في الحلقة الـ 9 تفوق الشعراء على أنفسهم وفردوا أجنحة اللغة والمعنى
مسابقة شاعر المليون والخطوات الساخنة جداً... اللجنة تمنح بطاقتها للكويتي بدر المحيني بـ 48 درجة
فلاح الذروة
بدر المحيني
الشعراء على المسرح
• لمن سيذهب بيرق الشعر في هذا الموسم؟...
سؤال يخطر على البال في كل حلقة من حلقات مسابقة «شاعر المليون»، وكلما اقترب الموسم الخامس من نهايته، يزيد الحماس، وترتفع وتيرة قلق الشعراء، وينشغل الجمهور ليس بالمتابعة فقط، انما بتشجيع شعرائهم المفضلين والافادة من عمق التحليل الفني للقصائد الذي تقدمه لجنة تحكيم خبيرة، وهو ما يؤكد النجاح المتواصل للمسابقة والبرنامج الذي تنتجه هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في اعادة احياء الاهتمام بالشعر النبطي وصون التراث، واجتذاب شريحة واسعة من متذوقي الشعر وخصوصا من فئة الشباب.
ففي الحلقة التاسعة من أمسيات «شاعر المليون 5» التي نقلت على الهواء مباشرة ليلة أمس الثلاثاء في الساعة التاسعة عبر فضائيتي شاعر المليون وأبوظبي ـ الامارات اعترفت د. ناديا بوهناد انها للمرة الأولى تدخل منطقة الشعر الشعبي، فقد كانت متذوقة، لكنها الآن مهتمة.
ومن تلقي د. ناديا للشعر النبطي انتلقت الى الحديث عن صفات نجوم حلقة الأمس حسبما ظهروا خلال الحلقات الماضية، فقد كان حضور بدر المحيني العنزي رائعا، واستطاع كسب جمهور المسرح، فيما كان خالد الهبيدة جيدا، وحضوره متواضعا، أما حركاته فقد كانت تدل على القلق، في حين بدا راشد الرميثي في الحلقة التي كان أحد نجومها جاذبا للجمهور، لكنه كان خجولا ومتحفظا، كما كانت نظراته مشتتة، متمنية ان يظهر جرأته وعفويته المعروف بهما أمام الجمهور في هذه الأمسية، سيف مهنا السهلي الذي كان صوته عاليا أثناء القاء قصيدته في حلقة سابقة حظي أيضا بفرصة اظهار حضوره الجميل، مثلما هو الحال بالنسبة لفالح بن علوان الذي بين ثقته العالية بذاته، فيما لم تفارق فيصل الفارسي الجنيبي روح الدعابة والمرح، بالاضافة الى الثقة بالذات، والحضور الجميل على المسرح، وبالتالي لم تكن عنده مشاكل كثيرة، وبرأيها ان هناك دوافع داخلية وأخرى خارجية تسهم في ان يكون الشاعر في أفضل حالات الابداع سواء على مستوى النص، أو على صعيد حضوره على المسرح.
أولها مسك
بالشعر الذي ألقاه حسين العامري بدأت الأحداث على خشبة المسرح، وبالكلمة الأجمل تابعت حصة الفلاسي في تقديم تاسع أمسيات مسابقة «شاعر المليون» (وهي الحلقة الثالثة من المرحلة الثانية) بحضور لجنة التحكيم د. غسان الحسن، حمد السعيد، سلطان العميمي، ثم أعلنا عن الشاعرين الذين تأهلا عن الحلقة الماضية من أصل خمسة شعراء كانوا على قائمة الانتظار، وهم: من السعودية صقار العوني ومشعل الدهيم، ومن البحرين عبدالله الخالدي، ومن الكويت مبارك حجيلان العازمي، ومن قطر ناصر الوبير الشمري، ومن بين هؤلاء النجوم تأهل الى المرحلة الثالثة من المسابقة (مرحلة الـ 12) السعوديان مشعل الدهيم وصقار العوني، وحصلا كذلك على ذات الدرجة وهي 64 في المئة من خلال التصويت، فيما غادر المسابقة ناصر الوبير الشمري بـ 51 في المئة، وعبدالله الخالدي بـ 46 في المئة، ومبارك حجيلان العازمي 54 في المئة.
ثم قدمت حصة وحسين فرسان حلقة الأمس، وهم: الكويتيون بدر المحيني العنزي وخالد الهبيدة وفالح بن علوان العجمي، والاماراتي راشد أحمد الرميثي، والسعودي سيف مهنا السهلي، والعماني فيصل الفارسي الجنيبي.
المحيني.. صور مجملة بالكنايات
كان أول فرسان حلقة أمس الكويتي بدر المحيني العنزي الذي ناجى من خلال نص غزلي «فرعونته» أثناء الوداع في المطار، فقال لها:
يا فرعونتي صورتك في كل سكة بال
وش الفرق بين الماضي، الحاضر، الآتي
مابين النظر والعين منصوب لك تمثال
منين التفتت اشوفك بكل نظراتي
بعد القاء الشاعر قصيدته ما كان من د. غسان الحسن الا ان خاطبه بالقول: (بدر.. انت شاعر متدفق)، ثم تحدث د. غسان عن الوضوح الذي تحمله القصيدة، لكن الغريب ان كاتبها لم يتطرق فيها الى الاختلاف الديني بينه وبين محبوبته، فبدا أمر حبه لها من البداية وحتى النهاية مسألة عادية، ورأى الدكتور في ذلك موقفا انسانيا جميلا يغلفه الحب، ففي هذا النص الشعري الذي جاء بعد فراق مؤقت يستذكر المحيني محبوبته التي تملأ عليه السمع والبصر، كما يستوطن الشعر فيه بالانتقال من صورة الى صورة أخرى، ومن كناية الى كناية ثانية، والمتابع للنص يجد ان نصفه الأول مزدحم بالكنايات التي ذهب الشاعر الى تجميل صوره فيها، فيما خفتت تلك الكنايات في النصف الثاني الذي باح فيه بدر بكل شيء، وهو الذي ذهب الى التوصيف من العام الى الخاص، ومن الكنايات الجميلة التي وردت «ضجيج المطار ولمعة الأرض والرحال/ وصوت المكبر يوم يعلن نهاياتي»، وختاما قال: (القصيدة لا تحتمل ما سأعدد فيها من جمال).
الهبيدة... و(حلم الحياة)
الشاعر الثاني الذي صعد الى خشبة المسرح كان خالد الهبيدة الذي ألقى قصيدة (حلم الحياة)، وهي من قصائد الحكمة، وجاء في بدايتها:
يا ركب الافكار لو طالت عليك الدروب
مالك عذر دام دربك قصر الله مداه
راعيك يصدح بصوته والكلام محسوب
شف كيف علق على مسراك حلم الحياه
ومما قاله سلطان العميمي عنها: (انها قصيدة جميلة من أول بيت الى آخر بيت، ومستوى الشاعرية فيها واضح، الى جانب الخبرة، الأمر الذي جعلها مميزة، على الرغم من ان موضوعها كان عاديا، فهي قصيدة ملفتة للنظر، ومن نوع السهل الممتنع، فلا هي مغرقة في الخيال والغموض «يلبس من الصبح في عين المشاريه ثوب /والوجهه لدار زايد طيب الله ثراه»، ولا هي مباشرة، أما التصوير الشعري فجميل، وكان روحك ـ أي روح الشاعر ـ تسكنها مجموعة أرواح منها: التحدي والاصرار والتفاؤل الأمل وحب الأخرين، أما البيتين «يا كسرت النفس والعبره وحظ نضوب/ وشلون اطالعكم الليله بعين الغناه؟» و«كفارة الجرح ماتلحق اكبار الذنوب/ يا وقت حرك على راس الهموم الرحاه» فهما كفيلين للتعبير عن شاعريتك).
قصيدة الرميثي الاقتصادية:
الشاعر الاماراتي راشد أحمد الرميثي الذي يعمل في مجال الشؤون الاقتصادية يبدو انه تأثر بطبيعة عمله، فانتقل بجمهور المسرح الى قصيدة (حرب العملات) ذات الموضوع الجاد، لكنه وضعها في قالب مقبول، فالقصيدة وان تحدثت عن الاقتصادين المحلي والعالمي، وعن العملات وجشع التجار، وعن حروب الأسعار والمنافسة؛ الا انها جاءت في سياق بعضها يدل على جو السخرية والاستنكار، وقد علل الشاعر ذهابه من خلال قصيدته الى النقد كغرض شعري، لان الشعر منبر يستطيع الشاعر من خلاله ابداء رأيه، ثم قال في الأبيات الأربع الأولى منها:
أيا حي شاعر في رصيده هموم كثار
سيولة بنوك القاف عنده مثالية
وانا وين بلقـى هم وأمول الأشعار
اذا الناس في هالدار مالهم معفية
حمد السعيد وصف النص بانه جميل جدا، فالشاعر تأثر بالبيئة الاقتصادية التي يعمل ضمنها، والبيت «وانا وين بلقى هم وأمول الأشعار/ اذا الناس في هالدار م الهم معفية» يدل عل ذلك، وقد تناول الشاعر في القصيدة قضيتين هما: قيام طرف بنشر الأمراض، ثم طرحه الأدوية والتجارة بالبشر كما يبدو من خلال البيت «أحد ينشر الأمراض ومجهز الآبار/ ومن طيب أصله قاد حملة دوائية»، وبشكل عام سلطت القصيدة الضوء على الناحية الاقتصادية محليا وعالميا، لتنتهي بالبيت «رعى الله بلادي عز وآمان/ واستقرار.. وأكبر همومي كم غرامة مرورية»، للدلالة على ان المواطن الاماراتي يعيش بأمان بمنأى عن كل ما يدور في العالم، وذلك من خلال الشفافية التي طرحها الرميثي في كل أسسه الشعرية.
السهلي... الغزل العجيب:
من السعودية عاد الشاعر سيف مهنا السهلي ليلقي نصا غزليا في غاية الجمال، وهو ما اتفقت عليه لجنة التحكيم، حيث جاء في بدايته:
غيدا الخيال الي وصايفها تثير الانتباه
تميل بغصون القلوب وتستفز البابها
تنقض ضفايرها ليا دكت ميادين الدهاه
ولا كل من يشعب هواجيسه ينال اعجابها
د. غسان الحسن رأى في القصيدة جمالا شعريا متفوقا جدا، وأضاف: (على المستوى الشعري تعتبر القصيدة من أعجب قصائد الغزل، فأبياتها تنتمي الى الخيال المركب، أي انها ركبت كلمة على كلمة، وكل كلمة تذهب الى صورة كما في البيت «توشحت من مخمل القيفان والفكره عباه/ وقامت تهادى من ترفها ما يمل اسهابها»، حيث ان لكل مفردة مدلولها المعجمي، ثم ان الصورة مكونة من جزئيات كثيرة، وكذلك في البيت «تجتاح قلبي وحشة اغيابه ويجلاها وفاه/ ولولاه لوعات المحبه مستلذ اتعابها»، حيث كل كلمة تحتاج الى تحليل وتفسير لما تخفي خلفها من خيال وجمال، وفي البيت «عيني تجوع لطلته ما كن فالدنيا سواه/ وحمايم طيوفه على رمشي تحط اسرابها» أبدل الشاعر الحقيقة بالمجاز، ومن خلال تركيب ثلاث صور تكونت صورة لا يستطيع الانسان الاحاطة بكل تفاصيلها، انما بالجو العام المفعم بالشعرية).
سلطان العميمي أثنى على القصيدة بقوله: (اليوم هو يوم القلوب الخضرا، ونحن سعداء بذلك الغرض الغزلي)، كما أثنى على الحضور الشعري والجمالي الكبيرين في القصيدة التي تستحق التمعن في الصور، والتي لا يمكن ان تمر مرور الكرام، فهي من بدايتها وحتى نهايتها مصاغة بشيء من الاحترافية، سواء على صعيد البناء، أم على صعيد الوصف، وبالتالي يمكن قراءتها سيميائيا، وذوقا وطعما لان فيها ما يدل على ذلك مثل «ملح، حلاوة»، كما تحفل بمفردات ذات دلالات صوتية وبصرية مثل «تنقض، حمايم»، وكل هذا يعطي للقصيدة ألقا وزخما، وبالتالي لا يكتبها الا شاعر محترف.
العجمي... ولعبة اللغة
الكويتي فالح بن علوان العجمي كان خامس شعراء الأمسية الذين استعرضوا قدراتهم التعبيرية والتصويرية والمعجمية أمام جمهور ملأ مدرج المسرح، ومما قال في قصيدته:
غبت يا وجه الرفيق اللي فقدت وجوده
وجيتني ف الليلة اللي حدتك تسريها
جيت لكن لا تزال أحزانك المعهوده
في عيونك واضحه حتى ولو تخفيها
تلك القصيدة التي رأى سلطان العميمي انها مكتوبة بخبرة أكثر من ان تعتبر تجربة شخصية، حيث اعتمدت على لعبة اللغة، وعلى الصياغات شعرية أكثر من اعتمادها على الفكرة، سخرها الشاعر لبث الأمل وزرع الثقة لدى الناس، أما على المستوى الفني فهي متقنة الصياغة والبناء، وأغلب أبياتها حفلت بصور شعرية مميزة وجميلة.
ومن البيت «ما خذل وجه الصحيح الا ردي الجوده/ سلعة ترجع خسارتها على شاريها» بدأ حمد السعيد بقوله: (انها قصيدة حكمة عالية الجودة، اذ ليس غريبا عليك التألق، وفيها الكثير من الأبيات المتميزة مثل: «التجارب عيلم مادمت حي تروده/ من شرب من صملة عزومه تهنا فيها»، والبيت «الفرص لذة شباب ماهي بمعيوده/ انت حاول كان ماجت في يديك تجيها»، أما البيت «العمر لوطال تبقى مدته محدوده/ جرة عجله هبايب موعدك تمحيها» فهو يستحق التأمل، والقصيدة عموما جميلة جدا بتسلسلها وبترابطها وبانفراد أبياتها بالحكمة)، وختم بوصف فالح بانه (طويق الشعر).
فيصل الجنيبي... الدفتر الأحمر:
الشاعر العماني فيصل الفارسي الجنيبي الذي كان قد أثار اعجاب الجمهور بحس الفكاهة الذي يملكه، ألقى ليلة أمس (الدفتر الأحمر) الذي ذهب من خلاله الى المدرسة العمانية التغريبية ـ كما قال د. غسان الحسن ـ، وقد جاء في الأبيات الأولى منها:
ما كنت ناوي أشيل الجرح للمهجر
لين ابتدت تنتشر ف الجوف ذريته
لولا بان الجروح وساع يا خنجـر
بلعت نصلك من الضيقة وكنيته
وأضاف د. الحسن: (في القصيدة ترميز كلي، فالرمز فيها يتسلل ويتسلسل بشكل موضوعي، كما تحمل عدة رموز صغيرة وجزيئية، وكثير من الكنايات والصور الجميلة، وهو ما تتصف به المدرسة العمانية التغريبية).
حمد السعيد أشار الى تغيير الشاعر أسلوبه في تلك القصيدة الجميلة التي تحمل مجموعة أبيات لافتة، مثل: «يا ساجن الصبح في زنزانة المرمر/ ما تدري بذنب ليلك يــــوم فليته؟»، وAلولا بان الجروح وساع يا خنجر/ بلعت نصلك من الضيقة وكنيته»، وAقبل الغروب ومزاج الشمس متعكر/ وجه الأمل ما التفت لي يـوم ناديته».
فيما قال سلطان العميمي: (ان الصور الشعرية والجو العام لموضوع القصيدة الغزلي أضفى عليها العذوبة، وأظهرت تماسكا في النص، وبينت الجنيبي كشاعر مميز).
بعد التخميس... المحيني يتأهل:
من قصيدة للشاعر الكويتي عبدالله الفرج الذي سطر قصائد مهمة في منطقة الخليج العربي طلب حمد السعيد من الشعراء الستة التخميس على البيتين:
رعى الله الهي زمان السرور
وعصر الصبا يوم عيشي رغيد
قضيت الهوى يوم انا بالهوى
عزيز ومثر ورأي سديد
أثناء المدة الزمنية التي منحت للشعراء من أجل اتمام التخميس تم عرض تقرير مصور عن زيارة نجوم الحلقة الى جزيرة السعديات للتعرف على ما فيها من مرافق ثقافية، ومع انتهاء التقرير، وانتهاء الشعراء من التخميس أبدت لجنة التحكيم وجهة نظرها، حيث قالت انهم أجادوا كلهم وتألقوا، كما أتقنوا في الوزن، حيث التقطوا الوزن بحذافيره، وجاءت معانيهم في محلها، والصور جميلة.
وقبل اعلان النتائج وصفت د. ناديا بوهناد حضور الشعراء، حيث أثنت عليهم، لانهم كانوا حاضرين ذهنيا ونفسيا، ولم يشعر أغلبيتهم بالقلق، انما كانوا متحمسين وواثقين من ذواتهم، ومتفاعلين مع نصوصهم، ومرتاحين أثناء أدائها، وحتى عندما كان أعضاء اللجنة يذكرون الملاحظات النقدية على نصوص الشعراء، وهم الذين كانوا مستعدين في ختام الحلقة للاستماع الى نتائج اللجنة التي أهلت الشاعر الكويتي بدر المحيني العنزي الذي منحته 48 درجة من أصل 50 درجة، ومنحت مواطنه فالح بن علوان العجمي 47 درجة، وجاء بعدهما خالد الهبيدة الذي جنى 43 درجة، ثم السعودي سيف مهنا السهلي الذي وصلت درجاته الى 43، فيما وصلت درجة الاماراتي راشد أحمد الرميثي الى41، وهي ذات الدرجة التي حصل عليها العماني فيصل الفارسي الجنيبي 41.
وفي الحلقة القادمة (الأخيرة من المرحلة الثانية) سيكون جمهور الشعر على موعد مع ستة شعراء آخرين، هم: أصيلة سعيد المعمري من عمان، ومن الكويت حمود بن قمره المري وماجد لفى الديحاني، ومن السعودية علي بن نايف الغامدي ومنصور فهيد و»غازي المغيليث العتيبي، الحلقة السادسة شاعر المليون-5-»غازي المغيليث العتيبي.
تنويه واعتذار
نعتذر من الشاعر الجميل والخلوق، الشاعر الكويتي فلاح الذروة، حيث ذكرنا سهوا في تغطية الاسبوع الماضي «الشاعر البحريني»، حيث يعتبر الذروة من الشعراء الكويتيين الشباب المميزين في الفترة الأخيرة.
لذلك وجب التنويه والاعتذار من شاعرنا الجميل.
سؤال يخطر على البال في كل حلقة من حلقات مسابقة «شاعر المليون»، وكلما اقترب الموسم الخامس من نهايته، يزيد الحماس، وترتفع وتيرة قلق الشعراء، وينشغل الجمهور ليس بالمتابعة فقط، انما بتشجيع شعرائهم المفضلين والافادة من عمق التحليل الفني للقصائد الذي تقدمه لجنة تحكيم خبيرة، وهو ما يؤكد النجاح المتواصل للمسابقة والبرنامج الذي تنتجه هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في اعادة احياء الاهتمام بالشعر النبطي وصون التراث، واجتذاب شريحة واسعة من متذوقي الشعر وخصوصا من فئة الشباب.
ففي الحلقة التاسعة من أمسيات «شاعر المليون 5» التي نقلت على الهواء مباشرة ليلة أمس الثلاثاء في الساعة التاسعة عبر فضائيتي شاعر المليون وأبوظبي ـ الامارات اعترفت د. ناديا بوهناد انها للمرة الأولى تدخل منطقة الشعر الشعبي، فقد كانت متذوقة، لكنها الآن مهتمة.
ومن تلقي د. ناديا للشعر النبطي انتلقت الى الحديث عن صفات نجوم حلقة الأمس حسبما ظهروا خلال الحلقات الماضية، فقد كان حضور بدر المحيني العنزي رائعا، واستطاع كسب جمهور المسرح، فيما كان خالد الهبيدة جيدا، وحضوره متواضعا، أما حركاته فقد كانت تدل على القلق، في حين بدا راشد الرميثي في الحلقة التي كان أحد نجومها جاذبا للجمهور، لكنه كان خجولا ومتحفظا، كما كانت نظراته مشتتة، متمنية ان يظهر جرأته وعفويته المعروف بهما أمام الجمهور في هذه الأمسية، سيف مهنا السهلي الذي كان صوته عاليا أثناء القاء قصيدته في حلقة سابقة حظي أيضا بفرصة اظهار حضوره الجميل، مثلما هو الحال بالنسبة لفالح بن علوان الذي بين ثقته العالية بذاته، فيما لم تفارق فيصل الفارسي الجنيبي روح الدعابة والمرح، بالاضافة الى الثقة بالذات، والحضور الجميل على المسرح، وبالتالي لم تكن عنده مشاكل كثيرة، وبرأيها ان هناك دوافع داخلية وأخرى خارجية تسهم في ان يكون الشاعر في أفضل حالات الابداع سواء على مستوى النص، أو على صعيد حضوره على المسرح.
أولها مسك
بالشعر الذي ألقاه حسين العامري بدأت الأحداث على خشبة المسرح، وبالكلمة الأجمل تابعت حصة الفلاسي في تقديم تاسع أمسيات مسابقة «شاعر المليون» (وهي الحلقة الثالثة من المرحلة الثانية) بحضور لجنة التحكيم د. غسان الحسن، حمد السعيد، سلطان العميمي، ثم أعلنا عن الشاعرين الذين تأهلا عن الحلقة الماضية من أصل خمسة شعراء كانوا على قائمة الانتظار، وهم: من السعودية صقار العوني ومشعل الدهيم، ومن البحرين عبدالله الخالدي، ومن الكويت مبارك حجيلان العازمي، ومن قطر ناصر الوبير الشمري، ومن بين هؤلاء النجوم تأهل الى المرحلة الثالثة من المسابقة (مرحلة الـ 12) السعوديان مشعل الدهيم وصقار العوني، وحصلا كذلك على ذات الدرجة وهي 64 في المئة من خلال التصويت، فيما غادر المسابقة ناصر الوبير الشمري بـ 51 في المئة، وعبدالله الخالدي بـ 46 في المئة، ومبارك حجيلان العازمي 54 في المئة.
ثم قدمت حصة وحسين فرسان حلقة الأمس، وهم: الكويتيون بدر المحيني العنزي وخالد الهبيدة وفالح بن علوان العجمي، والاماراتي راشد أحمد الرميثي، والسعودي سيف مهنا السهلي، والعماني فيصل الفارسي الجنيبي.
المحيني.. صور مجملة بالكنايات
كان أول فرسان حلقة أمس الكويتي بدر المحيني العنزي الذي ناجى من خلال نص غزلي «فرعونته» أثناء الوداع في المطار، فقال لها:
يا فرعونتي صورتك في كل سكة بال
وش الفرق بين الماضي، الحاضر، الآتي
مابين النظر والعين منصوب لك تمثال
منين التفتت اشوفك بكل نظراتي
بعد القاء الشاعر قصيدته ما كان من د. غسان الحسن الا ان خاطبه بالقول: (بدر.. انت شاعر متدفق)، ثم تحدث د. غسان عن الوضوح الذي تحمله القصيدة، لكن الغريب ان كاتبها لم يتطرق فيها الى الاختلاف الديني بينه وبين محبوبته، فبدا أمر حبه لها من البداية وحتى النهاية مسألة عادية، ورأى الدكتور في ذلك موقفا انسانيا جميلا يغلفه الحب، ففي هذا النص الشعري الذي جاء بعد فراق مؤقت يستذكر المحيني محبوبته التي تملأ عليه السمع والبصر، كما يستوطن الشعر فيه بالانتقال من صورة الى صورة أخرى، ومن كناية الى كناية ثانية، والمتابع للنص يجد ان نصفه الأول مزدحم بالكنايات التي ذهب الشاعر الى تجميل صوره فيها، فيما خفتت تلك الكنايات في النصف الثاني الذي باح فيه بدر بكل شيء، وهو الذي ذهب الى التوصيف من العام الى الخاص، ومن الكنايات الجميلة التي وردت «ضجيج المطار ولمعة الأرض والرحال/ وصوت المكبر يوم يعلن نهاياتي»، وختاما قال: (القصيدة لا تحتمل ما سأعدد فيها من جمال).
الهبيدة... و(حلم الحياة)
الشاعر الثاني الذي صعد الى خشبة المسرح كان خالد الهبيدة الذي ألقى قصيدة (حلم الحياة)، وهي من قصائد الحكمة، وجاء في بدايتها:
يا ركب الافكار لو طالت عليك الدروب
مالك عذر دام دربك قصر الله مداه
راعيك يصدح بصوته والكلام محسوب
شف كيف علق على مسراك حلم الحياه
ومما قاله سلطان العميمي عنها: (انها قصيدة جميلة من أول بيت الى آخر بيت، ومستوى الشاعرية فيها واضح، الى جانب الخبرة، الأمر الذي جعلها مميزة، على الرغم من ان موضوعها كان عاديا، فهي قصيدة ملفتة للنظر، ومن نوع السهل الممتنع، فلا هي مغرقة في الخيال والغموض «يلبس من الصبح في عين المشاريه ثوب /والوجهه لدار زايد طيب الله ثراه»، ولا هي مباشرة، أما التصوير الشعري فجميل، وكان روحك ـ أي روح الشاعر ـ تسكنها مجموعة أرواح منها: التحدي والاصرار والتفاؤل الأمل وحب الأخرين، أما البيتين «يا كسرت النفس والعبره وحظ نضوب/ وشلون اطالعكم الليله بعين الغناه؟» و«كفارة الجرح ماتلحق اكبار الذنوب/ يا وقت حرك على راس الهموم الرحاه» فهما كفيلين للتعبير عن شاعريتك).
قصيدة الرميثي الاقتصادية:
الشاعر الاماراتي راشد أحمد الرميثي الذي يعمل في مجال الشؤون الاقتصادية يبدو انه تأثر بطبيعة عمله، فانتقل بجمهور المسرح الى قصيدة (حرب العملات) ذات الموضوع الجاد، لكنه وضعها في قالب مقبول، فالقصيدة وان تحدثت عن الاقتصادين المحلي والعالمي، وعن العملات وجشع التجار، وعن حروب الأسعار والمنافسة؛ الا انها جاءت في سياق بعضها يدل على جو السخرية والاستنكار، وقد علل الشاعر ذهابه من خلال قصيدته الى النقد كغرض شعري، لان الشعر منبر يستطيع الشاعر من خلاله ابداء رأيه، ثم قال في الأبيات الأربع الأولى منها:
أيا حي شاعر في رصيده هموم كثار
سيولة بنوك القاف عنده مثالية
وانا وين بلقـى هم وأمول الأشعار
اذا الناس في هالدار مالهم معفية
حمد السعيد وصف النص بانه جميل جدا، فالشاعر تأثر بالبيئة الاقتصادية التي يعمل ضمنها، والبيت «وانا وين بلقى هم وأمول الأشعار/ اذا الناس في هالدار م الهم معفية» يدل عل ذلك، وقد تناول الشاعر في القصيدة قضيتين هما: قيام طرف بنشر الأمراض، ثم طرحه الأدوية والتجارة بالبشر كما يبدو من خلال البيت «أحد ينشر الأمراض ومجهز الآبار/ ومن طيب أصله قاد حملة دوائية»، وبشكل عام سلطت القصيدة الضوء على الناحية الاقتصادية محليا وعالميا، لتنتهي بالبيت «رعى الله بلادي عز وآمان/ واستقرار.. وأكبر همومي كم غرامة مرورية»، للدلالة على ان المواطن الاماراتي يعيش بأمان بمنأى عن كل ما يدور في العالم، وذلك من خلال الشفافية التي طرحها الرميثي في كل أسسه الشعرية.
السهلي... الغزل العجيب:
من السعودية عاد الشاعر سيف مهنا السهلي ليلقي نصا غزليا في غاية الجمال، وهو ما اتفقت عليه لجنة التحكيم، حيث جاء في بدايته:
غيدا الخيال الي وصايفها تثير الانتباه
تميل بغصون القلوب وتستفز البابها
تنقض ضفايرها ليا دكت ميادين الدهاه
ولا كل من يشعب هواجيسه ينال اعجابها
د. غسان الحسن رأى في القصيدة جمالا شعريا متفوقا جدا، وأضاف: (على المستوى الشعري تعتبر القصيدة من أعجب قصائد الغزل، فأبياتها تنتمي الى الخيال المركب، أي انها ركبت كلمة على كلمة، وكل كلمة تذهب الى صورة كما في البيت «توشحت من مخمل القيفان والفكره عباه/ وقامت تهادى من ترفها ما يمل اسهابها»، حيث ان لكل مفردة مدلولها المعجمي، ثم ان الصورة مكونة من جزئيات كثيرة، وكذلك في البيت «تجتاح قلبي وحشة اغيابه ويجلاها وفاه/ ولولاه لوعات المحبه مستلذ اتعابها»، حيث كل كلمة تحتاج الى تحليل وتفسير لما تخفي خلفها من خيال وجمال، وفي البيت «عيني تجوع لطلته ما كن فالدنيا سواه/ وحمايم طيوفه على رمشي تحط اسرابها» أبدل الشاعر الحقيقة بالمجاز، ومن خلال تركيب ثلاث صور تكونت صورة لا يستطيع الانسان الاحاطة بكل تفاصيلها، انما بالجو العام المفعم بالشعرية).
سلطان العميمي أثنى على القصيدة بقوله: (اليوم هو يوم القلوب الخضرا، ونحن سعداء بذلك الغرض الغزلي)، كما أثنى على الحضور الشعري والجمالي الكبيرين في القصيدة التي تستحق التمعن في الصور، والتي لا يمكن ان تمر مرور الكرام، فهي من بدايتها وحتى نهايتها مصاغة بشيء من الاحترافية، سواء على صعيد البناء، أم على صعيد الوصف، وبالتالي يمكن قراءتها سيميائيا، وذوقا وطعما لان فيها ما يدل على ذلك مثل «ملح، حلاوة»، كما تحفل بمفردات ذات دلالات صوتية وبصرية مثل «تنقض، حمايم»، وكل هذا يعطي للقصيدة ألقا وزخما، وبالتالي لا يكتبها الا شاعر محترف.
العجمي... ولعبة اللغة
الكويتي فالح بن علوان العجمي كان خامس شعراء الأمسية الذين استعرضوا قدراتهم التعبيرية والتصويرية والمعجمية أمام جمهور ملأ مدرج المسرح، ومما قال في قصيدته:
غبت يا وجه الرفيق اللي فقدت وجوده
وجيتني ف الليلة اللي حدتك تسريها
جيت لكن لا تزال أحزانك المعهوده
في عيونك واضحه حتى ولو تخفيها
تلك القصيدة التي رأى سلطان العميمي انها مكتوبة بخبرة أكثر من ان تعتبر تجربة شخصية، حيث اعتمدت على لعبة اللغة، وعلى الصياغات شعرية أكثر من اعتمادها على الفكرة، سخرها الشاعر لبث الأمل وزرع الثقة لدى الناس، أما على المستوى الفني فهي متقنة الصياغة والبناء، وأغلب أبياتها حفلت بصور شعرية مميزة وجميلة.
ومن البيت «ما خذل وجه الصحيح الا ردي الجوده/ سلعة ترجع خسارتها على شاريها» بدأ حمد السعيد بقوله: (انها قصيدة حكمة عالية الجودة، اذ ليس غريبا عليك التألق، وفيها الكثير من الأبيات المتميزة مثل: «التجارب عيلم مادمت حي تروده/ من شرب من صملة عزومه تهنا فيها»، والبيت «الفرص لذة شباب ماهي بمعيوده/ انت حاول كان ماجت في يديك تجيها»، أما البيت «العمر لوطال تبقى مدته محدوده/ جرة عجله هبايب موعدك تمحيها» فهو يستحق التأمل، والقصيدة عموما جميلة جدا بتسلسلها وبترابطها وبانفراد أبياتها بالحكمة)، وختم بوصف فالح بانه (طويق الشعر).
فيصل الجنيبي... الدفتر الأحمر:
الشاعر العماني فيصل الفارسي الجنيبي الذي كان قد أثار اعجاب الجمهور بحس الفكاهة الذي يملكه، ألقى ليلة أمس (الدفتر الأحمر) الذي ذهب من خلاله الى المدرسة العمانية التغريبية ـ كما قال د. غسان الحسن ـ، وقد جاء في الأبيات الأولى منها:
ما كنت ناوي أشيل الجرح للمهجر
لين ابتدت تنتشر ف الجوف ذريته
لولا بان الجروح وساع يا خنجـر
بلعت نصلك من الضيقة وكنيته
وأضاف د. الحسن: (في القصيدة ترميز كلي، فالرمز فيها يتسلل ويتسلسل بشكل موضوعي، كما تحمل عدة رموز صغيرة وجزيئية، وكثير من الكنايات والصور الجميلة، وهو ما تتصف به المدرسة العمانية التغريبية).
حمد السعيد أشار الى تغيير الشاعر أسلوبه في تلك القصيدة الجميلة التي تحمل مجموعة أبيات لافتة، مثل: «يا ساجن الصبح في زنزانة المرمر/ ما تدري بذنب ليلك يــــوم فليته؟»، وAلولا بان الجروح وساع يا خنجر/ بلعت نصلك من الضيقة وكنيته»، وAقبل الغروب ومزاج الشمس متعكر/ وجه الأمل ما التفت لي يـوم ناديته».
فيما قال سلطان العميمي: (ان الصور الشعرية والجو العام لموضوع القصيدة الغزلي أضفى عليها العذوبة، وأظهرت تماسكا في النص، وبينت الجنيبي كشاعر مميز).
بعد التخميس... المحيني يتأهل:
من قصيدة للشاعر الكويتي عبدالله الفرج الذي سطر قصائد مهمة في منطقة الخليج العربي طلب حمد السعيد من الشعراء الستة التخميس على البيتين:
رعى الله الهي زمان السرور
وعصر الصبا يوم عيشي رغيد
قضيت الهوى يوم انا بالهوى
عزيز ومثر ورأي سديد
أثناء المدة الزمنية التي منحت للشعراء من أجل اتمام التخميس تم عرض تقرير مصور عن زيارة نجوم الحلقة الى جزيرة السعديات للتعرف على ما فيها من مرافق ثقافية، ومع انتهاء التقرير، وانتهاء الشعراء من التخميس أبدت لجنة التحكيم وجهة نظرها، حيث قالت انهم أجادوا كلهم وتألقوا، كما أتقنوا في الوزن، حيث التقطوا الوزن بحذافيره، وجاءت معانيهم في محلها، والصور جميلة.
وقبل اعلان النتائج وصفت د. ناديا بوهناد حضور الشعراء، حيث أثنت عليهم، لانهم كانوا حاضرين ذهنيا ونفسيا، ولم يشعر أغلبيتهم بالقلق، انما كانوا متحمسين وواثقين من ذواتهم، ومتفاعلين مع نصوصهم، ومرتاحين أثناء أدائها، وحتى عندما كان أعضاء اللجنة يذكرون الملاحظات النقدية على نصوص الشعراء، وهم الذين كانوا مستعدين في ختام الحلقة للاستماع الى نتائج اللجنة التي أهلت الشاعر الكويتي بدر المحيني العنزي الذي منحته 48 درجة من أصل 50 درجة، ومنحت مواطنه فالح بن علوان العجمي 47 درجة، وجاء بعدهما خالد الهبيدة الذي جنى 43 درجة، ثم السعودي سيف مهنا السهلي الذي وصلت درجاته الى 43، فيما وصلت درجة الاماراتي راشد أحمد الرميثي الى41، وهي ذات الدرجة التي حصل عليها العماني فيصل الفارسي الجنيبي 41.
وفي الحلقة القادمة (الأخيرة من المرحلة الثانية) سيكون جمهور الشعر على موعد مع ستة شعراء آخرين، هم: أصيلة سعيد المعمري من عمان، ومن الكويت حمود بن قمره المري وماجد لفى الديحاني، ومن السعودية علي بن نايف الغامدي ومنصور فهيد و»غازي المغيليث العتيبي، الحلقة السادسة شاعر المليون-5-»غازي المغيليث العتيبي.
تنويه واعتذار
نعتذر من الشاعر الجميل والخلوق، الشاعر الكويتي فلاح الذروة، حيث ذكرنا سهوا في تغطية الاسبوع الماضي «الشاعر البحريني»، حيث يعتبر الذروة من الشعراء الكويتيين الشباب المميزين في الفترة الأخيرة.
لذلك وجب التنويه والاعتذار من شاعرنا الجميل.