مسار / «أبو الواقعية» محمود طاهر لاشين

تصغير
تكبير
| د. لطيفة جاسم التمار |

ظهر الاتجاه الواقعي للقصة القصيرة في مصر منذ بداية القرن التاسع عشر، وتأصلت في تلك الفترة النزعة الواقعية التحليلية والتي قادها عيسى وشحاتة عبيد ومحمد تيمور، اهتم هؤلاء برصد الواقع الاجتماعي ومعالجته وعرض كثير من المشاكل خصوصا التي كان يعاني منها المجتمع المصري، وما تعاني منه المرأة في تلك الفترة البعيدة من الزمن لكن هذه الفترة اقتصرت على الجانب الواقعي من جوانب داخلية محددة ولم تقتحم المجتمع بشكل لافت. بعد تلك الفترة بدأت تتأصل فترة جديدة في تاريخ نشأة القصة القصيرة في مصر وترسخ اتجاهها الواقعي بالمعنى الحديث للواقعية، وكانت بداية هذه النزعة على يد محمود طاهر لاشين، لم يقتصر لاشين على عرض المشاكل التي تعتري المجتمع، لكنه توغل في داخل المجتمع المصري وصولا إلى الطبقة الشعبية فأحد أبرز القصص المتفردة للاشين وهي من المجموعات المتقدمة والتي عنونها بـ«بيت الطاعة» تعكس قدرة وموهبة الكاتب في التغلغل إلى الطبقات الشعبية في مصر وتحاول عرض مشاكلها وتأصلها، كما ترسم شخصيات القصة بإحساس واقعي وعناية في الوصف والتحليل والحوار.

فالمرأة هي المرأة إذا أراد المستحيل فهي قادرة على تحقيقه حتى وإن حبست في غرفة حقيرة بسبب بيت الطاعة، بالرغم من الحبس الحسي إلا أنه في المقابل استطاعت المرأة أن تتحرر من حبسها وتفعل ما تريد، هي الوحيدة القادرة على صيانة شرفها. الكاتب يريد أن يوصل للمتلقي أن شرف المرأة بإرادتها وليس بحبسها بين الجدران، عنى الكاتب برسم شخصيات قصصه عناية فائقة حتى أنه في كثير من الأحيان يصف الشخصية من الناحية الحسية والشكلية ثم لا يلبث حتى يدخلنا في أعماقها ويحلل مواقفها وما آلت إليه من أفعال قد تكون في أكثر الأحيان سلبية بعيدة كل البعد عن الإيجابية، لكنه يعلل لتلك الأسباب والدوافع التي دفعت الشخصيات إلى الاتجاه في ذلك الاتجاه المعاكس. القصة تقوم على هجاء شديد اللغة يوجه إلى المجتمع المصري وبالأحرى إلى الطبقة البرجوازية وميزان الأخلاق لديها، ومراعاة الشكل الخارجي، في المقابل يمتلئ الشكل الداخلي بالأمراض الأخلاقية، هذه القصة بما فيها من سلبيات معدودة في مقابل النواحي الإيجابية المتنوعة في تلك الفترة من الزمن تؤرخ لتاريخ نشأة فن القصة القصيرة في مصر، أتبعها لاشين بمحاولات عززت من موهبته الفنية المتأصلة وأسلوبه الراقي في صناعة قصصه التي اهتمت بنقد الواقع المحلي المصري بشيء من الصدق والشفافية من خلال منهج واقعي يتبع الدقة في رسم ظواهره وعرض مفاهيمه التي تتماشى وطبيعة المجتمعات العربية، يقول يحيى حقي في مقدمة «سخرية» للكاتب لاشين: «كان لابد أن يتحول الأدب من النزعة الرومانسية إلى صرامة المذهب الواقعي، وأن يتخذ من رجل الشارع والفلاح أبطال قصصية، هذا هو تفسير نشأة المدرسة الحديثة، مدرسة المذهب الواقعي الذي كان محمود طاهر لاشين نجمها المتألق».



* دكتوراه في الأدب العربي الحديث

Latifa-altammar@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي