاء مبتسرا قبل انتهاء الاجل المقرر له، ويلزم في طلب الحل ان يكون من حكومة (وزارة) لم تبرحها هذه الصفة، سواء اثر خلاف بينها وبين مجلس الامة، او إذا اختل التناسب والانسجام بينهما، او اقتضت له ضرورة، وانه وان كان الدستور لم يقيد استعمال الحكومة لحق الحل باي قيد زمني، فلها ان تتخير توقيته وتقدير مناسباته، الا ان الدستور احاط الحل - نظرا لخطورته - ببعض القيود والضمانات، فيجب ان يكون حل مجلس الامة بمرسوم تبين فيه اسباب الحل، وهو امر يتطلب معه ان يوقع مرسوم الحل مع الامير، رئيس مجلس الوزراء حتى يتحمل مسؤوليته السياسية، وانه إذا حل المجلس لا يجوز حله لذات الاسباب مرة اخرى، كما انه يجب اجراء انتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يتجاوز شهرين من تاريخ الحل، إذ ما دام ان الغرض من الحل هو الاحتكام إلى الامة واخذ رأي الناخبين فيه، فلا يصح ارجاء ذلك إلى امد بعيد مع استمرار السلطة التنفيذية في التصرف بلا رقيب، وبالتالي وجب دعوة الناخبين إلى اجراء انتخابات جديدة، والغاية من هذا الحكم هو تأكيد ضرورة اتصال الحياة النيابية، فاذا لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن، ويستمر في اعماله إلى ان ينتخب المجلس الجديد.
ومتى كان ذلك، وكان البين من مطالعة الامر الاميري بقبول استقالة رئيس مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 28/ 11/ 2011 انه قد تضمن في المادة الاولى منه النص على ان «تقبل استقالة سمو الشيخ ناصر المحمد الاحمد الصباح والوزراء ويستمر كل منهم في تصريف العاجل من شؤون منصبه لحين تشكيل الوزارة الجديدة».
واعقب ذلك صدور امر اميري بتاريخ 30 / 11/ 2011 بتعيين رئيس لمجلس الوزراء، ونص في مادته الاولى على ان «يعين الشيخ/ جابر مبارك الحمد الصباح رئيساً لمجلس الوزراء، ويكلف بترشيح اعضاء الوزارة الجديدة وعرض اسمائهم علينا لاصدار مرسوم تعيينهم»، ثم صدر المرسوم رقم (443) لسنة 2011 بحل مجلس الامة بتاريخ 6/ 12 / 2011، حيث وردت الاشارة بديباجته الى صدوره استناداً الى المادة (107) من الدستور، والى ان صدوره قد جاء «ازاء ما آلت اليه الامور وادت الى تعثر مسيرة الانجاز وتهديد المصالح العليا للبلاد مما يستوجب العودة الى الامة لاختيار ممثليها لتجاوز العقبات القائمة وتحقيق المصلحة الوطنية»، كما جاءت الاشارة الى صدوره بناء على عرض رئيس مجلس الوزراء، وبعد موافقة مجلس الوزراء، مذيلاً هذا المرسوم بتوقيع امير البلاد والشيخ/ جابر مبارك الحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء.
واذ كان الامر كذلك، وكان الحاصل ان هذا الحل قد جاء استناداً الى المادة (107) من الدستور، وبناء على طلب وزارة قد زايلتها هذه الصفة بقبول الامير استقالتها بكاملها، وذلك بعد إذ تم تعيين رئيس جديد لمجلس الوزراء بأمر أميري، وتكليفه بترشيح اعضاء الوزارة الجديدة، حيث استبق رئيس مجلس الوزراء - بصفته هذه - قبل تأليف هذه الوزارة الجديدة وصدور مرسوم بتشكيلها، باستعارة اعضاء من الوزارة المستقيلة التي زالت صفتها ونظمهم في اجتماع لمجلس الوزراء لاخذ موافقتهم على هذا الحل، فان هذا الاجراء يكون غير صحيح الوجهة الشكلية، مخالفاً لروح المبادئ الدستورية والغرض الذي من اجله شرعت سنته، اذ لا يجوز ان يتخذ الحل الذي رخص به الدستور للحكومة استعماله، وحدد طبيعته واجراءاته والغرض منه، ذريعة الى اهدار احكام الدستور ومخالفتها، فللدستور حرمة ونصوصه يجب ان تصان واحكامه لابد ان تحترم.
وبالترتيب على ما تقدم، يكون اجراء هذا الحل قد جاء مشوباً بالبطلان ويضحى هو والعدم سواء، يستوجب عدم الاعتداد به، وترتيب اثاره بما يستتبعه ذلك من بطلان دعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الامة التي جاءت ابتناء على هذا الحل الباطل، كما تغدو معه ارادة الناخبين في هذه الحالة قد وردت على غير محل، بعد ان جاءت الانتخابات وليدة اجراءات باطلة أهدرت فيها القيود الاجرائية في الدستور على نحو ما سلف بيانه، وبالتالي يكون نعي الطاعنة بهذا السبب من طعنها قائماً على اساس سليم ولا حاجة من بعد الى بحث بقية اسباب الطعن، وحق القضاء - ومن ثم - بابطال عملية الانتخاب، برمتها التي اجريت بتاريخ 2/ 2/ 2012 في الدوائر الخمس، وبعدم صحة عضوية من اعلن فوزهم فيها، مع ما يترتب على ذلك من اثار، اخصها ان يستعيد المجلس المنحل - بقوة الدستور - سلطته الدستورية كأن الحل لم يكن، ليكمل المدة المتبقية له اصلاً - ما لم يطرأ من الامور خلال تلك المدة ما يقتضي معها اعمال الامير صلاحياته المقررة في هذا الشأن - وذلك اعلاء لنصوص الدستور، وتغليباً لاحكامه، حفظاً لكيانه وسلامة النظام العام الدستوري وبنيانه.
ومن نافلة القول ان القوانين التي صدرت - خلال فترة المجلس الذي قضى بابطاله - تظل سارية ونافذة الى ان يتم الغاؤها او يقضى بعدم دستوريتها.
فلهذه الاسباب
حكمت المحكمة: بإبطال عملية الانتخاب برمتها، التي اجريت بتاريخ 2/ 2/ 2012 في الدوائر الخمس، وبعدم صحة عضوية من أعلن فوزهم فيها، لبطلان حل مجلس الامة وبطلان دعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الامة والتي تمت على اساسها هذه الانتخابات، مع ما يترتب على ذلك من آثار، اخصها ان يستعيد المجلس المنحل - بقوة الدستور - سلطته الدستورية كأن الحل لم يكن، وذلك على النحو الموضح بالأسباب.
قضت المحكمة الدستورية أمس ببطلان مرسوم الدعوة إلى انتخابات مجلس الامة (2012) ببطلان حل مجلس الامة (2009) وباستعادة المجلس المنحل سلطته الدستورية وكأن الحل لم يكن.
وقررت المحكمة الدستورية برئاسة المستشار فيصل المرشد ابطال عملية الانتخاب برمتها التي أجريت بتاريخ الثاني من فبراير 2012 في الدوائر الانتخابية الخمس وعدم صحة من أعلن فوزهم بتلك الانتخابات لبطلان حل مجلس الامة (2009) وبطلان دعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الامة (2012) والتي تمت على أساسها هذه الانتخابات.
وأكد الحكم على ما يترتب على ما سبق ذكره من آثار أخصها ان يستعيد المجلس المنحل (2009) بقوة الدستور سلطته الدستورية كأن الحل لم يكن «ولذلك على النحو الموضح بالاسباب».
وجاء في الحكم ان القوانين التي صدرت خلال فترة المجلس الذي قضي بابطاله تظل سارية ونافذة الى أن يتم الغاؤها او يقضى بعدم دستوريتها. وكان من المقرر ان تنظر المحكمة الدستورية في جلستها اليوم بـ 35 طعنا بنتائج انتخابات أمة (2012) وصحة ترشح بعض المرشحين لتلك الانتخابات «بسبب انتفاء الخصومة نتيجة لعودة المجلس المنحل».وقضت المحكمة في الطعنين المرفوعين من النائب السابق روضان الروضان وصفاء الهاشم بابطال عملية الانتخاب برمتها في الدوائر الخمس وبعدم صحة عضوية من أعلن فوزهم وقضت بانتفاء الخصومة لـ 24 طعناً دستورياً مرفوعة من مواطنين ضد نواب ابرزهم النائب فيصل المسلم وذلك لعودة المجلس المنحل.
ورأت المحكمة برئاسة المستشار فيصل المرشد وعضوية المستشارين راشد الشراح وخالد سالم ومحمد بن ناجي وعادل بورسلي انه في الطعنين المقدمين من النائب السابق روضان الروضان وصفاء الهاشم ضد:
1 - رئيس مجلس الوزراء بصفته.
2 - وزير الداخلية بصفته.
3 - وكيل وزارة العدل بصفته.
4 - أمين عام مجلس الوزراء بصفته.
5 - رئيس اللجنة العامة لشؤون الانتخابات بصفته.
6 - رئيس مجلس الامة بصفته.
7 - فيصل علي المسلم.
8 - فيصل صالح اليحيى.
9 - وليد مساعد الطبطبائي.
10 - محمد حسين الدلال.
11 - أحمد عبدالعزيز السعدون.
12 - علي صالح العمير.
13 - شايع عبدالرحمن الشايع.
14 - نبيل نوري الفضل.
15 - محمد سالم الجويهل.
16 - عمار محمد العجمي.
الوقائع
حيث ان الوقائع - وعلى ما يبين من الاوراق - تتحصل في ان الطاعنين قدما طلبا طعنا فيه ببطلان انتخابات مجلس الأمة التي اجريت بتاريخ 2/ 2/ 2012، في الدائرة الانتخابية (الثالثة)، تم ايداعها ادارة كتاب هذه المحكمة بتاريخ 15/ 2/ 2012، قيدت في سجلها برقم (6) لسنة 2012، وطلب آخر سبق لها تقديمه بذات الشكل والمضمون الى الامانة العامة لمجلس الامة بتاريخ 6/ 2/ 2012، ورد الى هذه المحكمة بتاريخ 19/ 2/ 2012، جرى قيده بسجلها برقم (30) لسنة 2012، وتم اعلان المطعون ضدهم بذلك، واسست الطالبة طعنها - على نحو ما جاء بهذين الطلبين - على سند حاصلة ان هذه الانتخابات قد اعتورتها مخالفات دستورية في الاجراءات الممهدة لها تصمها بالبطلان لانطوائها على خرق لنصوص الدستور، فضلاً عما شاب عملية الانتخاب سواء في الاقتراع او فرز الاصوات او تجميعها من اخطاء جوهرية وعيوب جسيمة تؤدي الى ابطال الانتخاب في تلك الدائرة.
وبنى الطاعنان نعيهما في هذا الصدد على اكثر من سبب وذلك وفقاً لما يلي:
السبب الأول
ان المرسوم رقم (443) لسنة 2011 بحل مجلس الامة قد صدر مخالفاً للدستور ما يصمه بالبطلان، اذ ان مؤدي نص المادة (129) من الدستور انه اذا عُين رئيس مجلس الوزراء جديد محل رئيس مجلس الوزراء المستقيل زالت صفة جميع الوزراء في الوزارة المستقيلة، ولم يعد لرئيس مجلس الوزراء وسائر الوزراء في وزارته المستقيلة اي حق في الاستمرار في عملهم كحكومة تصريف اعمال بعد اداء رئيس مجلس الوزراء الجديد اليمين الدستورية امام امير البلاد، وان الامر الاميري بتعيين رئيس مجلس الوزراء الجديد تضمن تكليفه بترشيح اعضاء الوزارة الجديدة، وبالتالي فلا يتصور ان يمارس اي عمل قبل تشكيل وزارته، بيد انه لم تجر الامور وفقاً لمجراها الطبيعي ولم يبادر رئيس مجلس الوزراء الجديد الى تشكيل اعضاء الوزارة الجديدة، وفقاً لامر تعيينه، بل تراخ في ذلك خلال تلك الفترة الحرجة بعد زوال صفة الوزارة المستقيلة، حيث باشر رئيس مجلس الوزراء الجديد صلاحياته منفرداً وقبل تشكيل مجلس الوزراء الجديد، فاستعار اعضاء الوزارة المستقيلة، ونظمهم في اجتماع لمجلس الوزراء بتاريخ 6/ 12/ 2011، وقرر رفع كتاب لأمير البلاد بحل مجلس الامة، ما يجعل اجراء الحل مخالفاً للدستور، ويضحى
معه المرسوم الصادر في هذا الشأن باطلا بطلانا مطلقا، هو والعدم سواء، يستوجب والحال كذلك عدم الاعتداد به وعدم ترتيب آثاره واعتباره كأن لم يكن.
السببب الثاني
ان المرسوم رقم (447) لسنة 2011 بدعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الامة قد صدر مشوبا بالبطلان، اذ جاءت هذه الدعوة بناء على طلب وزارة تخلف في شأنها عنصر جوهري من عناصر قيامها ووجودها، وخلت من تعيين اي وزير فيها من اعضاء مجلس الامة، ودون ان يلتزم في تشكيلها بالقيد الدستوري - المنصوص عليه في المادة (56) من الدستور - والذي يقضي بوجوب ان يكون تعيين الوزراء من بين اعضاء مجلس الامة، الامر الذي يكون معه هذا المرسوم منعدما لا يرتب اثرا قانونيا لمخالفته للدستور، ولا وجه للتذرع بقيام حالة ضرورة يتطلب معها سد فراغ دستوري - أوجدها مرسوم الحل الذي صدر باطلا، وان يتخذ من ذلك تكئة للتحلل من هذا الشرط الدستوري بالمخالفة لصريح نص الدستور.
السبب الثالث
انه قد ترتب على جميع هذه الاجراءات المنعدمة ان ضررا حالا حاق بالطاعنة لحق بها من جراء ذلك، اذ اخذت على حين غرة، ففوجئت بها دون ان تأخذ عدتها، او يتسنى لها ترتيب أوضاعها، او ان تأخذ الوقت الكافي للدعاية الانتخابية واتصالها بالناخبين، وما عسى ان يستلزمه ذلك من التنقل من منطقة الى اخرى في تلك الدائرة، بحسبان انها كانت تضع في اعتبارها المدة المتبقية لمجلس الامة المنحل للقيام خلالها بالدعاية الانتخابية، والتي أضحت تتطلب منها جهدا كبيرا، بسبب اتساع مساحة الدائرة والتي لم تعد تقتصر على منطقتها التي تقطن فيها فحسب، بل امتدت لتشمل مناطق عديدة بالبلاد لاختيار عشرة اعضاء لكل دائرة من الدوائر الخمس، بدلا من خمسة وعشرين دائرة انتخابية التي كانت مقررة من قبل وينتخب عضوان لها، دون تكبيل ارادة الناخب وتحديدها باختياره اربعة اعضاء، وقد ادى تقسيم الدوائر الانتخابية على هذا الوجه الى ان اجريت هذه الانتخابات بالدائرة في ظل منافسة غير متكافئة بين المرشحين، ودون النظر الى اتساع مساحتها او الى التفاوت الظاهر بين الدوائر المختلفة من حيث عدد أصوات الناخبين بما من شأنه ان يفضي الى عدم تحقيق المساواة في التصويت بحيث يكون عاكسا عن صدق التعبير عن الارادة الشعبية الحقة، وبذلك تكون قد غابت عن التمثيل النيابي اهم خصائصه وأغراضه، ما ينعكس ذلك بحكم اللزوم على شرعية الانتخاب.
السبب الرابع
ان الدائرة التي خاضت الطاعنة الانتخابات فيها بالاضافة الى اتساع مساحتها وما ادى اليه تقسيم الدوائر الانتخابية على النحو سالف البيان والى تكريس القبلية بما يجعل النائب أسيرا لناخبيه، ويحمل النائب على اعتبار نفسه ممثلا لدائرته فقط لا لمجموع الامة بما من شأنه ان ينهدم ركن من اركان النظام النيابي، فإنه فضلا عن ذلك، فإن هذه الدائرة تنطلق منها ايضا العديد من التجمعات السياسية والكتل، فكان ان حشدت هذه التجمعات والكتل والقبائل مرشحيها في هذه الانتخابات وجرت المنافسة في تلك الدائرة بين اكبر عدد من المرشحين، حيث بلغ عددهم ما يزيد على (75) مرشحا، وهو عدد لم يحدث في اي انتخابات من قبل، ما شهد معه يوم الاقتراع فوضى كبيرة في اللجان وفي مراكز الاقتراع بالدائرة بصفة عامة، نجمت عنها عيوب جوهرية وأخطاء جسيمة في عملية فرز الاصوات وتجميعها، ترتب عليها تغير مراكز جميع المرشحين، من شأنها ان تلقي بظلال كثيفة من الشك حول صحة النتيجة التي اعلنت في تلك الدائرة، وأسفرت عن عدم فوزها فيها، على الرغم من انها قد حصلت على عدد كبيرة من الاصوات تجعلها ضمن الفائزين في هذه الانتخابات.
(المحكمة)
بعد الاطلاع على الاوراق، وسماع المرافعة، وبعد المداولة.
حيث انه عن الدفع المبدى من المطعون ضده (التاسع) بعدم قبول الطعنين شكلا لعدم توقيع صحيفتيهما من محام مقبول امام هذه المحكمة، فهو دفع في غير محله، ذلك انه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - ان الاجراءات المتعلقة بالطعون الخاصة بانتخاب مجلس الامة او بصحة عضويتهم قد انتظمتها نصوص خاصة في قانون انشائها ولائحتها، ومجال الطعن متاح امام هذه المحكمة لكل ناخب او مرشح طبقا لقانون الانتخاب في طلب ابطال الانتخاب الذي حصل في دائرته الانتخابية، ولا يشترط افراغ طلب الطعن في شكل معين او استلزام ان يكون الطلب موقعا عليه من محام، بيد انه لا ينال من صحة الطلب ان يكون بصحيفة طعن موقعة من محام صدرت له وكالة خاصة من الطالب في هذا الشأن، ومتى كان ذلك، وكان الثابت من الاوراق انه تم توقيع صحيفتي الطعنين من محام ثبتت وكالته عن الطاعنة بموجب توكيل خاص مودع ملف الطعنين يخول له الطعن في هذا الانتخاب نيابة عنها، فانه يتعين ومن ثم رفض هذا الدفع.
وحيث انه بالنسبة إلى ما دفع به المطعون ضده (السادس عشر) من عدم قبول الطعن لان الطاعنة لم تشفع طلب الطعن بالمستندات المؤيدة له على نحو ما تقضي به لائحة المحكمة، فمردود بما هو مقرر - في قضاء هذه المحكمة - من انه لا يترتب على ذلك حتما بطلان الطلب او عدم قبوله، طالما انه قد اشتمل على بيان اسباب الطعن، كاف لتحديد نطاقه واسانيده، وهو الامر الحاصل في طلب الطعن الماثل، ومن ثم يتعين رفض هذا الدفع.
وحيث ان الطعنين قد استوفيا اوضاعهما الشكلية.
وحيث ان ادارة الفتوى والتشريع قد ذهبت في دفاعها الى ان ما اثارته الطاعنة في طلبها متعلقا ببطلان المرسوم الاميري بحل مجلس الامة، والمرسوم الاميري بدعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الامة، لا تختص هذه المحكمة بنظره، باعتبار ان هذين المرسومين في ما تناولاه يتصل بأخص المسائل المتعلقة بعلاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية، وهي من الاعمال السياسية التي تتأبى بحكم طبيعتها ان تكون محلا للتقاضي، تحقيقا لسيادة الدولة وحفظا لكيانها ورعاية لمصالحها العليا، دون تخويل القضاء سلطة التعقيب عليها، لأن النظر في تلك الاعمال يستلزم توافر معلومات وضوابط وموازين يخرج زمام تقديرها عن اختصاص القضاء، فضلا عن اختيار الوزراء وتشكيل مجلس الوزراء من الامور التي تنحسر عنها ولاية القضاء باعتبارها من اعمال السيادة، وهو ما فتئ المشرع على تأكيده في قانون تنظيم القضاء رقم (23) لسنة 1990 بالنص في المادة الثانية منه على انه ليس للمحاكم ان تنظر في اعمال السيادة.
وحيث ان ما اثارته ادارة الفتوى والتشريع في هذا الشأن، مردود بما يلي:
أولا: ان الواضح من نعي الطاعنة في هذا الشق من طلبها ان نطاقه قد اقتصر على الاجراءات التي اتخذتها السلطة التنفيذية في حل مجلس الامة، وكذا في دعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الامة، قولا من الطاعنة ان هذه الاجراءات والتي مهدت الى هذه الانتخابات قد خالفت القيود الاجرائية المنصوص عليها في الدستور، وفي هذا النطاق وحده ينحصر نعيها في هذا الشق من طلبها، ولا يتعداه الى البحث في الملاءمات او التغلغل في بواعث اصدار هذين المرسومين، او التدخل في الولاية المنفردة للسلطة التنفيذية والتي لا تخول للقضاء الحلول محلها في ما قصره الدستور عليها. ولا ريب في ان القيود الاجرائية التي فرضها الدستور على السلطة التنفيذية لا يجوز اسقاطها او تجاوزها او التحلل منها تذرعا بأنها اعمال سياسية، اذ ان هذا القول لا يستقيم في مجال اعمال سلطتها المقيدة طبقا للدستور.
ثانيا: ان الطعون المتعلقة بانتخاب مجلس الامة او بصحة عضويتهم لها طبيعتها الخاصة، ونظر هذه الطعون امام المحكمة الدستورية تحكمه التشريعات المنظمة لاختصاصها، والاجراءات المتعلقة بهذه الطعون تنتظمها نصوص خاصة، والى احكام هذه التشريعات يكون مرد الامر في مباشرة اختصاصها بلا افراط او تفريط او توسعة او تضييق ودون تغول او انتقاص، والمحكمة وهي تفصل في هذه الطعون بوصفها محكمة موضوع ملتزمة بإنزال حكم القانون على واقع ما هو معروض عليها وتغليب احكام الدستور على ما سواها من القواعد القانونية، مقيدة في ذلك بضوابط العمل القضائي وضماناته، بعيدا عن العمل السياسي بحساباته وتقديراته، وهي من بعد لا تخوض في اختصاص ليس لها، او تتخلى عن اختصاص انيط بها، كما لا يجوز لها بالتالي ان تترخص في ما عهد اليها به، كلما كان تعرضها لما اثير امامها من مسائل لازما تدخلها، بما يكفل سيادة الدستور.
ثالثا: ان اختصاص هذه المحكمة بالفصل في هذه الطعون هو اختصاص شامل، وقد جاء نص المادة الاولى من قانون انشائها دالا على ذلك، وبما يشمل بسط رقابتها على عملية الانتخاب برمتها للتأكد من صحتها او فسادها.
رابعا:
ليس من المقبول ان يسمح النظام الدستوري بالرقابة القضائية على دستورية القوانين والمراسيم بقوانين واللوائح، توصلا إلى الحكم بعدم دستورية التشريعات المخالفة للدستور، سواء صدرت هذه التشريعات من السلطة التشريعية او من السلطة التنفيذية، وان يعهد بهذا الاختصاص إلى المحكمة الدستورية وهي جهة قضائية نص عليها الدستور في صلبه، كافلا بها للشرعية الدستورية اسسها، مقيما منها مرجعا نهائيا لتفسير احكام الدستور، ورقيبة على الالتزام بقواعده، اعلاء لنصوص الدستور وحفظا لكيانه، في حين تستعصي بعض الاجراءات الممهدة لعملية الانتخاب والصادر بشأنها قرارات من السلطة التنفيذية على الفحص والتدقيق من قبل هذه المحكمة لدى مباشرة اختصاصها بنظر الطعون الانتخابية، للاستيثاق من اتفاق او تعارض هذه الاجراءات مع الدستور، والا جاز التذرع بوجود مناطق من الدستور لا يجوز لهذه المحكمة ان تمد بصرها اليها، فتغدو هذه القرارات - وهي ادنى مرتبة من القانون - اكثر قوة وامتيازا من القانون نفسه.
ولما كان ما تقدم، وكان ما ذهبت اليه ادارة الفتوى والتشريع لا يلتئم مع طبيعة اختصاص هذه المحكمة للاعتبارات سالفة البيان، فان ما اثارته في هذا الدفاع يكون مسوقا في غير موضعه.
وحيث ان السبب الاول من اسباب نعي الطاعنة ببطلان هذه الانتخابات انها قد اعتورها مخالفات دستورية في الاجراءات الممهدة لها تصمها بالبطلان، قولا من الطاعنة بان طلب حل مجلس الامة قد جاء من وزارة زايلتها هذه الصفة بقبول استقالتها بكاملها وذلك بعد تعيين رئيس جديد لمجلس الوزراء، وتكليفه بترشيح اعضاء الوزارة الجديدة، حيث استبق رئيس مجلس الوزراء - بصفته هذه - قبل تأليف هذه الوزارة الجديدة وصدور مرسوم بتشكيلها، بدعوة وزارة زايلتها هذه الصفة واستعارة وزراء منها، لاخذ موافقتها على هذا الحل، مما يجعل هذا الاجراء باطلا بطلانا مطلقا، يستوجب عدم الاعتداد به وعدم ترتيب اثاره، واعتباره كأن لم يكن لمخالفته للدستور.
وحيث ان هذا النعي سديد، ذلك ان المادة (107) من الدستور تنص على ان «للامير ان يحل مجلس الامة بمرسوم تبين فيه اسباب الحل، على انه لا يجوز حل المجلس لذات الاسباب مرة اخرى، واذا حل المجلس وجب اجراء انتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يتجاوز شهرين من تاريخ الحل، فان لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن، ويستمر في اعماله إلى ان ينتخب المجلس الجديد».
والمستفاد من ذلك ان حل مجلس الامة هو حق دستوري مقرر للسلطة التنفيذية، ويعتبر احد السبل لاحكام المعادلة والتوازن بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، ومن المعلوم ان الامير يتولى سلطاته بواسطة وزرائه (م 55)، والمقصود بالحل هو انهاء مدة المجلس انهاء مبتسرا قبل انتهاء الاجل المقرر له، ويلزم في طلب الحل ان يكون من حكومة (وزارة) لم تبرحها هذه الصفة، سواء اثر خلاف بينها وبين مجلس الامة، او إذا اختل التناسب والانسجام بينهما، او اقتضت له ضرورة، وانه وان كان الدستور لم يقيد استعمال الحكومة لحق الحل باي قيد زمني، فلها ان تتخير توقيته وتقدير مناسباته، الا ان الدستور احاط الحل - نظرا لخطورته - ببعض القيود والضمانات، فيجب ان يكون حل مجلس الامة بمرسوم تبين فيه اسباب الحل، وهو امر يتطلب معه ان يوقع مرسوم الحل مع الامير، رئيس مجلس الوزراء حتى يتحمل مسؤوليته السياسية، وانه إذا حل المجلس لا يجوز حله لذات الاسباب مرة اخرى، كما انه يجب اجراء انتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يتجاوز شهرين من تاريخ الحل، إذ ما دام ان الغرض من الحل هو الاحتكام إلى الامة واخذ رأي الناخبين فيه، فلا يصح ارجاء ذلك إلى امد بعيد مع استمرار السلطة التنفيذية في التصرف بلا رقيب، وبالتالي وجب دعوة الناخبين إلى اجراء انتخابات جديدة، والغاية من هذا الحكم هو تأكيد ضرورة اتصال الحياة النيابية، فاذا لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن، ويستمر في اعماله إلى ان ينتخب المجلس الجديد.
ومتى كان ذلك، وكان البين من مطالعة الامر الاميري بقبول استقالة رئيس مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 28/ 11/ 2011 انه قد تضمن في المادة الاولى منه النص على ان «تقبل استقالة سمو الشيخ ناصر المحمد الاحمد الصباح والوزراء ويستمر كل منهم في تصريف العاجل من شؤون منصبه لحين تشكيل الوزارة الجديدة».
واعقب ذلك صدور امر اميري بتاريخ 30 / 11/ 2011 بتعيين رئيس لمجلس الوزراء، ونص في مادته الاولى على ان «يعين الشيخ/ جابر مبارك الحمد الصباح رئيساً لمجلس الوزراء، ويكلف بترشيح اعضاء الوزارة الجديدة وعرض اسمائهم علينا لاصدار مرسوم تعيينهم»، ثم صدر المرسوم رقم (443) لسنة 2011 بحل مجلس الامة بتاريخ 6/ 12 / 2011، حيث وردت الاشارة بديباجته الى صدوره استناداً الى المادة (107) من الدستور، والى ان صدوره قد جاء «ازاء ما آلت اليه الامور وادت الى تعثر مسيرة الانجاز وتهديد المصالح العليا للبلاد مما يستوجب العودة الى الامة لاختيار ممثليها لتجاوز العقبات القائمة وتحقيق المصلحة الوطنية»، كما جاءت الاشارة الى صدوره بناء على عرض رئيس مجلس الوزراء، وبعد موافقة مجلس الوزراء، مذيلاً هذا المرسوم بتوقيع امير البلاد والشيخ/ جابر مبارك الحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء.
واذ كان الامر كذلك، وكان الحاصل ان هذا الحل قد جاء استناداً الى المادة (107) من الدستور، وبناء على طلب وزارة قد زايلتها هذه الصفة بقبول الامير استقالتها بكاملها، وذلك بعد إذ تم تعيين رئيس جديد لمجلس الوزراء بأمر أميري، وتكليفه بترشيح اعضاء الوزارة الجديدة، حيث استبق رئيس مجلس الوزراء - بصفته هذه - قبل تأليف هذه الوزارة الجديدة وصدور مرسوم بتشكيلها، باستعارة اعضاء من الوزارة المستقيلة التي زالت صفتها ونظمهم في اجتماع لمجلس الوزراء لاخذ موافقتهم على هذا الحل، فان هذا الاجراء يكون غير صحيح الوجهة الشكلية، مخالفاً لروح المبادئ الدستورية والغرض الذي من اجله شرعت سنته، اذ لا يجوز ان يتخذ الحل الذي رخص به الدستور للحكومة استعماله، وحدد طبيعته واجراءاته والغرض منه، ذريعة الى اهدار احكام الدستور ومخالفتها، فللدستور حرمة ونصوصه يجب ان تصان واحكامه لابد ان تحترم.
وبالترتيب على ما تقدم، يكون اجراء هذا الحل قد جاء مشوباً بالبطلان ويضحى هو والعدم سواء، يستوجب عدم الاعتداد به، وترتيب اثاره بما يستتبعه ذلك من بطلان دعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الامة التي جاءت ابتناء على هذا الحل الباطل، كما تغدو معه ارادة الناخبين في هذه الحالة قد وردت على غير محل، بعد ان جاءت الانتخابات وليدة اجراءات باطلة أهدرت فيها القيود الاجرائية في الدستور على نحو ما سلف بيانه، وبالتالي يكون نعي الطاعنة بهذا السبب من طعنها قائماً على اساس سليم ولا حاجة من بعد الى بحث بقية اسباب الطعن، وحق القضاء - ومن ثم - بابطال عملية الانتخاب، برمتها التي اجريت بتاريخ 2/ 2/ 2012 في الدوائر الخمس، وبعدم صحة عضوية من اعلن فوزهم فيها، مع ما يترتب على ذلك من اثار، اخصها ان يستعيد المجلس المنحل - بقوة الدستور - سلطته الدستورية كأن الحل لم يكن، ليكمل المدة المتبقية له اصلاً - ما لم يطرأ من الامور خلال تلك المدة ما يقتضي معها اعمال الامير صلاحياته المقررة في هذا الشأن - وذلك اعلاء لنصوص الدستور، وتغليباً لاحكامه، حفظاً لكيانه وسلامة النظام العام الدستوري وبنيانه.
ومن نافلة القول ان القوانين التي صدرت - خلال فترة المجلس الذي قضى بابطاله - تظل سارية ونافذة الى ان يتم الغاؤها او يقضى بعدم دستوريتها.
فلهذه الاسباب
حكمت المحكمة: بإبطال عملية الانتخاب برمتها، التي اجريت بتاريخ 2/ 2/ 2012 في الدوائر الخمس، وبعدم صحة عضوية من أعلن فوزهم فيها، لبطلان حل مجلس الامة وبطلان دعوة الناخبين لانتخاب اعضاء مجلس الامة والتي تمت على اساسها هذه الانتخابات، مع ما يترتب على ذلك من آثار، اخصها ان يستعيد المجلس المنحل - بقوة الدستور - سلطته الدستورية كأن الحل لم يكن، وذلك على النحو الموضح بالأسباب.