د. محمد علوش / بين حوار السلاح وحوار الطاولة

تصغير
تكبير
رغم المناداة المتكررة لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الأفرقاء اللبنانيين للعودة الى طاولة الحوار بعد انقطاع دام لسنوات لم تستجب الأطراف اللبنانية المتمثلة بقوى 8 و14 آذار. ثم كانت مناشدة العاهل السعودي الملك عبدالله الرئيس ميشال سليمان في رسالته التي أبرق بها في الثاني والعشرين من الشهر المنصرم يدعوه فيها الى جمع الفرقاء اللبنانيين على طاولة حوار، مبدياً قلقه على الوضع اللبناني الذي قد ينزلق الى حرب أهلية طاحنة على غرار الحرب التي اندلعت مطلع العام 1975، ودامت ما يزيد على عقد ونصف العقد، وراح ضحيتها ما يزيد على مئة وخمسين ألف ضحية. تلقف رئيس الجمهورية دعوة الملك عبدالله، ووجد فيها دافعا اضافيا لتجديد دعوته لطاولة الحوار على غرار دعوة الرئيس بري. وذهب بعيداً، حيث ضرب لها موعدا يبدأ في الحادي العشر من الشهر الجاري في قصر بعبدا..

السجالات بين الدعم والرفض، والاشتراطات والاشتراطات المضادة، غالب ما يميز الساحة السياسية اليوم في لبنان، الى جانب الخروقات المتكررة للحدود من الجانب السوري، وقضية تهريب السلاح الى سورية عبر المنافذ اللبنانية البرية والبحرية. والكل يورد حججه ليثبت وجهة نظره التي يدعو للعمل بها.. فمن قائل ان طاولة الحوار لن تجدي نفعاً ما لم يكن البند الاول المطروح عليها هو نزع سلاح حزب الله، رافضاً في الوقت عينه الاستجابة لمبدأ الحوار إذا لم يقدم الداعون له وكذلك حزب الله تطمينات حول بحث السلاح، وبين رافض في الأصل، دون ان يقولها صراحة، على اعتبار أن سلاح حزب الله ليس مثار نقاش، إذ هو سلاح مقاومة، نصّ على ذلك البيان الوزاري للحكومة، وليس من حق أحد أن ينزع عنه هذه الصفة، طالما أن الحكومة قائمة. ويذهب آخرون في حزب الله الى ما هو أبعد من ذلك فيتحدثون عن بقاء سلاح الحزب ما بقيت اسرائيل قائمة، رافضين ربطه بأي مسألة داخلية.

وبين هذا الفريق وذاك، يقف الرئيس سليمان ومعه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي موقف الوسط في الموضوع، فيدرج في برنامج الحوار ثلاثة عناوين لها علاقة بالسلاح هي:

- وضع استراتيجية دفاعية، والإفادة من سلاح المقاومة: متى يستعمل؟ وأين يستعمل؟ ولماذا يستعمل؟

- تنفيذ قرارات الحوار السابقة لناحية نزع السلاح خارج المخيمات الفلسطينية.

- نزع السلاح المنتشر في المدن والبلدات اللبنانية.

يعلم جميعنا ان مشكلة لبنان لا تكمن في السلاح المنتشر في المدن والبلدات اللبنانية فحسب، كما أنها لا تحلّ بنزع سلاح حزب الله، ولا يمكن أن نفسر الاحتقان السياسي ونختزله في جانب السلاح فقط، بل المشكلة هي أبعد من ذلك بكثير. لا شك أن السلاح المنتشر، وتحديدا سلاح حزب الله، يحتاج الى توافق لبناني عليه، باعتباره سلاح مقاومة، وليس سلاحاً خاصاً بحزب او طائفة. ومن حق كل لبناني أن يبدي موقفاً حياله، لأن المقاومة ليست حصراً على فئة أو حزب بعينه دون جميع اللبنانيين. وتزداد الحاجة للتوافق على ادارته بعد استعماله في الداخل في 7 ايار 2008، إلا انه في الوقت نفسه لا يجوز ان يبقى البلد مشلولاً ما لم يقبل الحزب بمناقشة سلاحه أو يؤخر النقاش فيه.

الخطورة اليوم لم تعد ترتبط بتأزم سياسي بين اللاعبين الداخليين، وانما بدأت تأخذ منحنيات اجتماعية وديموغرافية تنذر حقيقة باندلاع حرب أهلية، لا سيما مع تزايد العنف الحاصل في سورية، وهشاشة الوضع الداخلي، ما يجعل مجرد جلوس القادة السياسيين على طاولة واحدة أمراً مهماً للغاية، إذا كان القادة حريصين على وحدة لبنان دون تمدد الأحداث السورية إليه وفقاً لما يصرحون به صبح مساء. فهل تملك الأطراف السياسين الشجاعة الكافية لخوض جولة من الحرب السياسية على طاولة الحوار.. أم تترك للشارع ان يخوضها عنها بالوكالة حتى لو أدى ذلك الى خروج الأمور عن السيطرة؟



د. محمد مصطفى علوش
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي