إشراقات النقد / مرسل العجمي ... عطاء إنساني ومعرفي يؤصّل لوعي نقدي حديث

u0645u0631u0633u0644 u0627u0644u0639u062cu0645u064ar
مرسل العجمي
تصغير
تكبير
| سعاد العنزي |

المقاربات النقدية هي واحدة من أوعر وأصعب المسالك لنيل مطالب ترويض شفرات النص الأدبي، لكي يعطي مفاتيحه لقراءة نقدية موازية للنص** الأدبي الأصلي. فلكي يتملك ناقد مفاتيح وآليات قراءة النص الأدبيه عليه أن يعد العدة والعتاد لكي تتوافر لديه آلات معرفية ومنهجية غنية بتعددها وغناها، ومرتحلة عبر عوالم نظرية متعددة تنطلق من الدمج بين نظريات النقد الأدبي العربي القديم و نظريات النقد الأوربي الحديث من المدرسة الروسية الشكلانية انتقالا عبر المحيطات لنظرية النقد الجديد في أميركا وعودة إلى النظرية الأوروبية الحديثة وتحديدا الفرنسية في مقاربة الفكر والمعرفة والأدب، في طروحات الحداثة وما بعد الحداثة، البنيوية والتفكيكة، وغيرها. أن تكون ناقدا يعني أن تلم بحركات الشعوب نحو المستقبل وأن ترصد جل المقولات الفكرية والجهود الفلسفية التي تجسدت خلفها، أو زامنتها، وأن تكون ناقدا هذا يعني فك رموز فلسفة هيجل ومثالية كانت و جان جاك روسو وعقدة الاجتماعي، و بنيوية رولان باوت التي حررت قراءة النص الأدبي من أغلاله القديمة، ليأتي أبو التفكيك جاك ديريدا ويفكك العلامة ويشكل علينا بفهم تفكيكيته هل هي تفكيكية الفوضى والعدمية أم تفكيكية مسؤولة وخلاقة. ولنأت إلى عمق المعرفة وحفرياتها عند ميشيل فوكو ليقدم لك رؤاه في جينالوجيا المعرفة، ونقده لنظام «السلطة والمعرفة»، أو «تاريخ الجنون»، لتوقن أنك تتطلب عمرا إضافيا ووقتا إضافيا لكي تفهم هذه الفلسفة الإنسانية ناهيك عن الوقت المفترض أن تقضيه لفهم عوالم وتقنيات الأدب من قصة ورواية وشعر ومسرح. وبعد هذا تكون أمامك مرحلة الخروج من معابد النظريات ليأتي دورك وأنت ممتطيا صهوة التطبيق و الدخول في محراب المواجهة مع النص وفق مخزون معرفي يحتم عليك الربط بين النظرية المعرفية، ومعطيات النص الجمالية والفكرية، شريطة أن لا تحرمك صرامتك النقدية من بث روح الجمال واستشعاره بين ثنايا النص وأبراجه العالية وأغلاله عصية الفك والمنال.

ما مضى هو عرض موجز لمرحلة تشكل مكونات العالم النقدي للناقد حتى يكون ناقدا حقيقيا خلاقا ومضيفا لخارطة الحياة الإبداعية الإنسانية، نستذكر كل هذه المحطات من القراءة والتحصيل العلمي والمعرفي التي يمر بها دارسوا الأدب ونقاده، ومن بينهم موضوع هذه المقالة، الأستاذ الدكتور مرسل العجمي الذي كانت مسيرته زاخرة وحافلة بكتابات تأصيلية في عالم النقد الأدبي متراوحة بين تأسيس لفهم عربي صحيح لمدارس ونظريات قراءة الأدب، وتقديم قراءات وورقات عمل تخدم الساحة الأدبية الكويتية وتغطي العجز والخلل الحاصل في وجود قصور في قراءة النص الأدبي الكويتي والعربي.

فعند تسليط الضوء على الجانب النطري وتأسيس مفاهيم قراءة الأدب بعيون النظرية الأدبية الغربية، ستجده واحدا من أبرز الأسماء النقدية التي فهمت النظرية الغربية الفهم الصحيح، وأعادت تمثلها في كتابتها وترجمتها عربيا عبر كتابة النظرية، والتطبيق العملي لهذه النظريات، من خلال كشف ثيماتها في نصوص أدبية محلية وعربية، هذا ما يجعلنا اليوم نسلط الضوء على الجانب النظري لديه في الكتابة عن النظرية، والقراءات التحليلية الخلاقة والمبدعة في قراءة نسق الذات والآخر، في ذاك الفهم المتسامح لمفهوم الإبداعي، والأدبي الذي ينظر في النص، باحثا في عمقه عن صورة أدبية جديدة ومشرقة تتقاطع وهم إنساني جديد، و حزمة من اللغة تحمل في ثنايا مضامينها منظومات أخلاقية معروضة في مداد الكتابة الذي هو امتداد للواقع والتاريخ والفلسفة والوجود.

فعند الالتفات إلى الجانب النظري وتأسيس المفاهيم والإجراءات، فثمة عناوين وإشكاليات روائية قد تفرعت تحت المفهوم العام لنظرية الأدب بشكل عام، ونظرية السرد بشكل خاص، فمن الجوانب النظرية العامة يكون كتابه : «تيارات نقدية معاصرة» يشتغل الدكتور مرسل العجمي على عدة نظريات أدبية في قراءة الأدب: الشكلانية الروسية، نظرية النقد الجديد، النقد المؤسس على استجابة القارئ. شعرية التعالق النصي. نظرية السرد.

في الإهداء يقول المؤلف: «إلى طلبتي في جامعة الكويت». وهذا يوضح واحدا من أهم الأغراض التي تقف وراء هذا التنظير المبسط لنظرية معقدة جدا وشائكة ولا سيما في مصطلحاتها وإشكاليات ترجمتها إلى العربية، أولا :لإنها كتبت بلغات متعددة فرنسية،إنكليزية، ألمانية، وقد تكون في أفضل الأحوال مترجمة إلى الانكليزية ومن ثم إلى العربية، وهذا يعتمد على مصداقية المترجم، ومدى فهمه للموضوع والمصطلح الذي يسبغ عليه مفهومه من بيئة ومحيط قد يكون غريبا عن بيئة المترجم الأصلية، ثانيا: إن النطريات الأدبية النقدية انطلقت من خلفيات معرفية فلسفية في جزء بسيط منها أيديولوجية، وفي بعضها الآخر إيبستمولوجيا خالصة، ما يجعل من الصعوبة فهم الفلسفة وتعقب تطوراتها منذ قرون حتى نظريتنا الفلسفية المعاصرة. فالفلسفة كعلم يصعب على طلابه فهمه وهو في لغته الأصلية، فكيف يكون الفهم والتمثل إذا علمنا إنها تترجم من عدة لغات وصولا إلى اللغة الإنكليزية أو العربية.

فنعود نقول إن المؤلف عندما أهدى طلبته هذا الكتاب كان مشفقا عليهم من صعوبة النظرية، ومقدما لهم بخطاب يقدر ويفهم معطيات الوعي لديهم، فالتعامل مع نصوص الدكتور مرسل العجمي يمكنك من التعامل مع النص بأريحية، وأن تقرأ الفكرة النقدية متفاعلا معها ولست نائيا عنها. وهذا التبسيط يتضح في كاقة نصوصه التي دوما يبدأها برسم خارطة طريق قرائية واضحة لمتلقي العمل.

حقيقة الاشتغال على مفاهيم جيرار جينيت والتوقف عندها ليس بأمر مضمون النتائج، خصوصا وأنت تقرأ بعض الترجمات التي لا تسبب لك إلا الهذيان الفكري والتصدع المعرفي، لأن المترجم ببساطة قد يفهم المضمون، ولكن لا يمتلك القدرة على مخاطبة القراء بكافة شرائحهم، وهذا الأمر الذي نرى أن الدكتور مرسل العجمي بما اطلعنا عليه من كتاباته بذكاء مؤلف قد تجاوزه، وهذا كان في وعي المؤلف عندما تحدث في بداية الفصل الرابع: « شعرية التعالق النصي نظرية جيرار جينيت» وحدد أهدافه ونقف عند الهدف الثالث في هذا الفصل قائلا:

«وقد دفعني على التركيز على الجانب النظري في هذه الورقة، طموحي في أن أحرر مصطلحات جينيت في المشهد الثقافي العربي المعاصر. لا سيما و أن حضور جينيت في المشهد النقدي العربي المعاصر، جاء مجزءا ومفتتا يختزل إسهامه في كتابه الثالث» النصوص المحاذية، وفي حديثه عن العنوان على وجه الخصوص. (ص. 100).

وهذا يؤكد سعي مؤلف الكتاب لتقديم وعي نقدي عربي يفهم الإطار الصحيح لنظرية جيرار جينيت بدلا من الفهم الجزئي الذي يحيلنا إلى اجتزاء تصوراتنا واستجابتنا للأدب وفقا للخلفية المعرفية القاصرة التي اتخذناها بابا للعبور نحو عالم التطبيق والقراءة.

في الكتاب الثاني: «السرديات: مقدمة نظرية ومقتربات تطبيقية» يؤسس الدكتور مرسل العجمي لفهم متخصص بأسس علم السرد وتقنياته بدءا من مؤلف النص والمؤلف الضمني مرورا بالنص نفسه وتقنيات كتابته متمثلة في الخطاب ولوجا إلى عالم الحكاية، انتهاء عند عالم المتلقي. ما يحصي عوالم الكتابة الإبداعية كلها من مرسلها إلى الرسالة نفسها أي نص، والمرسل إليه وطبيعة استجابة القار ئ. وهذا جهد يفيد القارئ العربي بفهم مكثف لمفهوم نظرية السرد التي أصلت أكثر في الكتاب من خلال المقاربات النقدية التطبيقية لعدة أشكال من السرديات التي لا تقتصر على الرواية العربية الحديثة، بل يرتحل إلى تاريخ الأدب العربي لينقب في سردياته عن البنى المضمونية، ويحلل وحدات الخطاب العربي، ويستنطق بنى الخطاب، ومضامينها الفكرية التي تشكل جزءا من الموروث الثقافي الذي لابد من قراءته قراءة تفكيكية، وثانيا، تشكل لحظة تفاعل مع الموروث لفهمه، هذا الفهم الذي يحيلنا إلى قراءة الذات العربية من خلال تجسير الفجوات وردمها في سبيل فهمها في سلسة متواصلة، تمكننا من فهم الطبيعة العربية ومكوناتها من خلال خطابها الثقافي والحضاري، وهذه المقاربة تذكرنا بتجارب العديد من الفلاسفة والنقاد الذين حاولوا فهم الظواهر الثقافية، والإشكاليات الحضارية من خلال العودة إلى الماضي وقراءة تاريخ الظواهر مثلما فعل انجلز في قراءة « أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة»، وميشيل فوكو في دراسة إشكاليات حقيقية في العالم أجمع تمثلت في قضية «السلطة والمعرفة،» أو تاريخ الجنون في العهد الكلاسي» أو «تاريخ الجنسانية»، هذا الإطار الذي نفهم من خلاله قراءة المؤلف لهذه النصوص السردية التي تكشف بنية العقل العربي، والتي نتمنى أن تجتمع جهود الدكتور مرسل العجمي وغيره من الأكاديميين المتخصصين في التراث وصولا إلى الحاضر ونبش ماهو مسكوت عنه من تاريخنا ومعاصرنا، وربط هذه الإشكاليات في فكرة نقدية واضحة تعلل لنا الخلل الذي سيطر على الأمة العربية منذ قرون.

بالعودة إلى القسم الآخر من التحليل السردي للرواية المعاصرة والرواية السعودية تحديدا، سيتكشف للقارئ قراءة جانب مهم من الرواية السعودية وهو رصد لمرحلة انتقالية في الرواية السعودية، بكل ما هبت به من رياح التغيير والإنقلاب على الشكل الخطابي والكتابي القديم، وما تحمله بين دفاتها من مضامين تشهد على الحراك السعودي نحو التغير والتغيير وتبديل البنى القديمة والأفكار السائدة التي تبنتها فيما مضى الثقافة الأبوية التقليدية، من هذه الزاوية نعي جيدا تسليط المؤلف الضوء على الرواية السعودية والذي بدا واضحا في بداية الفصل الخاص بالرواية السعودية قوله: «شهدت الساحة الأدبية السعودية في عقد التسعينات من القرن العشرين بروز متن روائي جديد، شكل ما يشبه القطيعة الفنية مع المنجز الروائي السابق، ودشن مرحلة جديدة في تطور الكتابة الروائية السعودية المعاصرة. ويمكن تلمس جدة هذا المتن على مستويين متكامليين ؛ أولهما: المستوى الموضوعاتي الذي يعالج موضوعات محضورة. ويناقش قضايا حساسة، كما يظهر في روايات تركي الحمد، وعبده خال، وإبراهيم ثابت، ورجاء الصانع، وسيف الإسلام بن سعود، وثانيهما: المستوى التقني/ الخطابي، الذي يرتبط بآليات وتقنيات الخطاب الروائي، وقد ظهرت الجدة على هذا المستوى في روايات غازي القصيبي، وعواض العصيمي، ورجاء عالم، وعلى الدميني، و يوسف المحيميد». (ص: 282).

حقيقة، ما قد تم التطرق له هو قدر بسيط من جهود الدكتور مرسل العجمي المبذولة في البحث الأكاديمي المهتم بتأصيل علم السرد من خلال مرويات العرب عامة، والخليج العربي خاصة لاسيما الكويت والسعودية، وهذا ما نراه محاولات صادقة منه لتقديم فهم حداثي لفن السرد يخلق حوارا بين أبناء المنطقة الواحدة من خلال منتوجهم الكتابي والتحريري والذي يتطلب منا كباحثين مبتدئين إكمال المسيرة الأكاديمية والبناء على الطريق الذي روضوا لنا الكثير من عثراته، فله منا الشكر والوفاء لمسيرته الأكاديمية النضرة والمؤصلة لمفاهيم العطاء الإنساني والمعرفي والأخلاقي.



* ناقدة وكاتبة كويتية.

[email protected]

1 - الدكتور مرسل فالح العجمي، «تيارات نقدية معاصرة»، الطبعة الأولى، 2011، مكتبة آفاق، الكويت.

2 - الدكتور مرسل فالح العجمي، «السرديات : مقدمة نظرية ومقتربات تطبيقية». الطبعة الأولى، 2011، مكتبة آفاق. الكويت.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي