د. محمد علوش / لبنانيون يسألون : وين الدولة؟

تصغير
تكبير
«هل في لبنان دولة؟» سؤال استنكاري بات ظاهرة على لسان المواطن اللبناني حين يتأفف من معاملة في مؤسسة حكومية أو حين يختلف مع جاره أو يغضب على زوجته، حتى أنه بات مزحة يتندر بها اللبنانيون في اجتماعاتهم، بعد أن ورد على لسان مواطن لبناني بسيط في تقرير تلفزيوني، قوله: «وينيه الدولة... أخي عندو عشرة ولاد... عندو... وينيه الدولة... وين؟!».

هذه الظاهرة - التأفف والاستنكار لوجود الدولة - بدأت حالة امتعاض لدى المواطن مما يظنه تلكؤ الدولة في واجباتها أمامه لتتحول الى حالة عصيان هي أقرب ما تكون الى الحرب، ولكن بلون آخر، وبطريقة لم يألفها لبنان الذي عاش انواعاً من الحروب خلال عقدين من الزمن. هي حرب تشن على الدولة اللبنانية ومؤسساتها على جبهتين، جبهة العالم الافتراضي، وجبهة العالم الواقعي. أما على الجبهة الافتراضية والتي تسخن يوماً بعد يوم تتعرض المواقع الرسمية للدولة على الشبكة العنكبوتية للقرصنة منذ مدة من قبل مجهولين. وفي يوم واحد فقط تمّت قرصنة المواقع الإلكترونية لكلّ من مؤسسة رئاسة الجمهورية، الوزارات التالية: الخارجية، الطاقة، الاقتصاد، النقل، البيئة، فضلاً عن موقعي قوى الأمن الداخلي والوكالة الوطنية للإعلام وغيرها وغيرها. حصل هذا، يوم الخميس الفائت، وهو اليوم نفسه الذي أضرب فيه السائقون وأقفلوا الطرقات التي تربط المدن والمناطق ببعضها، اعتراضاً على الارتفاع الصاروخي لأسعار المحروقات الذي بلغ 30 في المئة خلال بضعة أشهر فقط، وكذلك أسعار السلع والعقارات، في وقت يزداد الفقر، وتستشري البطالة، وتعلو الشكوى من كل فئات المجتمع اللبناني حول الوضع المتردي الذي وصل اليه البلد.

وسؤال «اين هي الدولة؟» لم يعد يقتصر على المواطن فحسب، بل وصل الى داخل أجهزة الدولة نفسها. فعلى عادتي في كل يوم أحمل نفسي ومعها حقائبي في سيارتي الصغيرة متجها من طرابلس الى بيروت. عمل يتكرر في كل يوم إلا ان يوم الخميس المذكور كان على غير عادة، إذ لم استطع التوجه الى بيروت، فالإضرابات عمّت المناطق اللبنانية كافة... باصات لسائقي التاكسي العمومي والخاص تعترض الطرق من كل المنافذ... على بعد عشرة أمتار فقط «حاجز طيّار» لقوى الأمن الداخلي ترابط، اقتربت بسيارتي لأسأله عما إذا كان يعرف منفذاً نفد من قبضة المعتصمين،وإذا بي أسمع أحدهم واظنه كان رتيباً بين رفقائه العسكريين، يجيب سائلاً وصل اليهم قبلي، يسأل مستغرباً «أين الدولة... كيف تسمحون لهؤلاء بقطع الطرقات؟»، فيجيبه الرتيب وبهدوء أعصاب: «وهل هناك دولة في لبنان... وين الدولة». طبعاً أجاب الرتيب بثقة، كانت إيماءات وجوه زملائه تفيد الرضى والتسليم بما قاله... ربما نسي المسكين أنه جزءٌ من الدولة، أو على الأقل هو يمثلها بيننا.

والطريف في الموضوع أن الحكومة التي تتعرض للقرصنة الإلكترونية من مجهولين يطلقون على أنفسهم جمعية «ارفع صوتك» كنوع جديد من الاحتجاج، وتواجه حرباً من قبل العمال على الأرض، كانت تحتفل قبل اربعة أيام فقط بتجديد الثقة لها من الأكثرية النيابية حين أصر النائب المعارض سامي جميل على طرح الثقة بها في البرلمان.

رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لم يعر اهتماماً لقطع الطرقات وتنظيم التظاهرات وتعرض مواقع حكومته للقرصنة بل ما كان يشغله باله هو كيف يقنع الغربيين من بلجيكا حيث هو، أهمية نأي لبنان بنفسه عن الأزمة السورية قائلاً، إن وقوف لبنان إلى جانب النظام أو المعارضة لن يغير شيئاً على الأرض، في حين كان الرئيس الأسبق للحكومة يتكفل بالنزول للشارع لكن عبر موقع «تويتر» فيغرد قائلاً: «الحكومة الحالية من أسوأ الحكومات التي مرّت على لبنان... فهي أفقرت المواطن وسلبته كرامته»... ويستمر السؤال «هل هناك دولة في لبنان؟» الله أعلم!



د. محمد علوش
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي