حاولت الرجوع بالذاكرة لذلك العهد الجميل، حيث كنا ندخل المدرسة ونتعلم ولا وجود للدروس الخصوصية، نتقدم بطلب بيت إسكاني ونحصل عليه في سنوات قليلة ولا حاجة لاعتصام أمام الرعاية الإسكانية وطول انتظار يمتد إلى عقدين من الزمان، ندخل إلى الطبيب المختص ونجد العلاج من دون واسطة توصلنا إلى طبيب جيد وعلاج أفضل، ندخل السوق ونجد حرس الاسواق في كل مكان والخيالة منتشرة لضبط الأمن بعد منتصف الليل، نسير في شوارع من دون زحمة ولا حفريات ولا مركبات تتجاوزك وتكسر زجاج مركبتك، حتى أدب رجال السياسة كان في حدود القيم والمعتقدات الطيبة ومن يتجاوز القانون من الكبار تجد المجالس التأديبية لهم في المرصاد. حاولت أن أصل إلى بداية الإنحدار ووجدتها ماثلة جليا في منتصف الثمانينات!
ومنذ عام 1985 طغت المادة والمصالح ودخل بعض أفراد الاسرة محيط الصراع وهكذا تدريجيا حتى أصبح التجاوز عرفاً مقبولاً والاخلاقيات والقيم والأدب واحترام الأموال العامة أمراً يعارض الصواب كما يحلو للبعض تسميته بالمعارضة!
وعندما سألت قبل عامين عن الحل لم أكن مترددا في الإجابة: إنها الأخلاق أخي السائل؟ والأخلاق تعني هنا من منظور سياسي وإداري اتخاذ القرار السليم واي قرار دفع به لترضية مجموعة دون سواها يكون عندئذ غير أخلاقي!
وتنظير رجال السياسة هنا نقصد من ورائه، أصحاب القرار الذين سمحوا لأيادي الفساد أن تمتد في كل مؤسسة من مؤسسات القطاع العام ومعظم شركات القطاع الخاص التي تملك فيها الحكومة نسبة مؤثرة سلكت المنهاج نفسه: ترقيات على أسس غير منطقية، فلا خبرة ولا حسن إدارة، والبعض لا يفقه أبجديات القيادة وعُيِّن فقط لأنه «من الربع» ويحسن كلمة نعم من خلال تنظير يحير العقول السليمة، ولا تتعجب أخي السائل عندما تسمع عن «قضية التسريح»... ولا تتعجب فالصحف نشرت «مصائب» إدارية ولا مساءلة ولا هم يحزنون، حتى الأمن تردت أوضاعه والمعاملات تنجز بالواسطة فلا نظام ولا ميكنة وحكومة إلكترونية!
فالذي يعتقد أن سلوكا غير إخلاقي استمر لفترة قاربت ثلاثة عقود قد ينتهي فهو لا شك مخطئ فالإصلاح الذي يحول النمط القيادي والسلوك الإداري بحاجة لتوجهات مستمرة تمتد إلى 10-20 عاما وهذا بحاجة إلى جهد ومحاسبة مستمرة لكل مخطئ!
فقط في الكويت، لم نسمع عن قيادي تمت إقالته... سمعنا عن مكافأة وتقاعد والبعض يعود كمستشار و«على شنو» لا أعلم!
دماؤنا صارت متلونة، معارضتنا لم تفهم درس ساحة الإرادة... كل ما يريده البعض منحصر في وسيلة التنظير السياسي وتصويرنا بطبع ليس من أخلاقنا!
نحن نبحث عن العقاب، نبحث عن عهد ما قبل منتصف الثمانينات... نبحث وما زلنا نبحث عمن يقول للفاسد: هذا عقابك في الدنيا ولتنتظر عقاب الآخرة والكبير قبل الصغير... والله المستعان!
د. تركي العازمي
[email protected]Twitter: @Terki_ALazmi