د. محمد علوش / لكم لبنانكم ولي لبناني!

تصغير
تكبير
خلال تصفحي في المواقع الإخبارية المهتمة بالشأن اللبناني، فاجأني كاريكاتور، كان على الشكل التالي: محلّ تجاري، على سطحه علم لبناني يرفرف، وفي أعلاه يافطة كُتب عليها «دواليب جديدة ومستعملة»، وباب المحلّ المُغلق علقت عليه يافطة كُتب عليها «مقفل بسبب نفاد الكمية»، وعلى الجانب الأيسر من المحل، عامود عُلقت عليه يافطة بالخط الاحمر مكتوب عليها: «قريباً... دواليب للسنة... دواليب للدروز... دواليب للشيعة... دواليب للموارنة.. دواليب...». ولم ينس صاحب المحل تقديم العروض لاستدرار الزبائن، فوضع يافطة دُون عليها: «عرض خاص: مع كل 10 دواليب، دولاب تراكتور هدية».

الكاريكاتور برمزيته، كان يحاول اختصار آخر مآسي المجتمع اللبناني وشعوبه وطوائفه، حيث أدمن الشارع فيه قطع الطرقات، واحراق الدواليب عندما يريد أن يسجل احتجاجا على أداء الحكومة أو أداء أيّ من مؤسساتها وأجهزتها.

وقد وصل الأمر بنا، خلال الأسبوع المنصرم، أن نتحرى نشرات الأخبار ووكالات الانباء للتأكد ما إذا كان الشارع الذي نريد ان نقصده أو سنمر به مغلقا أم لا، وما إذا كان الإغلاق سينتهي عند ساعة ما أم لا دون أن نلقي بالاً للجهة التي أغلقته وما أهدافها أو مطالبها؟!.

قد وصل التندر بأصحاب الظل الخفيف على مواقع التواصل الاجتماعي للحديث عن رغبتهم في فتح محال لبيع دواليب مخصصة للإحراق في الشوارع، أملاً في الربح السريع.

وبقدر ما ترسم الصورة السابقة من صورة مضحكة ومسلية بقدر ما تترك في نفس صاحبها الأسى والحزن لحال التردي التي وصل اليها المجتمع اللبناني المتمرد على كل شيء، ومن كل شيء.

وعلى ما يبدو لم يعد الأمر يقتصر على الدواليب واحراقها، وانما بدأ «المواطن» يعمل بجدّ على اقتناء قطعة سلاح، تحسباً لأي جديد. واقتناء السلاح في لبنان ليس مرتبطاً بثقافة اجتماعية، كما هي عادة أهل القرى التي تراه مرادفاً للرجولة، وانما أصبح لاقتنائه مآرب وغايات أخرى.

والاتجاه نحو اقتناء السلاح يعود لقناعة المجتمع اللبناني أن البلد يتجه نحو حرب اهلية أو اضطرابات أمنية تطول جميع مدنه وقراه، وأنّ الدولة عاجزة عن حمايته، او هي لا تريد حمايته.

ولم يعد يفرق اللبناني بين «الحكومة» التي قد تأتي وتذهب، وقد تكون خاضعة لهذا الفريق أو ذاك وبين «الدولة» التي تعتبر الناظم الحقيقي والثابت للكيان اللبناني وتركيبته الاجتماعية.

ومكمن الخلل ليس في القلق على الهوية الطائفية للفرد أو حقه في تحصيل مستحقاته في مجتمع تتفشى فيه المحسوبية والمحاصصة الطائفية والفساد، وإنما في مفهومه للوطن والمواطن.

وتبعاً لذلك، فإن القلق اليوم هو من ضياع مفهوم «الولاء للوطن» الجامع للشعب والجغرافية والثقافة، واقتصار الأمر، بدلاً من ذلك، على الانزلاق الى مفهوم دونية للمواطنة، تتجسد في مفهوم النفع والضرر، فالوطن هو ذاك الذي يخدمني دون أن اخدمه، وفي حال خدم خصمي السياسي أو المخالف لي طائفيا واتنيا ومذهبيا فهو لم يعد وطني.

هذا المفهوم يستدعي الشعور بالقلق على المصير، وعلى الذات، من الآخر، ذاك الذي قد لا يبعد أكثر من عتبة باب شقتي، أو أكثر من ستة امتار، وهي عرض الشارع الذي يفصلني عن الآخر المشارك لي في العيش على جغرافيا سياسية تسمى لبنان. فهل بالإمكان تدارك الوضع وإعادة العربة الى مكانها بعد أن بلغت سفح الجبل، ام سنصل يوماً الى وضع، يردد فيه، كلّ منا، ما قاله المفكر اللبناني جبران خليل جبران، يوماً: «لكم لبنانكم ولي لبناني».



د.محمد علوش
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي