لم تكن زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لجزيرة ابو موسى المتنازع عليها بين ايران والإمارات في 11 ابريل الحدث اللافت والأبرز في العلاقات الإيرانية الخليجية المأزومة خلال الشهر الجاري، علماً انها لم تكن الزيارة الأولى لرئيس ايراني، فقد سبقه الى ذلك الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني في مارس عام 1992 م.
اللافت بهذا الخصوص، الاقتراح الذي تقدم به النائب في البرلمان الإيراني «ولي إسماعيلي» للحكومة بتأسيس محافظة جديدة في منطقة الخليج باسم محافظة «خليج فارس»، ليصبح عدد محافظات إيران 30 محافظة، بحيث تكون المحافظة الجديدة اقليماً سياحياً وثقافياً عاصمتها جزيرة «أبو موسى» التي سيتغير اسمها الى «بوموسى»، وتضم الجزر الخليجية الخاضعة للسيطرة الإيرانية وتلك المتنازع عليها بين ايران ودول الجوار العربي. وفور تأييد البرلمان للاقتراح، في حال طُرح للتصويت، يصبح على الطائرات الأجنبية العابرة من فوق هذه المحافظة عليها أن تذكر كلمة «خليج فارس» للسماح لها باجتياز فضاء إيران.
والأخطر منه هو اعلان ايران الأربعاء الماضي نشر قوات وأنظمة هجومية ودفاعية على الجزر الثلاث المتنازعة عليها، بعد يوم فقط لإعلان قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني الأدميرال علي فدوي أن بلاده لن تسمح «لأي عدو أن يدخل هذه الجزر أو يدخل الأجواء البحرية الإيرانية وسنرد على أي عمل عدائي بقوة». طبعاً يتزامن هذا التصعيد ذو الطابع العسكري مع الكشف عن تدريبات عسكرية لقوات «درع الجزيرة» المشتركة التابعة لدول مجلس التعاون الخليجي في الإمارات.
فهل ما مرّ من معطيات يشي بأن الخليج مقبل على صيف لاهب قد تصل هباته الساخنة لدول الشرق الأوسط جميعا؟ من المبكر الحكم على ذلك، إلاّ ان الأوضاع التي تمرّ بها المنطقة في هذا الظرف الدقيق ربما تسهل من تدحرج التصعيد الإعلامي بين دول الخليج وايران نحو منزلق عسكري لإنهاء النزاع التاريخي القائم.
وبين موقف ايراني يتهم الولايات المتحدة بالضغط على دول الخليج لإثارة قضية الجزر لأهداف خارجية، وبين موقف خليجي عربي يرى أن الرئيس الايراني احمدي نجاد يحاول الهروب الى الامام من المشاكل التي تواجه حكومته عبر تصدير الأزمة الى الخليج حين قرر زيارة جزيرة أبو موسى خلافاً لكل التفاهمات القائمة بين ايران والإمارات بشأن سحب السجال حول قضية الجزر من الميدان الإعلامي والسياسي ووضعه ضمن اطار الحوار المباشر بين البلدين فقط، يرى بعض المحللين الإيرانيين ان زيارة نجاد الى جزيرة ابو موسى تأتي في اطار الخلاف الداخلي، ففضلاً عن المشاكل الاقتصادية المتمثلة بانخفاض سعر صرف العملة، وتباطؤ النمو قياسا على السنوات السابقة، وازدياد معدل البطالة، فإن الخلاف بين نجاد والمرشد الأعلى للثورة يأخذ دوره في هذا الموضوع، وهذا ما أشار اليه محمد علي مهتدي المحلل بمركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية - مقره طهران - لوكالة أسوشيتد برس من «أن نجاد مارس خلال الأعوام الماضية تحديا لسلطة رجال الدين على نطاق سلطات الرئاسة». ومعلوم ان وزارة الخارجية في العادة تتبع في سياساتها توجهات المرشد آية الله علي خامنئي أكثر من تبعيتها لمؤسسة الرئاسة، لاسيما حينما يتعلق الأمر بالقضايا الحساسة مثل ملف النزاع حول الجزر الثلاث.
وحتى إذا سلمنا جدلاً بأن الخلاف الداخلي بين المرشد ونجاد، أو تحديات الوضع الاقتصادي مسؤولة في حيز كبير منها عن توجهات وسياسيات احمدي نجاد تجاه دول الجوار العربي، فإنه لا يجوز أن نغفل دور الملف النووي، وما تواجهه مباحثات الدول الخمس زائد واحد مع ايران حول الملف، في ظل التهديدات التي باتت علنية من قبل اسرائيل والولايات المتحدة في توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية.
مكمن الخوف، حقيقة، أن تكون ايران تملك معلومات مؤكدة من أن ضربة عسكرية اسرائيلية وشيكة على منشآتها النووية، أو توجه غربي نحو التصعيد العسكري معها. وبناء عليه، فإن ايران تسعى في اطار تهيئة نفسها وقدراتها لمواجهة هذا الاحتمال لنشر قوات عسكرية وتزويدها بصواريخ في الجزر الثلاث التي تعطي من يسيطر عليها القدرة على تعطيل الملاحة كلياً في الخليج والتحكم بمن يدخل ومن يخرج فيه. ولا ننسى في هذا الموطن أن ايران طالما أكدت على استهداف القوات الغربية الموجودة على أراضي دول الخليج في حال تعرضت لهجوم!
د. محمد مصطفى علوش
[email protected]