مها بدر الدين / عذراً حمص... سامحينا

تصغير
تكبير
| مها بدر الدين |
أرادها الثائرون تذكرة بأحداث حماة لعل الذكرى تنفع، ولعل القلوب من هول المصاب تخشع، وأرادها المغتصبون مجزرة تعيد إلى الحاضر مآسي أسر تفجع بفلذات أكباد بحقول الحرية لم ترتع، وفي ليلة ظلماء باردة كبرودة نظام الأسد أطلق العنان لحقده الدفين المعتق منذ سنين على شعب أعزل ارتضاه يوماً ولفظه الآن ظالماً فكان جزاءه القتل والإبادة.
حي الخالدية في حمص كان بالأمس صورة دموية رسمت فيها تفاصيل تكوين نظام الأسد السياسي، وأظهرت للعالم أجمع أن رائحة الدم أزكى عنده من كل عطور باريس، وصوت المدفع أشجى له من صوت فيروز، وما الإصلاحات في مخيلته سوى شبيح في جيبه حفنة من الدولارات وفي جيبه الآخر مشط من الرصاص.
حي الخالدية في حمص كان بالأمس نموذجاً مصغراً للقادم من المجازر الكبيرة على يد الشبيح الأكبر بعد أن وقف الدب الروسي وراء ظهره يحميه من المجتمع الدولي ويشد أزره بشحنات الأسلحة الروسية التي تصل إلى موانئ سورية لتفتك بأهلها، ويدفع ثمنها من أموال الشعب السوري ودماء أبنائه.
حي الخالدية في حمص كان بالأمس الصفعة القوية التي لطمت وجه الإنسانية في القرن الواحد والعشرين الغني بشعارات الديموقراطية والهيئات الحقوقية والمنظمات الإنسانية التي تقف عاجزة أمام تعنت شمشون الجبار فاقد البصر والبصيرة.
ان ما حدث بالأمس في حي الخالدية من مجازر يندى لها جبين الإنسانية، ليس إلا نتيجة تخاذل دولي وعربي تجاه الشعب السوري الأعزل الذي طلب العلا فدفع دمه ثمناً، ونتيجة تباطؤ الخطوات الدولية الواجب اتخاذها لردع هذه الهمجية الأسدية التي تمارس على الأراضي السورية دون اعتبار لكل المواثيق والقوانين الدولية المجرمة لهذه الأفعال، ونتيجة التهاون في إعطاء الشعب السوري حقوقه السياسية المشروعة التي نصت عليها هذه القوانين والتي أقرتها المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة التي تقف عاجزة أمام الفيتو الروسي اللعين، ونتيجة تقاعس دول الجوار صاحبة القرب الجغرافي والبعد السياسي والتي أرتأت أن تترك السفينة السورية تغرق بمن فيها دون أن تنزل قوارب النجاة لشعبها المسالم، واكتفت بالنواح والعويل وتبليل الساحات السياسية بالبكاء، ولا ننسى دور الدول العربية التي رغم محاولتها لجم جنوح الرئيس السوري إلا أنها فشلت في تغيير مسار الأحداث لصالح الشعب السوري واكتفت بتغيير المنكر السياسي باللسان دون التفكير بمد يدها لتغييره وهي القادرة.
كما أنه نتيجة تخاذل بعض فئات الشعب السوري الصامتة التي ارتضت لنفسها أن تكون شاهدة عمياء على ما يرتكب بحق أخوانهم الأحرار من مجازر وقد هبوا لاقتلاع الحرية للشعب السوري أجمع من براثن النظام الغاشم، هذه الفئات التي عليها بعد مجزرة الخالدية الشنعاء أن تحدد موقفها من الثورة، فمن ارتضاها له مستقبلاً عليه أن يشارك بها بكل فعالية وتفاعل، ومن تساوره النوايا في اللعب على حبال ما ستأتي به الأيام القادمة فليعلم أن الوقت لم يعد مناسباً للعب، وأن التاريخ والشعب السوري لن يرحم من كان سبباً في تجرعه الجراح من أبناء جلدته، وليدرك الجميع أنه آن الأوان أن يقف كل سوري في الموقف المناسب له وأن يكون مسؤولاً عن موقفه هذا مستقبلاً، وآن الأوان أن تحدد كل طوائف المجتمع السوري ومكوناته رؤيتها للحاضر وتحجز مكانها المناسب في مستقبل سورية ما بعد الأسد.
والأجدر اليوم على داعمي نظام الأسد وما يسمى «بالمنحبكجية» من الشعب السوري أن يعيدوا النظر في حبهم الأعمى للطاغية الذي لا يستند على أساس علمي أو عملي، وأن يتقوا الله في اخوانهم ممن قضوا برصاص ومدافع وقذائف عصابات الشبيحة والمرتزقة، وأن يتساءلوا ماذا يريد بشار الأسد بعد من السوريين، وقد شتت شملنا وأكسبنا صفة اللاجئين التي ما عرفناها إلا في عهده، وقضى على أهلنا في ربوع سورية فمات من مات وفقد من فقد واعتقل من اعتقل؟ ماذا يريد هذا البشار من السوريين بعد أن أعلنوا لفظهم له ولآله ورفضهم لحكمه؟ مذا يريد وقد ترك في كل بيت سوري حرقة، وفي قلب كل أم سورية لوعة، وفي حلم كل طفل سوري كابوساً؟ وكيف يرتضي هؤلاء المؤيدون أن يكون لبشار الأسد كلمة على سورية بعد أن نكل بأهلها هذا التنكيل وأجرم بحقها هذا الإجرام.
بالأمس كنا نعتذر لحماة عما حدث بها من ثلاثين سنة تحت أنظارنا وصمتنا، ونطلب منها السماح وقد تسامحنا، لكن اليوم وحمص تذبح كل يوم تحت أنظار العالم أجمع هل يحق لنا أن نعتذر.. وأن اعتذرنا هل ستسامحنا حمص ونحن في القرن الواحد والعشرين.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي