ربما القليلون منا فقط حاولوا طرح هذا السؤال، في حين انشغل الكثيرون في معرفة الجغرافية الـــــتي قد يمتدّ إليها الربيع العربي، وآثروا الحديث عن أسباب ولادته وحدود إمكاناته، إما خوفاً من أن ينتهي الحلم الذي تأخر قدومه طويلاً، وإما قلقاً على الأرض التي مرّ بها.
اليوم وبعد مرور عام على ولادة الثورة المصرية، وعام ونيف على الثورة التونسية، لا يدري المرء متى يتوقف نبع هذا الربيع عن التدفق مع المخاض العسير الذي يعيشه في كل من سورية واليمن وليبيا، فهل سيجف ماؤه مكتفياً بما رواه من يباس حتى الآن ليرتاح دهراً آخر قبل أن يعود من جديد؟ أم انه سيكمل طريقه إلى كل زقاق وزاوية يعشعش فيها الفساد ويتقاسمها التسلط والاستبداد مهما واجه من زوابع ومياه آسنة تتربص بنقائه ورونقه؟. سؤال ليس بمقدور أحد الإجابة عنه، فكل الاحتمالات قائمة وهي تحمل المرتبة ذاتها والحظوظ نفسها... ولعل السؤال الأهم لا يتعلق بجغرافية الربيع العربي وحدود انتشاره وإنما بحجم ما يحمله من تغيير في الوعي العربي سياسياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً...
إنّ مرور سنة تقريباً على نجاح الثورتين المصرية والتونسية وما تخللهما من متغيرات لا يمكن أن نتخذها معياراً للحكم في تخمين حدود ولون وعمق ما قد يحدثه التحول لو ضرب بلداً عربياً آخر رغم أهميته وقيمته الفكرية والسياسية!.
فأنا لا اتفق مع من يقول إن الربيع العربي تحول إلى شتاء إسلامي بعد وصول الإسلاميـــــين إلى الســـــلطة فــــي الدول التي شـــــهدت انتخابات برلمانية خلال العام الماضي بما فيها دولة المــــغرب؟ كمــــا لا أتفـــق مع من يحارب الربيع العربي ويعتبره خارطة استعمارية جديدة يرسمها المستعمرون الغربيون بأسماء جديدة ساركوزي- أوباما على غرار سايكس- بيكو مطلع القرن العشـــرين، لأن العقلاء وحدهـــم يدركون أن ذلك ضرب من الخيال الذي لا يسانده عقل ما عدا الخيال الخصب لبعض النخب التي هي متضررة أصلاً من التحول القائم في العالم العربي، وبعض النخب اللبنانية مثال واضح على هذا إذا ما قرأنا موقفها من الثورة السورية..
والسؤال الذي أراه ملحاً اليوم: هل سيتخطى الربيع العربي عناوين بارزة رفعها أبناؤه في الساحات والميادين تدعو إلى إسقاط النظام إلى عناوين أكثر نضجاً تدعو إلى بناء النظام ليس ذاك الذي هو قائم على الفردية والشمولية والعنف، وإنما نظام جديد عميق يتناول مكونات المجتمع ومكنوناته الفكرية والثقافية والاجتماعية ويعيد بناءه على أسس جديدة أملاً في ولادة مجتمع غير مؤدلج، تعددي متسامح في ما بينه ومسامح لمن ظلمه تاريخياً، غير منقطع مع الهوية أو معادٍ للدين الذي تعتنقه غالبية الشعوب العربية متمسكاً بالقيم التي تميزنا دون أن تعيد تموضعنا في قوالب ما نلبث أن ندرك أنها كانت عبارة عن أقفاص رسمت لنا حدود نمونا وتحركنا...
نحن وإن كنّا بحاجة إلى ثورات شعبية تخرج على الظالم لتقول له كفى ظلماً كفى استبداداً كفى تسلطاً، فإننا نحتاج أيضا إلى حناجر تخرج إلى الميادين لتصيح بأعلى صوتها نريد أن ننفض عن أنفسنا غبار التعصب الديني والمذهبي وكل ما تمّ زرعه في قلوبنا من خوف تجاه الآخر والمختلف عنا.
نريد دفقاً حضارياً يسري في عقول الشباب الثائر الذي يمقت العقاب، ويريد أن يفتح صفحة جديدة كما فعلت أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية فيحصي ما لديه من طاقات وإمكانات ويعمل في ظلّها متطلعا للوصول إلى ما وصل إليه أولئك السابقون فيغفر ما سلف وينتصر على ذاته وأنانيته بعد أن ينتصر على الظالم المستبد، فينشئ دولة مدنيةً لا تعرف الطائفية ولا المذهبية تحكمها المواطنة التي تتسع لكل من يعيش فوق تربتها وتحت شمسها غير ناكر للموروث من القيم والتقاليد وغير ممانع لما تحمله المعاصرة من رؤى وأفكار... حينها فقط ربما نقول إن ربيعنا لا ينتهي وإن زهرنا لن يذبل.
د. محمد علوش
skype:alloush1975