نادين البدير / ويل للمنافقين

تصغير
تكبير
| نادين البدير |

يستيقظ على موعد مع الأعلى. والأعلى هنا ليس الضمير. يستيقظ بلا رأي أو شعور. صباحه كمسائه لا نكهة لهما. ولا دور له بهما، لا يرسم أي ملامح لأيامه.

يبدأ الكتابة... الكاتب المشهور والصحافي اللامع. يريد إنهاء قطعته اليومية. لكنه يتذكر موعده. ويتجه فوراً قبلة رب قلمه وعموده.

وتوزع الجريدة. ونقرأ العمود وبقية الأعمدة. نقرأ التطابق حد الكفر. وتتكشف شيفرة بلهاء يفكها أي صغير. صفحات الحرية أصبحت مسرحا للعرائس المتحركة. كل العرائس كانت على موعد مع الكبير، وبعضها ما زال ينافق حالماً بلقائه ذات يوم.

بعد كل حدث، بعد كل بيان، بعد كل خطاب... تتفق الأقلام الصحافية على رأي واحد. من يصدق هذا الإجماع المخيف؟

من يصدق تفكيرهم الأوحد؟ كأن وحيا مرّ عليهم ليلاً فحفظوه وأعادوا صياغته، كل بطريقته، لينشروه صبحاً مقالا يخدم الأعلى ويخون المواطن.



أين شرف المهنة؟

لا تزال صحافتنا صحافة بداوة لم تنتقل للمدينة ولم يمارس عليها التوطين. لا يزال الصحافي يظن نفسه شاعر البلاط القديم، مهمته مدح الخليفة وهجاء معاديه، أما الحقيقة فأبعد عن كل اهتماماته. مضحكون. يفاخرون بأنها دلائل وحدة وطنية. الوحدة الوطنية لا تظهر على صفحات الجرائد إنما هناك في الشارع العام. الوحدة الوطنية تتجلى بين أفراد الشعب ووحدتهم مع أرضهم وتكاتفهم مع بعضهم، ولهذه قصص أخرى موجعة. أما التكاتف بين الصحافي والمسؤول فليس وحدة وطنية ولا هو مؤشر لأي وحدة. إنما هو عقد نفاق. وعقد نفاق مرحلي.

أحدث مثال هو بيان وقعته بعض الأقلام الناشطة السعودية عرف بـ (بيان القطيف) فور ظهوره هجمت عليه الصحافة لتنتقده بصورة عاطفية رديئة وأعلن سماحة المفتي نقده للبيان فهناك برأيه قنوات رسمية لإيصال صوت المواطن للمسؤولين دون تواقيع وفضائح. ألا يعرف سماحته أن لا وجود هنا لمؤسسات مجتمع مدني، فكيف سيصل الصوت للمسؤولين؟ وألا يعرف سماحته أن لا مجال لكل الأصوات الحقيقية في قناة الصحافة إنما أصوات قارعي الطبول. فكيف سيصل الصوت للمسؤولين؟

حين يتهجم الصحافي على المواطن دفاعا عن موقف المسؤول. فهذا لا يعني أننا نعيش وحدة وطنية إنما أزمة وطنية. فرقة بين الإعلام والشارع العريض. وقطيعة بين منبر المفترض أنه ملك لحق المواطن في التعبير عن رأيه (أيا كان ذلك الرأي) في ظل غياب كل الوسائل المدنية، لكن بدلا من ممارسة هذا الدور الشريف تنتهك الصحافة عرض ذاتها وتبيح شرفها فتصنف المواطنين وتطلق عليهم الأحكام بين خونة ومخلصين. تخذلهم. تزجرهم وتقمعهم ثم تجلد صوت المواطن بسوط القلم. هذه هي المباحث الحديثة. معتقلات صحافية.

انتهى عهد اعتقال الصحافيين. صار الصحافي جزءا من النظام وجريدته هي المعتقل. هنا يوأد الفكر وتشوه سمعة الحرية، وهنا يباع الإعلام بين مزادات البلاط.

الصحافيون العرب الذين مارسوا النفاق للمسؤولين القدامى، ما زالوا موجودين. امتداحهم للثورات وشتمهم للرؤساء الراحلين لا يعني أنهم تحولوا عن خطهم وعادوا لشرف المهنة والوطنية، ما حدث عشية الثورة أنهم جددوا نفاقهم وحولوا وجهته فقط. هذه المرة سيولون وجوههم شطر الشعب. سيقرعون له الطبول، فالشعب اليوم هو (المسؤول). وفور شعور المنافقين أن البساط بدأ ينسحب سيولون وجوههم شطر قبلة جديدة.

يستيقظ ليكتب عموده ولا ينظر للمرآة، فتقاسيم مقاله كتقاسيم وجهه، صارت تحمل خليطاً مشوهاً من وجوه كل المسؤولين الذين مروا من هنا.





كاتبة وإعلامية سعودية

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي