د. وائل الحساوي / نسمات / أزمة نفوس لا فلوس!

تصغير
تكبير

أشعر بالأسف لأنني لم أتعود قراءة صفحات الشعر او الرياضة او الكلمات المتقاطعة في الصحف، وإنما تقع عيني مباشرة على الأخبار السياسية والتي أصبحت أحسن وسيلة لرفع الضغط وجلب الكآبة وإشعال الخلاف في الدواوين حتى مع أقرب الناس إلينا.

كنا نتابع إلى وقت قريب خلافات مجلس الأمة والحكومة ونقول لأنفسنا: «أزمة بسيطة وتعدّي بإذن الله»، لكننا فوجئنا ان تتحول تلك الأزمة إلى ضرب تحت الحزام من الكبار العقلاء المعقود عليهم حل الأمور وترجيح الحكمة وإصلاح ذات البين، ما يدل على ان ازمتنا السياسية قد دخلت منعطفاً صعباً وأن الخلاف متجذر في النفوس وليس على القوانين والفلوس.

نحن مع الذين يقولون بأن كل مخالفة للقانون او تكسب بغير حق يجب محاسبة من يقوم بها، وأن السكوت على المخالفات الصغيرة يقود حتماً إلى المخالفات الكبيرة، وقد سعدنا بقراءة خبر مخالفة شرطي بريطاني لوزير الداخلية لتجاوزه قوانين المرور، وشطح بنا الخيال: متى نرى بلادنا بمثل تلك الشفافية في تطبيق القانون؟ لكننا عندما نرجع إلى واقعنا فإننا نستكثر على أنفسنا عندما يقال لنا بأن فلاناً من الناس قد تمت محاسبته على تجاوزات مالية او  إدارية او بتهمة رشوة او تنفيع، وكثيراً ما نرد على القائلين: اشمعنى فلان تحاسبونه، وغيره تتركونه، اتركوا الجميع!! بل إن المقربين لدينا نعتبر كل مخالفة لهم بمثابة انتقام شخصي لا بد من الثأر له حتى وإن سرق الدنيا وما فيها، ويذكرني ذلك بقصة حقيقية حدثت لأحد الأخوة المخلصين قبل سنوات عدة إذ ذهب لوزير مالية كويتي  يشتكيه من أشخاص تلاعبوا بالمال العام وضيعوه عن عمد، فسأل الشاكي عن حجم المال الذي تم  التلاعب به، فقال له: مئة ألف دينار، فقال الوزير مئة ألف فقط جئت تشتكي منها!! السرقات القائمة اليوم بالملايين ثم صرفه ولم يفعل شيئاً، ولم يدر بأن الألف تجر المئة ألف، والمئة ألف تجر الملايين.

إذاً فالواجب هو تأصيل مبدأ المحاسبة على الجميع وعلى كل ما يعتبر مخالفة لا أن تمتلئ الصحف بالدفاع عن وزراء ومديرين ومسؤولين ثبتت عليهم المخالفات، حتى التدوير الوزاري يجب الا يتم قبل التحقيق في التجاوزات التي يقدمها النواب ضد الوزراء المدورين، بل والواجب هو تعيين جهة لملاحقة جميع مخالفات ديوان المحاسبة واتخاذ المطلوب فيها حتى يشعر الجميع بأنهم سواسية أمام القانون، ولا بد من تطبيق قانون «من أين لك هذا» على النواب والمسؤولين دون استثناء كما اسلفنا فإننا مقبلون على فترة ستزيد فيها الأموال حتى تغرق البلد - وهذا فضل من الله تعالى - لكن ما لم نؤصل المحاسبة والمراقبة للجميع فإن الحرامية سيتضاعفون أضعافاً مضاعفة، وحتى أصحاب النفوس العفيفة سيجدون من المغريات الشيء الكثير في ظل الفوضى العارمة اليوم وسيطبقون المثل العربي: «حشر مع الناس عيد» وكلام الشاعر:

إنما أنا امرؤ من غزية

إن غزوت غزوت، وإن ترشد غزية أرشد

جاء الصحابة الفاتحون رضوان الله عليهم بكنوز كسرى وسلموها إلى عمر رضي الله عنه، فقال: إن قوماً أدوا ذلك لأمناء، فقال له علي رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين:

«عففت فعفوا، ولو رتعت لرتعوا».


د. وائل الحساوي

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي