د. محمد علوش / سربرنيتشا متنقلة في سورية ... من المسؤول؟

تصغير
تكبير
| د. محمد علوش |

خلال مؤتمرها الصحافي في نيويورك، قالت فاليري آموس مبعوثة الأمين العام للأم المتحدة للشؤون الإنسانية الى سورية إن عضواً في فريقها الذي زار معها بابا عمرو في حمص أسرّ لها أن ما رآه في الحي المنكوب ذكره بسربرنيتشا البوسنية التي تعرضت لتطهير ديني على يد الميلشيات الصربية في التسعينات. وفي الوقت الذي كانت آموس تتحدث فيه كانت شاشات الفضائيات تغص بالصور المروعة للمجزرة التي وقعت في كرم الزيتون في حمص. تلتها مجزرة أخرى في ادلب لا تقل بشاعة ثم اخرى وأخرى. ناجٍ وحيد من مجزرة كرم الزيتون قال: إن شبيحة مؤيدين للنظام ارتكبوا المجزرة، وفقاً لما جاء في تقرير عرضته شبكة الـ«بي بي سي» البريطانية. المجرزة ليست جديدة، حصل مثلها من قبل في جسر الشغور ودرعا وحماة والرستن.

لم يعد أحد ينكر وجود جرائم ضد الإنسانية تقع بشكل ممنهج في سورية، مع بقاء الجدل حول هوية الفاعل. فالنظام لا يتوانى في اتهام العصابات المسلحة ووسائل الإعلام العربي والدولي بالمشاركة في القتل. ويتساءل مؤيدو النظام عن المبرر الذي قد يدفع الحكومة السورية لقتل الأطفال واغتصاب النساء ومن ثم قتلهن؟ أوليس في ذلك تحريض للناس للانتفاضة عليه؟

يتابع هؤلاء: ألم تعترف آموس ان بعض المواطنين الذين لاقتهم في بابا عمرو شكوا لها من ممارسات العصابات المسلحة ضد أهل الحي؟ ألم تؤكد جهات غربية ودولية وجود مجموعات مسلحة بعضها مرتبط بتنظيم القاعدة على الأرض السورية؟ ألم يذكر تقرير الأمم المتحدة لمجلس حقوق الإنسان في جنيف أن المعارضة قامت ببعض الانتهاكات؟

ويتساءل مؤيدو النظام بريبة: هل من الصدفة دائماً ان تتزامن المجازر مع كل مرة يطرح فيها الملف السوري امام المحافل الإقليمية والدولية كما حصل قبيل اجتماعات الجامعة العربية، وكذلك مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة؟ الحال عينه تكرر قبل مؤتمر اصدقاء سورية في تونس.

أسئلة مشروعة ومنطقية وتنسجم مع تصريح الأسد الشهير لقناة ABC الأميركية: «مجنون من يأمر بقتل شعبه». في المقابل نتساءل، ليس من باب المحاججة والتشكيك، وانما انسجام مع المنطق الذي يطرحه مؤيدو النظام السوري، إذا كانت العصابات المسلحة تقف وراء المجزرة، لماذا من نجا من المجزرة، وكذا أهالي الضحايا ألقوا باللائمة على النظام؟ ولماذا لم يسرع النظام الى بث وعرض المجزرة على وسائله الإعلامية قبل عرض الفضائيات المغرضة والمتآمرة لها؟ وقد عهدنا من وسائل اعلامه سرعة فائقة وغير منطقية في بث صور لتفجيرات دمشق وحلب. ثم لماذا لم تقع المجزرة إلا بعد سيطرة قوات الأمن والشبيحة على المنطقة المنكوبة؟وما مصلحة الجيش السوري الحر في قتل المدنيين ونحن نرى التظاهرات الداعمة له في المدن والقرى السورية؟

حجج النظام تنهار أمام التساؤلات الآنفة ليبقى أمامنا فرضيتان، إما ان المجازر التي تقع هي من أفعال عصابات مسلحة مؤيدة للنظام لكنها خرجت عن السيطرة وباتت مستقلة ماليا وسياسيا، أو أن ذلك من تخطيط وإخراج كامل للنظام.

وإذا كانت الفرضية الأولى صحيحة فلماذا يرفض النظام تعريتها إذا كانت اعمالها تهدد بتمزيق النسيج الوطني السوري؟ أوليس التستر على هذه المجموعات سيزيدها امعانا في القتل والتخريب طالما انها تجد في السلطة من يحميها؟

الفرضية الأخيرة، أن النظام المسيطر على الأرض ويرغب في السيطرة على الفضاء، وفقاً لما قال بشار الأسد يوم الاستفتاء على الدستور، هو المدبر والمخرج لهذه المجازر، ولا يهمه أصلا اجتماعات الأمم المتحدة أو الجامعة العربية حتى يهتم بتوقيت انعقادها. والمبرر المنطقي لهذا القتل الوحشي والممنهج هو اعادة المواطن السوري الى قفص الخوف والرعب الذي عاشه خلال اربعة عقود. وقد نجح ذلك في حماة عام 1982. كما نجح، كما يقول البعض، في لجم الحراك الذي شهدته كل من درعا وحمص والرستن وجسر الشغور حيث لم يعد الحراك فيها اليوم كما كان في بداية الأحداث.



alloushas@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي