د. وائل الحساوي / نسمات / نواب يُنجزون... ونواب يتفلون

تصغير
تكبير
أكثر من ثمانية آلاف ناخب كويتي ينتخبون مرشحا لكي يتفل على زملائه النواب، وقريب من العشرة آلاف ناخب ينتخبون مرشحا لكي يحول المجلس إلى حلبة صراع ضد زملائه ويدافع عن أنظمة مجرمة وهكذا.

إن صور النواب التي ملأت الجرائد في الآونة الأخيرة وهم يهجمون على بعضهم البعض ويشتمون بعضهم البعض ويستخدمون اقبح قاموس للشتائم ضد بعضهم البعض، هذه الصور تراود مخيلتي ليلا ونهارا لتطرح التساؤل المثير: هل هذه فعلا ارادة الناخبين ام هي مؤامرة دنيئة تحاك في الخفاء لتمزيق هذا البلد؟! هل هؤلاء هم الكويتيون يظهرون على حقيقتهم من خلال الشخصيات التي يختارونها لتمثيلهم في المجلس ام ان ارادتهم قد تم تزويرها من خلال التضليل الاعلامي والرشوة والكذب؟!

مهما تكن الاسباب الظاهرة او الخفية فان الذي أجزم به هو اننا نعيش فتنة حقيقية في الكويت وهي فتنة أخلاقية من الدرجة الأولى، لا يمكن ان تكون مشاهد اليوتيوب التي نراها يوميا لمجلس امتنا المنكوب تمثل واقعنا واذا كانت كذلك فاننا امة ميتة تحتاج إلى الإحياء أو الدفن!!

ان وزراء حكومتنا يبدون تجلدهم وصبرهم على ما يتلقونه من اهانات يومية واستجوابات شفهية وتفاخر كل نائب بأنه يعد استجوابا طويلا ومفصلا لاحد الوزراء، وهدفه هو تحقيق السبق الاعلامي والشعبوي من خلاله ولكن إلى متى سيظل هذا الانحدار وهذا الاسفاف وهذا الاحتقار لعقولنا ومشاعرنا؟

يحاول البعض الترويج بان كل ما يحدث هو تصفيات حساب بين بعض أفراد الأسرة الحاكمة، ولنفترض بأن ذلك صحيح ولكن أين عقول من ذهب إلى صناديق الاقتراع وادلى بصوته إلى هؤلاء المرشحين المنحرفين وأوصلهم إلى كرسي البرلمان؟ واين ذهب الحكماء وأصحاب الرأي السديد من محاولة كبح جماح اولئك النواب الذين يتصرفون وكأنهم قد حصلوا على توكيل من ناخبيهم بأن يدمروا البلد باسم الديموقراطية؟!

وما بال وسائل الاعلام قد اغتنمت الفرصة لترويج نفسها عن طريق ابراز هؤلاء النواب الممسوخين واظهارهم أمام الناس وكأنهم سادة القوم ومفكروهم بينما يستطيع مقدم برامج بسيط ان يحول مقابلته إلى جلسة محاسبة جادة ضد كثير من النواب المؤزمين ويترك للمشاهدين مواجهته وكشف سخافاته؟!

ان الذي اوقن به تماما هو ان هنالك تسابقا مثيرا بين من يسعون للانجاز الحقيقي في المجلس وتشريع قوانين تستأصل الفساد وتحاسب المسؤولين وبين مهرجين استمرأوا إثارة الفتن والبلابل ويسعون بجميع ما اوتوا إلى اجهاض عجلة الانجاز وتحويل المجلس إلى مسرحية هزلية والى ساحة معركة تجعل الكثير من ابناء الشعب يقولون: «أغلقوا أبواب المجلس واريحونا من مشاكله»، لكي ينعم ارباب الفساد بغنيمتهم ويكملوا التهامهم لما تبقى من ثروات الشعب وخيراته!!

إنا لفراقك يا سليمان لمحزونون

ألف الدكتور سعيد بن علي القحطاني كتابا قيما سماه «تبريد حرارة المصيبة عند موت الأحباب وفقد ثمرات الافئدة وفلذات الأكباد»، ولا شك ان العنوان يصف واقع المصيبة التي يعاني منها كثير من الاباء والامهات عند فقدان احبابهم وثمرات فؤادهم، لا سيما موت الفجاءة الذي انتشر في الآونة الأخيرة واختطف ارواح المئات من فلذات اكبادنا في حوادث السيارات، والتي تحولت من نعمة إلى نقمة.

المصاب الذي ألمّ بأخي وصديقي العزيز النائب السابق أحمد باقر وأهله قد كان مصابا جللا شعرنا في داخلنا بعظمته وشدة فاجعته اذ توفي اصغر أولاده سليمان بحادث سيارة مفجع وهو في ريعان الشباب، وقد كان يكفي لفقدان اهله روعهم وتماسك قلوبهم ولكن الله تعالى برحمته الواسعة ثم بايمان اهله بقضاء الله تعالى وصبرهم قد خفف من المصيبة ورزقهم السلوان والرضا بالقضاء.

يذكر الدكتور سعيد ايات قرآنية واحاديث نبوية كثيرة تخفف من حجم المأساة التي تصيب المسلم في اعز ما يملك ومنها حديث ابي موسى الاشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «اذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد»، وصدق لبيد بن ربيعة رضي الله عنه اذ يقول:

وما المال والأهلون الا ودائع

ولا بد يوما ان ترد الودائع

لا أبالغ ان قلت ان جميع أهل الكويت قد شعروا بمصاب اخي احمد وحضروا جنازة ولده أو إلى بيته للعزاء، ونشرت مواقع التويتر مئات رسائل التعزية له، وهذا في ذاته من أعظم وسائل التخفيف عن مصاب اهل الميت.

عسى الله تعالى أن يرحم سليمان وان يلهم ذويه الصبر والسلوان.



د. وائل الحساوي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي