د. محمد علوش / لا صوت يعلو فوق صوت الطائفية

تصغير
تكبير
| د. محمد علوش |

لن أكون مبالغاً إذا اطلقت هذا الوصف على الحالة التي يلجأ إليها من تتهدد مصالحهم في زمن الربيع العربي، وتحديداً في المناطق المضطربة، العراق، لبنان، سورية، البحرين، مصر، ليبيا، السودان، وغيرها.

ولا نقصد بالطائفية التعصب للدين أو المذهب وحسب، وانما كل اشكال الطائفية التي من مفرداتها «العصبية» ذاك الداء العضال الذي يتجذر في المستور من العقل عند العربي حين كان يعيش قبائل واقطاعيات وملحقات جغرافية للأمبراطوريات القائمة، قبل أن يحمله معه الى العصر الحديث، ويستخدمه وقوداً يسير به حياته الاجتماعية والثقافية والسياسية.

إنها الطائفية، أو قل إن شئت «العصبية» التي تتمثل بالشعور بالفوقية والاستعلاء والاكتفاء التام بما نحمله من منظومة قيمية، جزء منها مستمد من الإسلام الحنيف السمح، وغالبا ما فيها عبارة عن تراكمات لمواقف وأحكام وتصورات معلبة من انتاج العصور الوسطى، وتواريخ الحروب بين الحاكم المستبد المتسلط على رقاب العباد وأموالهم وبين الشعب المطحون بالفقر والظلم، أو بين الأكثرية الحاكمة والأقليات المهدورة حقوقها الدينية والسياسية والثقافية.

والطائفي هو ذاك المؤدلج، المتعصب لهويته الدينية والثقافية والاجتماعية، الممانع لأي تغيير أو نقد، ضائق الصدر بالآخر، أياً كان، رافضاً له بالمطلق، يرى كل شيء بنظارة الطائفية التي لا يخلعها أبداً.

ولعل أخطر أنواع الطائفية التي نعيشها هي «الطائفية السياسية» التي تسيّس الدين والانتماء المذهبي، وتوظف ذلك في اسقاط الأحكام على الآخر المخالف، في قسمة ضيزى لا تبقي ولا تذر من أجل المكسب السياسي الذي يعزز الكراهية ويشرعن الظلم. ولطالما اعتمد المستبد في تفريق اللوحة الفسيفسائية الجميلة التي يشكلها المجتمع بتنوعه الديني والمذهبي والاجتماعي على قاعدة «فرّق تسد» فعمد على قمع الأقلية بالأكثرية ما أدى الى انقسام المجتمع الى فريقين، احدهما حليف للنظام متورط معه في الدم والاستبداد وآخر ملاحق مضطهد مقموع، فينشأ الخصام ويعشش الغضب وتعمم الأحكام.

الجديد في هذا الفصل المقيت، أن الطائفية لم تعد سلاحاً يُلجأ إليها لتأييد وجهة نظر على أخرى أو دعم تصور ما، وإنما أصبحت الركن الأساس لتبرير القتل والتشبيح وارتكاب المجازر بحجة القضاء على العصابات المسلحة التي تتآمر مع الخارج لنسف مكتسبات المجتمع السياسية والثقافية والاجتماعية. وهكذا يتحول الأخ الشقيق في العرق والدين واللغة والوطن الى غريب متآمر خصم بكل المقاييس، ولن يعد الحاكم أن يجد قطاعات اجتماعية مؤيدة، ونخباً دينية وثقافية، تزين له القتل على بشاعته وتلتمس له الأعذار بحجة حماية الاستقرار وصون المجتمع من الدخيل، وترى في ذلك موقفاً عروبياً أو قومياً أو دينياً خالصاً. ويحضرني هنا قول المفكر التونسي راشد الغنوشي لصحيفة «السفير» اللبنانية في 9 من الشهر الجاري، وهو يوصف واقع حال الامة العربية : «الغرب عاش مشكلة كيف يحرر الدولة من سلطة الكنيسة بينما نحن نحاول تحرير الدين من هيمنة الدولة».

هذا جزء من التوصيف للحال الذي وصلنا اليه، فعلى سبيل المثال تعجب وأنت تقرأ لبعض الكتّاب العرب أن ما يقوم به رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من اقصاء وتهميش للسنّة في العراق هو موقف وطني يشكر عليه، وأن ما يقوم به النظام السوري من حسم عسكري ضد المعارضة هو موقف عروبي سيسطره التاريخ بحروف من ذهب... ويصل الأمر ببعضهم للتندر والفكاهة من دولة عربية، كيف أن رئيس وفدها قد هُدّد في مجلس الأمن على يد المندوب الروسي ( على حد وصف القناة الثانية الفرنسية) ناسيين أنهم يهينون بذلك العروبة نفسها وليست دولة عربية، بل ما يثير العجب العجاب ان يخرج عليك رجل دين معم ليبرر للحاكم قتل عدد من الشعب حرصاً على الاستقرار ويدافع عن حجته قائلاً: أليس الاستقرار على ما فيه من ظلم وفساد وتسلط أفضل من الذهاب الى الفوضى؟

وإذا كنا نعيش في جغرافية تتوسط الأرض من جهاتها الأربع ومناخها اقرب الى الاعتدال وهي منبع الأديان السماوية بما فيها من سماحة وعمق معرفي، فهل يعقل أن تكون مجتمعاتنا على نقيض هذه الخصائص التي منّ الله بها علينا؟



skype:alloush1975
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي