مها بدر الدين / معوقات نجاح الثورة السورية

تصغير
تكبير
| مها بدر الدين |

أربعة أشهر بعد السنة مرت على اندلاع الثورة السورية من معقلها الأول في درعا، توسعت خلالها رقعة الثورة جغرافياً وارتفعت وتيرتها عسكرياً بتدخل أطراف خارجية سواء دولية أو شخصية في أحداثها حتى تجاوزت حدود الوطن وبدأ غبارها ينتشر في المحيط القريب من الأراضي السورية التي أصبحت مستباحة أمام الكثير من الطامعين والمستفيدين والمتآمرين والمنتقمين وكل ذي حقد دفين.

و بعد مرور هذ الفترة الطويلة بأيامها، والأطول بمآسيها وعذاباتها، لابد من الوقوف للحظات لتقييم هذه الثورة التي تتوسع حلقاتها مع بزوغ كل فجر جديد، وتتداخل فيها الخطوط البيضاء بالسوداء حتى بات من الصعب تلمس الخط الفاصل بين الثورة الشعبية العظيمة بتضحياتها وأهدافها ودوافعها، وبين هذه الفوضى الدموية غير الخلاقة التي أصبحت اليوم عنوان الموقف في الشارع السوري الثائر.

فمقارنة مع الثورات العربية الأخرى وبالنظر لاختلاف النظام السوري بوحشيته الأمنية وممارساته القمعية عن بقية الأنظمة العربية التي أطاحت بها شعوبها، فإن الثورة السورية تعتبر الأطول عمراً والأصعب هدفاً والأكثر دموية والأغلى كلفة، ساعد في ذلك التخاذل الدولي والعربي أمام حقوق الشعب السوري المسلوبة، ودعم بعض الدول والجهات الخارجية للنظام السوري سياسياً وعتادياً ومادياً، وعدم جدية الأمم المتحدة والولايات المتحدة الاميركية تحديداً بوضع حد لانتهاكات هذا النظام التي باتت مكشوفة وموثقة وعلنية، بالإضافة لبعض العوامل الداخلية التي تتعلق بالتنظيم السياسي والميداني للثورة نفسها، والتي قد تكون أكثر خطراً على مصير الثورة من أي عوامل خارجية، وربما تقف حجر عثرة ومعوقاً رئيساً أمام وصول الثورة السورية إلى هدفها في إسقاط النظام الاستبدادي القائم حتى هذه اللحظة بسبب أخطاء الثورة نفسها.

أول تلك العوامل وأهمها هي المعارضة السورية التي تشكلت منذ بداية الثورة من جناح المعارضة الخارجية الذي كان منوطاً به تمثيل حركة الشارع السوري أمام المجتمع الدولي، والعمل على التأثير على الرأي العام العالمي، وحشد التأييد الدولي اللازم لدعم قضية الشعب السوري، وجناح المعارضة الداخلية الذي تولى العمل الميداني داخل الأراضي السورية والذي تمثل بداية بالتظاهر السلمي وتبعه تشكيل الجيش الحر الناتج من عمليات الانشقاق عن الجيش الأسدي، إضافة إلى جيوب المقاومة الأهلية التي شكلها الأهالي داخل الأحياء السكنية لحماية ممتلكاتهم وتنظيم حياتهم المعيشية وتوزيع المساعدات والإغاثات وتأمين الخدمات الطبية والإسعافية للجرحى والمصابين.

وقد كان المطلوب من هذين الجناحين التوافق والانسجام التام في سرعة الحركة ووحدة الاتجاه، لتمكين الثورة السورية من المضي بشكل سلس وسريع نحو هدفها، توفيراً للدماء التي تسيل بشكل هستيري يومياً، لكن للأسف أثبتت المعارضة الخارجية خلال مسيرتها السابقة أنها ما زالت في دور الحضانة السياسية الذي لم يمكنها من تحقيق آمال الداخل رغم كل الدعم الذي توافر لها داخلياً وخارجياً، فقد انقسمت هذه المعارضة على نفسها وانبثق منها عدة مجالس وهيئات كان أبرزها المجلس الوطني السوري الذي حظي بداية بتأييد شعبي منقطع النظير وأعلن من ميادين الثورة بأنه الممثل الشرعي لها، لكن هذا المجلس قد جنح بمسيرته نحو الانفرادية والتفرد وكرس حالة الأنا المتضخمة التي يتميز بها السوريون عموماً، وظهرت على السطح السياسي مظاهر التنافر بين أعضائه والتناحر في ما بينهم على الكراسي والمناصب والرغبة في استبعاد كل طرف رؤية الطرف الآخر، وهو ما أصاب مهامه بالشلل وأغرق عمله في بحور من المهاترات والانقسامات والاستقالات، وأضعف من قدرته على التأثير على مراكز القوى خارجياً، وخيب أمل المعارضة الداخلية التي تجاوزت سرعة جناحها سرعة المعارضة في الخارج بمراحل ما ينذر بخطر محدق بمستقبل الثورة أو على الأقل وضع نهاية إيجابية لها في الوقت القريب، خصوصا مع غياب ممثل شرعي للثورة يتمتع بالحنكة السياسية والقيادة التوافقية والرؤية الديموقراطية.

و العامل الثاني الذي بدأ يطفو على السطح أخيرا فيتعلق بالدعم المادي الذي تتلقاه المعارضة الداخلية من الخارج، أو ما يعرف بالتبرعات لإغاثة الشعب السوري والتي تجمع من المغتربين ورجال الأعمال السوريين في الخارج، والمناصرين للشعب السوري من الإخوة العرب في مختلف الدول العربية خصوصا شعوب دول الخليج، فرغم السخاء المادي وتوافر الأموال الهائلة الكافية لدعم كل من الجيش الحر وجماعات المقاومة وإعالة الأسر والعوائل المهجرة والمنكوبة، إلا أن عدم التنظيم في جمع التبرعات وتوزيعها بشكل منظم وموثق وعادل بين المناطق المنكوبة وأولويات الصرف، وبدء ظهور تلاعب في مصير هذه الأموال وتشتتها في اتجاهات مختلفة، ورغبة البعض من جامعي التبرعات في بناء مجد شخصي لهم وإعادة الفضل لأنفسهم في جمع هذه الأموال، وعمل البعض الآخر على تطبيق مقولة «الأقربون أولى بالمعروف»، كل هذا أثر على قوة هذا المال الذي تحتاجه الثورة لدعمها مادياً ومعنوياً، خاصة وأنها ثورة أصبحت مسلحة بالأمر الواقع وترتبت عليها مسؤوليات تجاه الشعب المنكوب، وبالتالي فهذه العشوائية وتغليب المصالح في تنظيم الموارد المالية للثورة من المؤكد أنها ستنعكس آجلاً أم عاجلاً على قدرتها على الاستمرار في ظل هذه الفوضى المالية.

أما العامل الثالث فهو يتعلق مباشرة بالعامل الثاني، وهو ظهور بعض التفاوت التجهيزي والعتادي بين جماعات المقاومة الأهلية نتيجة لتفاوت الموارد المالية والدعم المادي الذي يصل إلى كل جماعة جراء الفوضى المالية سابقة الذكر، أدى بالتالي إلى تفاوت الاستعداد التسليحي والقتالي بين هذه المجموعات، فكل جهة قادرة على جمع التبرعات في الخارج تدعم مجموعتها بالداخل على أساس مناطقي أو عائلي، وبالتالي تنعكس قوة الجهة الداعمة على المجموعة المدعومة فيظهر هذا التفاوت بين المجموعات القتالية، وتسوء الأمور عندما تحاول المجموعة الأقوى مادياً فرض سيطرتها وكلمتها ورؤيتها على الساحة واعتبار نفسها أنها صاحبة الثورة والكفيلة بإنجاحها، بل ان إخفاء بعض هذه المجموعات لمصادر الدعم المادي الذي تتلقاه بدعوى السرية، قد أجج بعض الإشكاليات في العلاقة بين هذه المجموعات القتالية التي من المفترض أنها رديف داعم لعمل الجيش السوري الحر وتحت لوائه والذي يعتبر المسؤول الأول أمام الشعب السوري الثائر على إيصال الثورة إلى مرساها الأخير.

ان الثورة السورية اليوم في مضمارها الأخير، وإصرار الشعب السوري الحر بإزاحة النظام عن كاهله إصرار تاريخي سيدفع بالثورة حتماً إلى الفوز المؤكد والنصر المؤيد، لكن يجب الانتباه والوعي في هذه المرحلة الخطرة من ثورتنا العظيمة على هذه المعوقات التي قد تؤثر بشكل سلبي على نتيجة الثورة وقوتها، ومن الواجب على كل ثائر حر يبتغي الخلاص لسورية وأهلها من هذا الكابوس الأسود، أن يتق الله في فعله وقوله، وأن يكون عمله خالصاً لخدمة الشعب السوري العظيم.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي