د.يعقوب احمد الشراح / صدى الكلمة / الانكسار الداخلي للنفس

تصغير
تكبير
| د.يعقوب احمد الشراح |

تعيش الناس قلقة في غالبية أوقاتها وربما يعيش البعض كل دهره قلقاً متوجساً لا يستطيع الفكاك من حالته المضطربة. قابلت أكثر من مرة أشخاصا يتحدثون في كبرهم عن معاناتهم في حياتهم وإنهم يتمنون إلا يخوض أبناؤهم وأحفادهم ما أصابهم في حياتهم من نكد ومعاناة ومشقة. فأكثر ما يعاني منه الإنسان ويجعله بائساً شعوره بالتشاؤم من الحياة ورؤيته لهذه الحياة أنها ظلامية أو سوداوية بينما يرى أن الآخرين لا يشعرون بشعوره، فالحياة عندهم تعني السعادة والطموح والأمل.

هذه الصورة القاتمة عن الحياة تختلط فيها التجارب الإنسانية المختلفة، ويتفاوت الناس في هذه التجارب بين حزن وسعادة وتفاؤل وتشاؤم، لكن النهاية أن هناك انعكاسات متباينة في علاقات البشر مع أنفسهم وبيئاتهم. عرفت صديقاً لم يكف عن سرد معاناته كلما شاهدني، فيذكر لي عيوبه أكثر من ايجابياته رغم أنني لم أرَ منه أي شيء من هذه العيوب على مدى سنوات طوال. فكنت أقول له ان حكاياته تجعلني اشعر بأنه واهم أو من صنع خياله، لكنه كان يصر أنها الحقيقة، فهو نادراً ما يبوح عما في نفسه، وفي أكثر الأوقات يتعايش مع مشكلاته.

لم يكن هذا الصديق هادئاً في حياته، فقد ظل أعواما يراهن على الخروج من مأساته أو ضبابية حياته وضعف علاقاته مع الآخرين. كان يريد أن يرسخ علاقاته بالآخرين ويتجاوز ضعفه لكن شعوره الداخلي وإرادته كانت لا تعينه لفك القيد في ذاته. لذلك كان يدرك انه الشخص غير المناسب للأحداث الصاخبة، فهو ليس مع المادية الحديثة، ولا يعتبر نفسه شخصية مهمة برغم انه كان يحب ذاته ويتأسى على معاناته الدائمة، خصوصاً ظنونه بأن الآخرين أكثر سعادة منه أو أكثر موهبة ومهارة في الحياة.

لقد ظل متمسكاً بالقيم القديمة والموروثات، ويكره تلقائية الاندفاع إلى الجديد لأنه كان يرى أن الناس لا تريد إلا المستقبل المجهول والتفكير في الآتي، من الأيام بسبب القلق والخوف من هذا الآتي ولأنه كان متمسكاً بمقولة أن الحياة يوم لك ويوم عليك، أصبح يشعر بعدم الطمأنينة والارتياح من الجانب السلبي للحياة وبصورة طغت على الايجابيات في ذاته والتي كما يبدو قد انمحت من ذهنه ونفسيته. هذا الشعور المتولد في الذات الإنسانية تجاه أسلوب حياتها بلاشك ناتج عن طبيعة تجاربها في الحياة، فالناس تتأثر بكل ما يحيط بها وتتفاعل معها على نحو يعكس مشاعرها الداخلية ونفسياتها، وربما مشاعر اليأس والانكسار والتي تؤدي بالإنسان إلى التخلف واليأس في حياتها.

تمنيت أن يتجاوز الصديق هذه المشاعر الحزينة التي كلما ازدادت عمقاً في النفس سهلت على المرء أن يتخلص من حياته بالتفكير في أشياء مدمرة. انه شعور بالانكسار الداخلي للنفس نتيجة طبيعة حياة الإنسان مع نفسه ومع الأشياء التي تحيط به، وهو انكسار بلاشك يزداد اتساعاً إذا صاحبه ضعف ووهن في الشخصية وتراكمات من المعاناة أودت بالقدرة على التحمل والتكيف مع الحياة.

 

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي