د. محمد علوش / «حماس» إذ تكتب تاريخاً جديداً لها

تصغير
تكبير
| د. محمد علوش |

عبارة واحدة نطق بها القيادي البارز في حركة حماس اسماعيل هنية يوم الجمعة الفائت كانت كافية لتحدث صدعاً مدمراً في جدار العلاقة مع النظام السوري، إذ أبرق هنية الى النظام السوري من على منبر الأزهر رسالة خلاصتها ان حركته تنحاز تماماً الى «شعب سورية البطل الذي يسعى نحو الحرية والديموقراطية والإصلاح».

ربما من المهم معرفة الأسباب التي دفعت حماس لإعلان موقفها من النظام السوري في هذا الوقت وبهذه الصورة، لكن الأهم هو رصد حجم الدمار الذي خلفه الزلزال، ودراسة طبيعة الأرض التي ستقف عليها حماس بعد أن طلقت النظام الذي احتضنها وربّت على كتفه ووفر لها الملجأ الآمن طيلة عقد من الزمن.

ولعل أول متغير يسهل رصده بعد هذا التحول، هو التباعد الجغرافي بين قيادات المكتب السياسي الذين توزعوا بين عمان وغزة والقاهرة وقطر وتركيا بعد انسلالهم ليلاً من دمشق حيث كانوا يجتمعون. وما من شك أن هذا التمزق الجغرافي للجسم السياسي للحركة سيؤثر بشكل ملحوظ على حركتها وقدرتها على التنقل والتفاعل مع المحيط القائم حولها، رغم انها شرعت في علاج هذا الخلل قبل وقوعه. وقد يكون قرار مشعل بعدم رغبته في الترشح لرئاسة المكتب السياسي خلال الدورة المقبلة محاولة منه لمواجهة التحديات الناتجة عن قرار الخروج من دمشق.

وربما يرى البعض أن قرار حماس بالخروج سيخلصها من عبء التحالف مع النظام السوري، ويجعلها أكثر حرية وأريحية في التعاطي مع الاستحقاقات الداخلية والإقليمية، حيث ان حضورها الطويل في دمشق جعلها أسيرة توجهين زاد الاختلاف بينهما مع مرور الزمن، «حماس - الداخل » التي تتسم بالتشدد في المواقف السياسية، وغالبية قياداتها موجودون في قطاع غزة، «حماس - الخارج » ويقصد بها بقية أعضاء المكتب السياسي المتواجدين في دمشق وعلى رأسهم خالد مشعل، ويعرف عن «حماس الخارج » أنها أكثر ليونة واستبصاراً. ومع خروج الحركة من دمشق يفترض أن ينتهي هذا التقسيم بشكل عملي إلا أن من المحتمل أن تنشأ توجهات جديدة متباينة تشلّ جسم الحركة أكثر مما كانت عليه في دمشق، اللهمّ إلا إذا كان الثقل القيادي لها في مكان واحد كقطاع غزة مثلاً.

على أي حال، معروف عن حماس انتهاجها العمل المؤسساتي في تنظيمها، وهذا بلا شك سيحمي الحركة من أي خضات أو انقسامات عمودية في المرحلة المقبلة حتى مع القرارات المصيرية التي قد تضطر الحركة أن تبدي فيها مواقف تتفق وطبيعة المرحلة الجديدة التي تمرّ بها المنطقة في عهد الربيع العربي، فمصر- حسني مبارك لم تعد موجودة، والأردن بدأت انفتاحا حذراً مع الحركة بعد أن أقصتها ولاحقتها، كما أن ابتعاد حماس عن محور حزب الله - ايران - سورية، من شأنه أن يفرش لها السجاد الأحمر في عواصم الخليج أو يقلّل من علامات الاستفهام التي تضعها الحكومات الخليجية على الحركة.

وسواء اعترفت بذلك أم لا، فإن القاصي والداني يدرك أن حماس التي تعمل جاهدة على تركيز عملها في القضية الفلسطينية وتنأى بنفسها عن التورط في الملفات الداخلية للدول التي تحتضن اللاجئين الفلسطينيين مستفيدة من أخطاء ياسر عرفات الذي تورط في الملفات الداخلية لكل من لبنان والأردن والعراق والكويت باتت تمثل لاعباً قوياً في القضايا الإقليمية لا يقل حجماً وخطورةً عن حجمها ونفوذها داخل الأراضي المحتلة، فهي كانت، حتى الأمس، ركناً أصيلاً في محور المقاومة والممانعة التي تتزعمه ايران في المنطقة وبسبب دعمها لها وجدت ايران أرضاً خصبة وموطئ قدم لها في العالم العربي خلافاً للزعماء العرب الذين تبنوا خيار المفاوضات السلمية مع اسرائيل.

اليوم وبعد خروج حماس عملياً من هذا المحور فإن الزلزال الذي سيصيب المصالح الإيرانية سيكون مدمراً كما انه سيزيد من عزلة النظام السوري لدرجة الاختناق وسيقلص شعبية حزب الله في الشارع العربي حتى النخاع. وهذا سيفرض تغيرات جديدة في المنطقة.

وسواء وعيت ذلك أم لا، فإن حماس اليوم تعيد رسم الخارطة للقوى وللتحالفات في المنطقة، وهي عملياً اطلقت رصاصة الرحمة على ما يسمى محور المقاومة والممانعة بنسخته الإيرانية، الامر الذي سينعكس على ايديولوجية الحركة مهما كابرت او تنكرت، كما سينعكس على مواقف النظم العربية التي تعيش تفاعلات الربيع العربي، وما ندري قد نشهد ولادة محاور جديدة قد لا تكون بالضرورة على شاكلة ما سبق، محاور ثنائية متضادة ايديولوجياً وسياسياً واجتماعياً.



alloushas@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي