12 فبراير 2012
12:00 ص
1714
| مها بدر الدين | مع سبق الإصرار والترصد وبنية مبيتة أطلقت روسيا وشريكتها الصين قنبلة الفيتو في أروقة مجلس الأمن ضد الشعب السوري الساعي بتصميم منقطع النظير نحو اقتلاع الحرية من براثن الأسد في عرينه المحصن بالأسلحة الروسية وعناصر الحرس الثوري الإيراني وميليشيات حزب الله.
هذا الفيتو المزدوج الذي أعطى بشكل صريح الضوء الأخضر للنظام السوري المحتل ليبدأ سباقه المحموم مع الزمن في محاولة لوأد الثورة السورية التي لا تزال تستعر نارها كلما سالت دماء الشهداء والضحايا الذين يسقطون يومياً في مختلف المدن السورية بيد عصابات الطاغية وجيشه الغاشم، لم يكن سوى توثيق تاريخي للتشبيح السياسي الذي تنتهجه مجموعة دول الشر المتمثلة بروسيا والصين وإيران وتابعها اللبناني (حزب الله) تجاه الأزمة السورية.
فرغم أن موسكو أكدت أن استخدامها حق الفيتو كان لرفضها سياسة التدخل الخارجي في الشأن الداخلي السوري نجد أن سفنها المحملة بالأسلحة الداعمة للنظام السوري دائمة الزيارة للموانئ السورية، كما أن زيارة وزير الخارجية الروسي لدمشق برفقة رئيس المخابرات الروسية لم يكن تأكيداً على التدخل الروسي السافر فحسب بل دليل قاطع على التورط الروسي الفاضح في ما يجري على الأراضي السورية من حرب إبادة يشنها الأسد على السوريين المسالمين، وقد أصبح واضحاً أن الدعم الروسي لا يقف عند حد توريد الأسلحة الروسية الصنع للنظام لاستخدامها ضد الشعب السوري بل يتعداه إلى تقوية شوكة هذا النظام الدموي أمام المجتمع الدولي أجمع بتحد وقح للرغبة الدولية في احتواء الازمة السورية وإيجاد مخرج لها يضمن سلامة الشعب السوري.
قد نفهم هنا ما يقال حول تمسك روسيا بمنطقة نفوذها الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط بعد أن بسطت الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية سيطرتها على مناطق الربيع العربي، وقد نتفهم أن بوتين يريد أن يعيد أجواء الحرب الباردة بشكل غير مباشر على الساحة السورية ليكون بطلها الهمام وهو القادم على انتخابات رئاسية في الشهر القادم، وربما ندرك أن القيادة الروسية بفكرها الشيوعي المتقارب مع الفكر البعثي تريد أن توصل رسالة مبطنة لمواطنيها بخطورة الاقتراب من الساحة الحمراء بعد ظهور بوادر تذمر شعبي روسي، لكن ما لا يمكن فهمه هذا الاصرار اللاأخلاقي على تقويض عمل هيئة الأمم المتحدة وإظهارها بمظهر العاجز عن اتخاذ القرارات الكفيلة بحماية الشعوب المضطهدة، وتفعيل القوانين الدولية التي تكفل حق هذه الشعوب بالحماية الدولية والتدخل الإنساني، حيث لم تقف تداعيات الفيتو الروسي الصيني عند حد إفشال اتخاذ قرار أممي بشأن النظام السوري، بل أنه شجع الأطراف المؤيدة للأسد على إعلان تأييدها له عملياً فأرسلت إيران خمسة عشر ألفاً من الحرس الثوري الإيراني للعمل تحت امرة القيادة السورية دون أن يحمر وجهها خجلاً، وسارع حسن نصر الله بعد فترة من الصمت الحذر إلى إعلان دعمه المطلق للنظام الأسدي وإمداده بالميليشيات دون أن يندى له جبين، كما دفع هذا الفيتو اللعين النظام السوري إلى الجنون العسكري فسارع إلى استعراض مهاراته الإجرامية وإشباع غرائزه الدموية بقصف المدن السورية الثائرة منها والصامتة لترويع السكان الآمنين وإسكات صوت الثائرين، فكان ما كان من مجازر بشعة ارتكبت بأحياء حمص الذبيحة التي ما برأت من جرح غائر إلا ونزفت من طعنة غادر.
لكن رغم جميع هذه التداعيات السلبية والآثار القاسية التي خلفها هذا الفيتو على الشارع السوري، إلا أن استخدامه كان أفضل عند الكثير من السوريين من اتخاذ قرار أممي هش ضد النظام السوري يشوبه الكثير من التشويه والضعف بعد التنازلات التي قدمتها الجامعة العربية لتلقى مبادرتها الرضا والقبول من الدب الأبيض، وهو ما لم يكن سيصل لمستوى تطلعات الشعب السوري ويرضي طموحه في التخلص من حكم بشار الأسد بأي وسيلة كانت، وربما لم تفطن موسكو وبكين إلى أن أسوأ ما في الفيتو من تعنت وعناد وتحد سياسي للمجتمع الدولي، كان أفضل ما فيه حيث دفع هذا المجتمع إلى البحث عن حلول جذرية خارج نطاق الأمم المتحدة ربما يكون تطبيقها أكثر مرونة وأقل حرجاً من التقيد بروتين الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، كما أنه أعطى الجيش السوري الحر الفرصة للعب الدور الرئيسي على مسرح الأحداث خاصة وأن الأنظار الدولية قد اتجهت إليه بقوة الآن كونه أحد الاختيارات المتاحة والأساسية التي يمكن الاعتماد عليها لإنقاذ الشعب السوري من الكارثة الأسدية. وتحررت الجامعة العربية من وجوب إيجاد حل عربي خالص بعد أن أفشل هذا الفيتو مبادرتها اليتيمة التي استطاعت أن تقدمها بعد جولات كر وفر مع النظام السوري، وهو ما دفع بعض الدول العربية أن تتخذ موقفاً منفرداً ضد هذا النظام، فكان قرار دول مجلس التعاون الخليجي بطرد السفراء السوريين من أراضيها مسماراً جديداٌ في نعش النظام الذي لن يحمله لمثواه الأخير إلا صمود الشعب السوري وإصراره على بناء مستقبل جديد بعيد عن أيدي الأسد وعصابته.
لقد أعاد الفيتو الروسي الصيني الكرة إلى ملعب المجتمع الدولي، لكن يبدو أن المجتمع الدولي ينوي أن يغير من خطة اللعب بعد أن رأى أن فريق دول الشر يعتمد في تحركاته على الملعب السوري قواعد سياسية مخالفة في أغلبها للدوافع المنطقية والمسؤولية الإنسانية التي يجب أن تخذ بعين الأعتبار عندما تتعلق الأمور بدماء بريئة تسيل يومياً جراء مواقف أقل ما توصف أنها مواقف غير أخلاقية.