خورشيد دلي / إسرائيل وضرب المفاعل النووي الإيراني

تصغير
تكبير
| خورشيد دلي |

الجدل في إسرائيل بشأن ضرب المفاعل النووي الإيراني خرج إلى العلن عبر وسائل الإعلام والشارع بعد أن كان محصورا طوال الفترة الماضية في مراكز الحكومة والأجهزة الأمنية والعسكرية. بموازاة هذا الجدل ثمة جدل لا يقل سخونة على خط تل أبيب - واشنطن بشأن الضربة، وقد كان بنيامين نتنياهو بارعا في خطابه الأخير أمام المؤتمر السنوي للوبي اليهودي الأميركي على هامش زيارته إلى واشنطن عندما قارن بين أوشفيتس الألماني وبوشهر الإيراني إلى درجة أن خطابه قوبل بالتصفيق 49 مرة.

السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هنا: هل أصبح الخيار العسكري الإسرائيلي ضد إيران وحيدا؟ وإذا كان الجواب بنعم فمتى موعد الضربة؟ والسؤال الآخر الذي لا يقل أهمية، هو أين تقف الولايات المتحدة من الضربة الإسرائيلية؟

ثمة قناعة إسرائيلية بأن البرنامج النووي الإيراني يتضمن صناعة أسلحة نووية، وأن طهران باتت قريبة من صنع قنبلة ذرية، وأن من شأن امتلاك إيران لهذه القنبلة قلب المفاهيم العسكرية التي اعتمدتها إسرائيل طوال العقود الماضية (التفوق - القدرة على شن الحرب الوقائية - خوض الحرب على أرض العدو... الخ) رأسا على عقب، وعليه ترى إسرائيل أنه لم يعد هناك غير خيار الضربة الإسرائيلية لقطع الطريق أمام إيران نووية كي لا تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة، فهي لا تستطيع أن تعيش مع إيران نووية، إلى درجة أن وزير إسرائيلي قال قبل فترة إنه لا يستطيع النوم ليلا بسبب كابوس النووي الإيراني.

وسط القناعة الإسرائيلية هذه، ثمة شكوك عميقة في إسرائيل وخارجها بأن تحقق ضربة عسكرية إسرائيلية للمفاعلات النووية الإيرانية أهدافها، أي تدميرها على غرار مفاعل أوزيراك العراقي عام 1981 وموقع الكبر السوري المفترض عام 2007 وذلك لأسباب كثيرة، لعل أهمها :

الأول - بعد المسافة، حيث تتطلب العملية (الضربة) الطيران لمسافة نحو ألف ميل فوق الأجواء العربية، ومثلها في طريق العودة، فضلا عن كثرة المفاعلات النووية الإيرانية والتي تشير التقارير ان عددها بلغ 70 موقعا مع أن 10 فقط هي الأساسيات. وبالتالي صعوبة تدميرها دفعة واحدة على غرار المفاعل النووي العراقي الوحيد.

الثاني - له علاقة بالتداعيات وتحديدا بالمخاوف من رد فعل إيراني مدمر في ظل امتلاك طهران لصواريخ متطورة تطول العمق الإسرائيلي بكامله، فضلا عن رد متوقع من حزب الله في جنوب لبنان، يتمثل بإطلاق آلاف الصورايخ على العمق الإسرائيلي.

الثالث له علاقة بنوعية القوة العسكرية الإسرائيلية وتفاصيل المعلومات الاستخباراتية المتوافرة عن النووي الإيراني، فالتقارير تشير إلى أن العملية تحتاج لنحو ألف غارة جوية، وقد تستغرق أياماً بل أسابيع، وحملة قصف واسعة النطاق مع حساب الرادارات الإيرانية، فضلا عن حماية العملية عبر عتاد عسكري متطور جدا غير متوافر سوى لدى الولايات المتحدة.

هذه الأسباب وغيرها، دفعت بالعديد من الأوساط الإسرائيلية إلى القول ان ضرب إيران عسكريا يعد مغامرة قد لا تتحمل إسرائيل عواقبها، وعليه تحاول إسرائيل وبقوة إشراك الولايات المتحدة في العملية أو على الأقل ضمان الحماية لنجاحها. عند هذه النقطة، ثمة جدل أميركي - إسرائيلي برز إلى السطح في الفترة الأخيرة وبشكل علني خلال لقاء نتنياهو - أوباما الأخير في البيت الابيض، فإسرائيل تقول ان البرنامج النووي الإيراني دخل مرحلة الحسم والحصانة واللاعودة وبالتالي ينبغي تدميره عسكريا، في حين يقابله موقف أميركي يراهن على العقوبات الاقتصادية والديبلوماسية لدفع إيران إلى وضع نهاية لبرنامجها النووي أو حتى تغيير النظام في إيران من داخل طهران، مع الإعلان الدائم عن الاستعداد للخيار العسكري والقدرة على تدمير المفاعلات الإيرانية حتى لو صنعت طهران قنبلة ذرية، حيث قيل ان أوباما وضع نتنياهو في صورة ما عرف (بقنبلة البنتاغون) القادرة على الوصول إلى عمق 60 مترا تحت الأرض قبل ان تنفجر وتدمر بعرض ثمانية أمتار.

إسرائيل تدرك أن أوباما أمام استحقاق انتخابي وهو لا يريد مغامرة قد تقضي على فرصته بولاية رئاسية ثانية، وفي العمق تدرك أيضا أن الولايات المتحدة غير مهددة من النووي الإيراني كما هو حال إسرائيل التي تصور نفسها أمام تهديد حقيقي ومباشر من دولة إسلامية معادية. وعليه، فإن لسان حال إسرائيل يقول إن التأخير لم يعد ممكنا لجهة تأجيل الضربة، لأن ذلك قد يعني بعد فترة قصيرة وجود إيران نووية بحكم أمر الواقع. معادلة ربما تدفع بنتنياهو إلى حسم هذا الجدل والخيار بعد أن أعطته الحكومة الأمنية المصغرة الموافقة بالضربة، ليبقى القول هل سيكرر نتنياهو تجربة مناحيم بيغين مع أوباما؟ (عندما طلب بيغين من السفير الأميركي في إسرائيل صمويل لويس صباح السابع من حزيران عام 1981 إرسال برقية عاجلة إلى الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان يبلغه فيها بتدمير المفاعل النووي العراقي). نتنياهو يرى ان الزمن لم يعد لصالح دولته بل لصالح النووي الإيراني، وان أسلوب العقوبات الأميركي لن يؤدي إلى نتيجة، وأن التردد الأميركي لا ينبغي ان يكون على حساب أمن إسرائيل وأولوياتها... وهو في كل هذا يفكر في موعد الضربة العسكرية وربما تكرار تجربة مناحيم بيغين دون أن يعرف أحدا كيف ستكون المنطقة في اللحظة التي ستلي الضربة الإسرائيلية.

 

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي