مها بدر الدين / مدى ملاءمة السيناريو اليمني للحالة السورية

تصغير
تكبير
اتفقت جميع الجهات المعنية بحل الأزمة السورية على تقديم مبادرة عربية بنكهة يمنية كحل سياسي قد يرضي أطراف النزاع القائم في سورية سواء النظام الأسدي أو أطياف المعارضة وحتى الشارع الثائر رغم تحفظاته الكثيرة على بنود المبادرة كونها لا تتناسب زمنياً مع قوة الهجمة البربرية العسكرية تجاه المواطنين السوريين الثائرين سلمياً.

هذه المبادرة التي انبثقت عن جامعة الدول العربية بعد دراستها لتقرير بعثتها الرقابية ممهوراً بتوقيع رئيسها سيئ الصيت والذكر، قد أعلنت بشكل واضح وصريح انتهاء حكم بشار الاسد وسقوط نظامه الفاشي، ودعت إلى العمل على إيجاد السبل الكفيلة بإخراجه من دائرة الضوء السياسية السورية وإقصاء رموز الفساد السياسي والاقتصادي والأمني وتسليم السلطة للمعارضة السورية الممثلة للثورة السورية خلال جدول زمني تضمنته بنود المبادرة، ورغم أن هذه المبادرة كانت أقصى ما يمكن للجامعة العربية أن تقدمه للشعب السوري كحل سياسي، إلا أنها أغفلت أو تغافلت عن نقاط الاختلاف بين الواقع اليمين والحال السوري وبالتالي صعوبة تطبيق هذا الطرح على الساحة السورية لأسباب جوهرية.

أولها طبيعة التركيبة الإدارية والعقائدية لكلا النظامين، فالنظام اليمني يعتمد في تركيبته على رئيس الدولة وعائلته الصغيرة والحلقة الضيقة من العائلة الكبيرة وبعض المحابين من العشيرة والمستفيدين من هذا النظام لكن الكلمة العليا في هذا التشكيل للرئيس وحده الذي يسيطر على جميع مفاتيح هذه التركيبة وبالتالي يتحكم بتنفيذ قراراته وتعهداته أمام المجتمع الدولي والعربي، أما النظام السوري فإنه نظام أخطبوطي له رأس واحد يتمثل برئيس الجمهورية والكثير من الأذرع الممتدة هنا وهناك وكل منها يمسك بما قدر له من مقدرات الدولة السياسية والاقتصادية والأمنية، ورغم أن جميع هذه الأذرع تتصل برأس واحدة إلا أن الخلل في قدرات هذا الرأس السياسية والديبلوماسية أدى إلى فقدانه السيطرة على أذرعه وبالتالي أصبح لكل ذراع الحرية في التحرك نحو الاتجاه الذي تراه مناسباً من وجهة نظرها لتحقيق أهدافها في الاستمرار والبقاء بعيداً عن الرأس الذي تحول بتخبطه العسكري وعدم نضوجه السياسي عبئا على الكثير من هذه الأذرع التي ترى في نفسها الكفاءة لتحل محل الرأس المختل، فالنظام السوري لا يحكمه بشار الأسد فقط بل يشاركه في الحكم مجموعة من أفراد أسرته لكل منهم طموحاته وأهدافه ورؤيته لمجرى الأحداث، بل أن هذه المجموعة تستطيع التحكم بقرارات الرئيس نفسه وتفرض على الواقع السوري بصمتها الخاصة، كما أن للطائفة التي ينتمي لها الرئيس دورا سياسيا مهما تمارسه من خلاله بوصفه مسؤولاً عن الحفاظ على الحكم العلوي الذي شيده والده على دماء الكثير من أبناء الشعب السوري، ويصعب على الكثير من أفراد الطائفة التخلي عن فكرة تسيدهم على الشعب السوري بعد أن تمتعوا ببهجة هذه السلطة ورخائها لأكثر من أربعين سنة مضت كانت لهم خصباً وثراء وكانت للشعب قاحلة جدباء.

ثانيها البعد الإقليمي لكلا النظامين، فالنظام اليمني ينحصر دوره الاقليمي في منطقة الخليج التي تجمعها مع اليمن البيئة الخليجية الاجتماعية والسياسية والثقافية والإنسانية، من هنا انحصر التدخل الخارجي في الشأن اليمني بالمبادرة الخليجية التي استطاعت أن تسيطر نوعاً ما على الوضع اليمني واستطاع القائمون عليها إقناع علي صالح بتوقيعها والعمل بمقتضاه وقد كان، أما النظام السوري فله دور اقليمي متشعب مع دول عربية وغير عربية حدودية وغير حدودية إسلامية وغير إسلامية، ولهذا الدور الكثير من التفاصيل الغامضة التي لا يحيط بها الكثيرون ومنها بعض الخطوط العريضة التي أصبحت واضحة للعيان ولا يمكن للمرء أن ينكر وجودها، من أهمها الخط الإيراني الذي يتداخل عقيدياً وعقائدياً مع النظام السوري الحالي بحيث يصعب على الإيرانيين التخلي عن هذا النظام لأن في هذا تخليهم عن عقيدة أساسية في انتمائهم الديني وعن حلم قديم يحاول الفرس تحقيقه في ربط طهران بالجنوب اللبناني عبر المرور من دمشق واللعب على أوتار الطائفة، وهناك الدب الروسي العنيد الذي لم يجد حتى الآن من يدفع له أكثر ثمن إغلاق قاعدته العسكرية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط المشيدة على الساحل السوري والتي تعتبر متنفسه الوحيد لتحقيق التوازن الاستراتيجي مع التواجد الأميركي في المنطقة، كما لا ننسى إسرائيل التي لا تجد حتى الآن مصلحة لها في التخلي عن حارسها الأمين وحليفها السري المخلص الذي لم يدخر وسعاً خلال أربعين سنة من الحفاظ على هدوء حدودها من الناحية السورية.

ولعل اختلاف التركيبة السكانية في كلا البلدين تلعب دوراً مهما في إمكانية تطبيق هذه المبادرة، فالشــــعب اليمني له مرجعية عشائرية يلــــتزم بها عند اللزوم ويرضخ لقرار شيوخها في تحريك الشارع اليمني، أما المجتمع السوري ففيه تنوع اثني عشري كبير تمتاز الاقليات فيه بوجود مرجعيات لها توجهها حسب ما تراه، أما الأغلبية السنية صاحبة الثورة ومحركها الأساسي لا يوجد لها مرجعية واحدة وبالتالي يصعب التحكم بحركتها في الشارع وبتوجهات أفرادها السياسية والميدانية، كما أن التعسف في استخدام القوة العسكرية بشكل إجرامي وممنهج يجعل من تقبل الشارع السوري للمبادرة العربية التي تنقذ رأس النظام من جرائمه وتترك أذرعه منطلقة تعيث فساداً ودمارا في البلاد أمراً بالغ الصعوبة.

من هنا يصعب الحكم على مدى ملاءمة هذا السيناريو للحالة السورية وعلى إمكانية تحقيق هذه المبادرة العربية المستنسخة من المبادرة الخليجية في اليمن، لاختلاف الحال السياسي والواقع الميداني وموقف الشارع والنظام الذي أن قبل رأسه بها فقد تلفظها أذرعه لنعود للدوران بدائرة الجامعة العربية الفارغة.



مها بدر الدين
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي