د. محمد علوش / «الغالبية الصامتة»... بريئة أم متورّطة؟

تصغير
تكبير
| د. محمد علوش |

غالباً ما يتحدث المنشغلون في الشأن العام من ساسة ونخب فكرية وثقافية عند تقسيم المجتمع سياسياً عن الشريحة الأكبر فيه، مطلقين عليها صفة «الغالبية الصامتة». وقد كثر الحديث عن هذه الشريحة مع انطلاق شرارة الربيع العربي للأهمية التي تحتلّها، حيث تُعتبر صاحبة الحق في منح الشرعية للجهة التي تدعمها أياً ما كان موقعها من النظام السياسي.

وإذا ما استقرأنا واقع الحال في الدول التي شهدت حراكاً شعبياً وثورات نجح بعضها في قلب نظم الحكم وبعضها لا يزال يقاوم، نرى أن «الغالبية الصامتة» تزداد أهميتها في الدول الثائرة عن تلك التي لم تتنشق رحيق الربيع المقبل من المغرب العربي باتجاه مشرقه.

ويتمّ تناول «الغالبية الصامتة» على اعتبارها شريحة مجتمعية واحدة، منسجمة في ما بينها، وتحمل التطلعات نفسها، وتتقاسم الكثير من الاهتمامات والتطلعات، لكن لو أمعنا النظر قليلاً، نرى أن من الصعب تأكيد أن افرادها من الطبقة الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية نفسها، وربما تكون الأغلبية فيها من طبقة فقيرة في مجتمع ما، ومن طبقة متوسطة في مجتمع آخر، إلا أن أفرادها يشكلون في ما بينهم طبقة اجتماعية جديدة يطلق عليها «الغالبية الصامتة» لما تحمله من قواسم محددة وبارزة في تحديد مسار الشأن العام لأي بلد، أما سماتهم فهي انعدام المشاركة السياسية بشكل يتفاوت بين فرد وآخر. كما يتميز أفرادها بسكوتهم التام عن المطالبة بحقوقهم المهدورة أو مساندة أولئك الذين يسعون ويعرضون أنفسهم للخطر من اجل المطالبة بحقهم وحق هؤلاء.

يقول البعض : إن أفراد هذه الشريحة الاجتماعية ليسوا صامتين بالمطلق، وإنما يعبرون عن آرائهم في الأطر الضيقة التي يكون فيها قدر من الثقة التي تسمح لهم بالكلام دون خوف من تبعات ما يقولونه، لكن ذلك لا يعني أنهم فاعلون في المجتمع طالما أن بقاءهم على الحياد يسمح بإطالة أمد الفساد وانتشاره ومأسسته داخل المجتمع.

وإذا كان النظام والمعارضة يعبران عن نفسيهما بأشكال مختلفة فإنه لا يكاد يسمع صوتا حقيقيا للغالبية الصامتة. ومردّ تقاعسهم عن المطالبة بحقوقهم يعود عند بعضهم للخوف من المجهول، وعند آخرين لكره البديل المفترض للوضع القائم، في حين يعود السبب الأغلب للخوف من معاقبة الحاكم، أو القلق على ضياع مصالحهم الاقتصادية.

واياً ما كانت المبررت لهذه الشريحة، فإنها بمواقفها هذه تكون خرجت عن الحياد السلبي، وسمحت للمستبد أن يسرق مواقفها ويتترس خلفها لإضفاء الشرعية على ذاته ومنح المباركة لممارساته السياسية والأمنية حتى لو بالغ في القتل والتنكيل.

وخطورة هذه الفئة، أنهم في حقيقة الأمر يقتلون أبناء جلدتهم مرتين، مرةً حين يسكتون عما يلحق بإخوانهم في الوطن دون أن يحركوا ساكناً لمساندتهم، ومرةً حين يسمحون للنظام السياسي القائم أن يستغلهم كشرعية له ولممارساته، فهم محتارون ومحيرون، ضائعون ومضيعون.

وهنا نسأل : هل عندما تلجأ الأقلية المتضررة في المجتمع الى العنف لحماية نفسها وانتزاع حقها في الحرية والكرامة أمام توغل الديكتاتور، ألا تكون الغالبية الصامتة بسكوتها المتواطئ عن غير قصد سبباً في هذا التحول الذي ينقلب عند «الأقلية المنتفضة» من رغبة بتحصيل الحق عن طريق المناشدة السلمية الى القناعة بضرورة امتشاق البندقية؟

وكما أثبتت تجارب الثورات العربية الأخيرة، فإنه كلما تقلصت مساحة الغالبية الصامتة لصالح الأقلية المنتفضة كلما تمكنت الأخيرة من إحداث تغيير في بنية النظام أو في طبيعة تعاطيه مع الشعب. وتزداد سرعة التغيير كلما تسارعت عملية الانتقال من الغالبية الصامتة الى الأقلية المنتفضة لتصبح أكثرية في المجتمع فيزداد الانتفاض عاموديا وأفقياً ليتحول بدوره الى حراك ثوري يطالب بتغيير جذري في بنية النظام وفكره ودوره.

فهل لنا بمراجعة مفهوم «الغالبية الصامتة» السائد في المجتمع، وتحليل أسباب تقاعسها بعمق، ودراسة الوسائل والآليات التي تحدّ من اتساعها في المجتمع ليبقى الأخير عاملاً فاعلاً في حماية افراده ومكتسباتهم النضالية وسيفاً مصلتاً على النظام السياسي يوجّهه ويهذّبه ويراقب ممارساته؟



skype:alloush1975
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي