هل سيتدخل المجتمع الدولي في حال فشل بعثة المراقبين؟ هل سينشئ الأتراك المنطقة العازلة؟ وهل.......؟
الكثير من الأسئلة جعلت استراتيجية الثورة ترتهن للمتغيرات الخارجية، عبر ما تجرعه الثوار من تسميات الجمع، و مزاودة بعض السياسيين الحالمين بالنموذج الليبي. إلا أن المجتمع الدولي الذي اتفق على وقف إطلاق النار عبر القرار الأممي 2042، أظهر أيضا أن سقف التوافق في مجلس الأمن، هو حل سياسي مع النظام السوري. لقد كشف حصاد عام من الثورة عن حالة من الاستعصاء بين المعارضة والنظام على مستويات السياسة والعسكرة والحراك المدني، في ظل عجز تام في إمكانية أن يحقق أحد الطرفين نصرا نوعيا يطيح بخصمه ضمن الظروف المتاحة، وهذا ما يدركه أو أراده المجتمع الدولي الذي وقفت محصلة جهوده على الحياد النسبي، في انتظار لمراهنات اللحظة الأخيرة على الحصان الرابح. تتوافر اليوم احتمالات لفرض تهدئة هشة، سيعاود النظام خلالها سياسة القتل المقنن للمتظاهرين وقد يضطر آخر لتخفيض استخدام الأسلحة الثقيلة في المناطق الساخنة، فيضطر الجيش السوري الحر لوقف عملياته، وسط ارتباك سياسي قد يدفع بأطراف عدة من المعارضة للحوار مع النظام. استجداء الدعم الخارجي عبر وسائل الإعلام غطى على أهمية تنظيم الحراك المدني الداخلي، في أجواء من الانشغال بخلافات المعارضة السياسية. الداخل بدوره يعاني من تغذية النظام للعامل الطائفي، وبروز العامل المناطقي كنتيجة لتأخر مدن محورية كدمشق وحلب عن اللحاق الفاعل بركب الثورة و اختلاف تعامل النظام مع الحراك تبعا للمدينة وبين المدن والأرياف. ومع أن حلب تشكل خاصرة اقتصادية تصيب النظام بالشلل، إلا أن مفاتيح الحسم في دمشق التي أرسلت في العام الماضي أولى إشارات الثورة.
تمثل دمشق مع ريفها المنتفض كليا أكبر كتلة سكانية في سورية، تفصلهما حدود إدارية يصعب تتبعها على أرض الواقع بسبب الاتصال العمراني، ويشكل الشباب الدمشقي نسبة عالية من سكان ما يسمى بالريف، لجأ إليه بسبب غلاء الأسعار في المركز، إضافة إلى أن معظم مدن الريف المنتفضة تبعد عن مركز المدينة مسافة لا تتعدى 5 إلى 15 كيلومترا. اختزال دمشق بدائرة لا يتعدى قطرها بعض الكيلومترات - حسب التقسيم الإداري- تتمركز أفرع الأمن والمخابرات على مقربة من جميع ساحاتها الرئيسية، شكل إجحافا بحق الثورة وساهم في تعمية الحقائق. سكان المركز مزيج من جميع المحافظات و دمشقيين متقدمين بالسن وبعض الأثرياء وشريحة جزئية من الطبقة الوسطى حصدت بعض الامتيازات في عهد الأسد الابن، مما أفقد المدينة الوجه الاجتماعي المترابط، الذي ساهم بانتفاضات مدن وقرى بأكملها في محافظات أخرى، إضافة إلى أن انتشار مجموعات تعتمد على كتابة التقارير الأمنية كمصدر دخل إضافي بشكل مكثف في العاصمة، أشاع المزيد من مناخات الخوف و انعدام الثقة. ضمن مجمل الظروف السابقة، أحدثت الناشطة «ريما دالي» ثورة داخل الثورة، حين حملت لافتة كتب عليها «أوقفوا القتل» أمام مبنى البرلمان، فاحتشد المارة وبدؤوا بالتصفيق، لقد ابتكرت ريما طريقة لقياس تفاعل سكان المركز مع ما يصلهم من مشاهد القتل والتدمير.
تدل المؤشرات على طول أمد الثورة السورية مع احتمالات بانخفاض زخم التغطية الإعلامية، مما يزيد الحاجة إلى إعادة إنتاج أنماط من الحراك السلمي، تتبنى استراتيجيات تعتمد على الداخل، وتكتيكات تقيس مدى التفاعل الشعبي مع الحدث، كي تؤسس في اللحظة المناسبة لعصيان مدني دمشقي تتجاوب معه المدن السورية كافة، يستطيع بضربة موجعة شل النظام وتعريته من بروباغندا الغالبية الصامتة. طرح من هذا النوع يستدعي تشكيل هيئة تمثيلية غير سياسية تكون مظلة جامعة لكل الهيئات واللجان والاتحادات والتنسيقيات المنخرطة بالحراك المدني، مهمتها تنظيم تلك القوى والتنسيق بينها، ضمن إطار عام يحدد صلاحياتها ومهامها، ويتم اختيار مرشحيها وانتخاب أعضائها عبر آليات تحظى بقبول القوى الناخبة. من المحتمل أن يستعيد الحراك المدني زخمه وأهميته في مرحلة ما بعد القرار 2042، وعليه أن يتطور ذاتيا بحيث يستفيد من الأوضاع السياسة والعسكرية ولا يرتهن بها.
لقد نمت طفولتنا الثورية وبلغت مراهقتها مع شبق محموم لحمل السلاح دون تنظيم، عل ترتيب البيت الداخلي أن يكون علامة من علامات الرشد في اتجاه التنسيق بين مسارات الثورة التي يصعب التنبؤ بمآلاتها، ابتداء بتنظيم ما يمكن تنظيمه، وانتهاء بإسقاط النظام.
طريف الخياط