مها بدر الدين / سورية ... سنة أولى ثورة

تصغير
تكبير
| مها بدر الدين |

في منتصف آذار (مارس) الماضي انضم الشعب السوري إلى قافلة الشعوب العربية التي أرادت أن تفجر ربيعاً عربياً مزهراً في بلادهم بعد سنوات قاحلة أحرقت أخضر البلاد قبل يابسها، وانتفض هذا الشعب العظيم من سباته العميق الذي فرض عليه تحت وطأة القمع السياسي والاضطهاد الاجتماعي الذي تفنن النظام البعثي في ابتداع طرقه وأساليبه طول أربعين سنة من احتكاره للسلطة في سورية بدعم إقليمي ودولي يحقق مصالح سياسية واقتصادية ودينية للدول الداعمة في هذه البقعة المهمة من الشرق الأوسط.

ورغم معرفة الشعب السوري بطبيعة نظامه الحاكم الهمجية وسياساته الأمنية الإجرامية، إلا أنه فضل نار الحرية على جنة النظام التي تخضبت بدماء أطفال سورية وشبابها وشيابها، فانطلق ينفض غبار الزمن الرديء عنه مستعيناً بالله سبحانه وتعالى وهمة السوريين العالية التي عرفوا تاريخياً بها عند مطالبتهم بالحق والفضيلة، وكان اعتقال أطفال درعا وتعذيبهم وقلع أظافرهم التي شخبطوا بها على جدران مدارسهم، القشة التي قسمت ظهر البعير الذي تحمل أعباء الحكم العائلي خلال سنوات طوال مضت، وما عاد يطيق صبراً على تجاوزاتهم غير الأخلاقية التي تخطت حدود المنطق وتجاوزت كل القيم الإنسانية والضمير الحر.

عام كامل مر على انتفاضة الشعب السوري وثورته المباركة، تصاعدت خلاله وتيرة الأحداث بتصاعد رد فعل النظام السوري تجاه احتجاجات الشارع السوري ومطالبه المشروعة والسلمية، وظهرت خلاله جميع خيوط اللعبة السياسية التي تلعب على الساحة السورية، كما عرف محركو هذه الخيوط وتوجهاتهم وأهدافهم ومصالحهم المرتبطة بالنظام السوري ودعمهم المطلق لبقائه تحقيقاً لهذه المصالح، كما مرت الثورة بمراحل مختلفة متغيرة تبعا لتغير سياسة النظام في التعامل مع هذه الثورة من جهة، وللموقف العربي والدولي من الثورة من جهة أخرى.

فقد بدأت الثورة شعبية سلمية واستمرت سلميتها لأشهر طويلة رغم إفراط النظام باستخدام آلته العسكرية وسقوط الآلاف من الشهداء تحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي عامة، وقد راهن الشعب السوري في ذلك الوقت بعد تأكده من استهتار النظام بمطالبه وحقوقه وحتى أرواح أبنائه، راهن على موقف الدول العربية شعوباً وحكومات، وزاد الأمل بحل عربي عندما فتحت الجامعة العربية فاهها بعد عدة أشهر من نزيف الدم السوري، لكن تباطؤ الجامعة في اتخاذ قرارات وخطوات عملية وحاسمة ومنح النظام السوري المهلة تلو الأخرى جعل هذا النظام يأمن جانب الجامعة العربية ويرتاح عملياً لضعف الموقف العربي عامة فيمضي في حله العسكري الذي لا يعرف سواه منطقاً، وكان مراقبو الجامعة الذين بعثوا لاستكشاف حقيقة الواقع مثالاً حياً على مستوى الأداء العربي الذي لا يرقى لأدنى إمكانات الدول النامية، وكانت مبادرتها اليتيمة كمن نطق كفراً بعد أن صمت دهراً، حيث إنها استنسخت الحل اليمني وناظرته مع الحالة السورية في تجاهل مريب لكل نقاط الاختلاف بين الشعبين والنظامين والظروف الإقليمية المحيطة بكلا البلدين.

وأمام فشل الحل العربي تطلعت عيون السوريين نحو المجتمع الدولي الذي انقسم على نفسه تجاه الأزمة السورية، ولأن المنتصرين يقودون العالم، وقع الشعب السوري تحت رحمة أعضاء مجلس الأمن الدائمين التي لم تحركها سيول الدماء السورية التي استباحها النظام جهاراً نهاراً، ضارباً عرض الحائط بالأمم المتحدة ومجلس الأمن والجمعية العمومية مستنداً بهذا على الفيتو اللعين الذي استخدمته روسيا والصين ضد ادانته دون مراعاة لأدنى معايير الأخلاق الإنسانية، بحجة مبدئية موقفهما من التدخل الخارجي في الشأن الداخلي السوري، وأمام وابل القصف المدفعي والصاروخي للمدن السورية الثائرة ومناشدة الشعب السوري إغاثته من الدمار الشامل الذي يحيط به لا تنفك الدول الأوروبية بمطالبة المعارضة السورية بالتوحد والتوافق مقزمة الأزمة السورية واختزالها بالاختلاف النظري بين أطياف هذه المعارضة التي بدورها أثبت عدم قدرتها على مسايرة حركة الشارع السوري من جهة، وعلى تقريب وجهات نظر أطيافها من جهة أخرى ما أدى إلى انحسار قوتها التمثيلية للشعب السوري أمام المجتمع الدولي وفقدان مصداقيتها أمام السوريين الأحرار.

هذا التباطؤ في إيجاد الحل السريع للأزمة السورية المتفاقمة بسرعة عالية، وأمام استفحال همجية النظام السوري واصراره على استعباد الشعب السوري والقضاء على ثورته بقوة الحديد والنار، اضطرت الثورة السورية التحول من الاحتجاج السلمي إلى المطالبة بتسليح الجيش الحر والثوار الأحرار دفاعاً عن الوطن المستباح وإنقاذاً لمن تبقى من الأحياء المضطهدين من الأهالي الصامدين، ورغم مشروعية هذا التحول وضرورته الملحة بعد أن كثرت الأيدي الخارجية العابثة بمصير السوريين في الداخل، وانتشرت العناصر الإيرانية وميليشات جنوب لبنان بكثرة على الأراضي السورية تزهق أرواح السوريين ذبحاً انتقاماً للتاريخ البعيد، إلا أنه يعتبر تحولاً خطيراً تختتم به الثورة السورية عامها الأول وتبدأ عاماً جديداً مع مطلب سوري شعبي وتوجه عربي رسمي لدعم الجيش الحر المنشق بالمال والعتاد، بعد أن استشرفت بعض الدول العربية المستقبل الناري للمنطقة العربية المعنية بالأحداث السورية في حال استمرار النظام بنهجه الإجرامي الدموي المدعوم إقليمياً، هذا التحول سيغير اتجاه الثورة السورية نحو منعطف خطير البعد وغامض المصير، وسيبقي جميع الاحتمالات مفتوحة لنهاية هذا الظلم البشع الواقع على الشعب السوري الحر العظيم.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي