د. محمد علوش / «إخوان» سورية وعهد جديد

تصغير
تكبير
| د. محمد علوش |

وثيقة «العهد والميثاق» التي قدمتها جماعة اخوان سورية يوم الخامس والعشرين من الشهر الجاري في تركيا لم تكن مفاجئة من حيث توقيتها، وانما كانت مفاجئة ببعض البنود التي قدمتها. ومن المجحف نقد الوثيقة في مقالة واحدة، إلاّ أني أرغب في تسليط الضوء في عجالة على بعض بنودها التي أعتقد ان فيها تطوراً نوعياً لجهة خطاب الإخوان عموماً.

الجماعة تتحدث في وثيقتها عن «دولة مدنية حديثة، تقوم على دستور مدنيّ... يحمي الحقوقَ الأساسية للأفراد والجماعات، من أيّ تعسّفٍ أو تجاوز، ويضمن التمثيلَ العادل لكلّ مكوّنات المجتمع... دولة ديموقراطية تعددية تداولية، وفق أرقى ما وصل إليه الفكر الإنسانيّ الحديث، ذات نظام حكم جمهوريّ نيابيّ، يختار فيها الشعب من يمثله ومن يحكمه، عبر صناديق الاقتراع، في انتخاباتٍ حرة نزيهة شفافة».

واللافت في ما تقدم أن الجماعة لم تتحدث عن «دولة مدنية بمرجعية اسلامية» على غرار ما تنادي به جماعات الإسلام السياسي بما فيها حركة الاخوان الأم في مصر. ولم نعثر في «العهد والميثاق» على أثر  لشعار «الإسلام هو الحل». 

وتعلن الجماعة التزامها  قيام «دولة مواطنة ومساواة، يتساوى فيها المواطنون جميعاً، على اختلاف أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم، يحقّ لأيّ مواطنٍ فيها الوصول إلى أعلى المناصب، استناداً إلى قاعدتي الانتخاب أو الكفاءة. كما يتساوى فيها الرجالُ والنساء، في الكرامة الإنسانية، والأهلية، وتتمتع فيها المرأة بحقوقها الكاملة». وانسجاما مع هذا الطرح فقد رفعت الجماعة من شأن المواطنة لتصبح المعيار الاساسي والوحيد للوصول للسطة في اطار التداول السلمي والديموقراطي، حيث لا اعتراض في وصول لرئاسة الدولة مسيحي أو امرأة طالما كان ذلك خيار الشعب أو من ينوب عنه في البرلمان. وهذا تقدم ملحوظ في فكر جماعات الإخوان الذين يشترطون في أدبياتهم التاريخية أن يكون المرشح للرئاسة ذكراً مسلما عاقلاً بالغاً، مشهود له بالعدالة والالتزام، نزولاً عند الشروط التي حددها فقهاء الأمة.

نقطة أخرى ينبغي التوقف عندها، إذ تلفت الجماعة على لسان المراقب العام السابق صدر البيانوني الى أنه ليس من حق الأكثرية السياسية، أي تلك التي تصل الى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع في سورية الحديثة، أن تجهز على الأقلية السياسية الخاسرة كما هو معمول به حتى في اكثر الدول الغربية ديموقراطية، حيث لا ينبغي تهميش أي من فئات المجتمع السياسي، إذ ان بناء الدولة يحتاج لكل أطياف المجتمع.

 وكأننا، إزاء ما تقدم من طروحات، أمام جماعة تشابه في ايديولوجيتها حزب الحرية والعدالة الحاكم في تركيا ذا الجذور الإسلامية أكثر مما هي متماهية مع جماعات الإسلام السياسي في العالم العربي وسواء كنّا نتفق معهم في هذا الطرح  أم لا، إلا اننا نلاحظ أن جماعة اخوان سورية تلحظ بعمق الواقع السوري المتنوع طائفيا ومذهبيا وعرقيا وتدرك حاجاته الى عقد اجتماعي يتناسب مع خصوصيته، وهي تتخطى على ما يبدو نضوج جماعة الإخوان الأم في مصر التي لم تستفد من التجارب التي مرّت بها خلال حقبتي السادات ومبارك على ما يبدو.

وبما أننا لا نستطيع أن نحكم على النوايا أو التكهن بمدى التزام الإخوان مستقبلا بهذه الوثيقة في حال وصولهم للسلطة، إلا أنهم في ما يقدمونه من تعهد حالياً ينبغي أن يزرع الطمأنينة في قلوب أطياف ومكونات المجتمع السوري كافة،  إذ لم تصدر جماعة معارضة في سورية حتى اللحظة أي وثيقة سياسية تشرح فيها الدولة المراد بناؤها بعد دولة الأسد اذا ما استثنينا التصريحات والشعارات التي ترفع في اجتماعات المعارضة السورية التي في الغالب ما تكون جواباً عن سؤال طُرح عليها، وليس في إطار دراسة متأنية تراعي الواقع السوري وخصوصيته الداخلية والإقليمية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي