مَنْ فكّر فيه وهو يحتفل بانقضاء عام وقدوم عام جديد؟

الوقت نعمة... فلا تجعلها نقمة!

تصغير
تكبير
| كتب عبدالله متولي |

يعيش الإنسان في الحياة الدنيا ما شاء الله له من الأجل، وتمر عليه الأيام والسنون وهو غافل - إلا من رحم ربي - عن المكون الأساسي للحياة وهو الوقت... بل انه أنفس نعمة وأعظم نعمة أنعم الله بها على الإنسان... قال الحسن البصري - رحمه الله تعالى: «يا ابن آدم انما أنت أيام... كلما ذهب يوم ذهب بعضك»، وفي هذا إشارة إلى قصر العمر، وانه سرعان ما يمر، فكل يوم ينقص منك، ويقل حظك من الدنيا.

فالوقت هو عمر الإنسان ورأسماله في الحياة الدنيا، لأن كل يوم يمضي على الإنسان يأخذ من عمره ويقربه من أجله، والعاقل من يغتنم وقته ويستغله في ما يرضي ربه، ويحقق لنفسه السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة.

وانه لمن العجب العجاب أن يفرح الناس بمرور الأيام والسنين ويجعلون من ذكرى الميلاد أعيادا يحتفلون بها، ومن نهاية العام وقدوم آخر مناسبة يعدون لها العدة للاحتفال بها ويتبادلون التهاني، وقد علموا أن أعياد الميلاد ورأس السنة ما هي إلا أيام وأعوام انقضت، وقد علموا أيضاً أنها تقربهم من آجالهم، وتبعدهم عن دنياهم... فبماذا يفرحون...؟!

إن للوقت أهمية عظيمة، فالمسلم إذا أدرك قيمة وقته وأهميته، كان أكثر حرصا على حفظه واغتنامه في ما يقربه من ربه - سبحانه وتعالى - والاستفادة من وقته استفادة تعود عليه بالنفع، فيسارع إلى استغلال الفراغ قبل الشغل، والصحة قبل السقم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» (أخرجه البخاري).

ثم ان المسلم سيُسأل عن الوقت أمام الله - جل وعلا - يوم القيامة، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به؟ (أخرجه الترمذي).

لقد اهتم الإسلام بالوقت اهتماما كبيرا، وليس أدل على قدر هذا الاهتمام من أن يقسم الله سبحانه وتعالى بالوقت في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، فقال تعالى: «والعصر إن الإنسان لفي خسر»، وقال تعالى: «والفجر وليالٍ عشر»، وقال جل من قائل: «والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى»، وغيرها من الآيات التي تبين أهمية الوقت وضرورة اغتنامه في طاعة الله سبحانه وتعالى، وعلى نسق القرآن الكريم سارت السُنة النبوية المطهرة... لذلك لا بد من الحفاظ على الوقت وعدم اهداره في أعمال قد تجلب على الإنسان الشر وتبعده عن طريق الخير، فالوقت يمضي ولا يعود إلى يوم القيامة مرة أخرى.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها»، وقال أيضاً: «وقت الإنسان هو عمره الحقيقي، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مرَّ السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوبا من حياته... فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير من حياته».

فينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل، فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل.

هذه هي حقيقة الوقت ومعناه، الذي تراه أرخص ما يكون عند الجهال، وتراه أغلى ما يكون عند العلماء والعقلاء.

فكم من الذين احتفلوا بأعياد الميلاد ورأس السنة والعام الجديد، فكروا في نعمة الوقت وما تعنيه بالنسبة للإنسان في دنياه وآخرته؟

إن ما نعرضه اليوم من نعمة الوقت لهو من باب التذكرة حتى لا تتحول النعمة إلى نقمة...!



يجب علينا في مثل هذه المناسبات ومنها مناسبة انقضاء عام وقدوم عام جديد، أن نحاول قدر المستطاع الاستفادة منها بما يعود علينا بالنفع في ديننا ودنيانا وآخرتنا.

وفي هذه المناسبة تحديدا يجب أن يكون تركيزنا منصبا على كيفية الاستفادة من نعمة الوقت واغتنامه بالأعمال النافعة والصالحة سواء كانت إيمانية أو علمية أو دعوية أو اجتماعية.

فالذين ينظرون إلى الوقت بعين الاهتمام هم الذين يحققون إنجازات كثيرة في حياتهم الشخصية والمهنية، وهم الذين يعلمون أن الوقت قليل لتحقيق كل ما يريدون. وعلى العكس من ذلك فإن المرء الذي لا يهتم كثيراً بالإنجازات ينظر إلى الوقت على أنه ذو قيمة قليلة».

وتبقى مشكلة الوقت مرتبطة دائماً بوجود الإنسان، إذ يختلف مفهومها طبقاً لاختلاف الدوافع والاحتياجات وطبيعة المهام والأعمال المطلوبة، وتؤثر الثقافات والتقاليد والعادات أيضاً بصورة مباشرة أو غير مباشرة على تحديد شكل العلاقة بين الإنسان والوقت.

ونظراً لأن الوقت مورد نادر، لا يمكن تجميعه، ولأنّه «سريع الانقضاء وما مضى منه لا يرجع ولا يعوَّض بشيء، كان الوقت أنفس وأثمن ما يملك الإنسان، وترجع نفاسته إلى أنه وعاء لكل عمل وكل إنتاج، فهو في الواقع رأس المال الحقيقي للإنسان فرداً ومجتمعاً». ومن هذا المنطلق يعد الوقت أساس الحياة، وعليه تقوم الحضارة فصحيح أن الوقت لا يمكن شراؤه أو بيعه أو تأجيره أو استعارته أو مضاعفته أو توفيره أو تصنيعه، ولكن يمكن استثماره وتعظيمه، فأولئك الذين لديهم الوقت لإنجاز أعمالهم ولديهم أيضاً الوقت للتمتع بأنشطة أخرى خارجة عن نطاق العمل، تعلموا الفرق بين الكمية والنوعية، فهم يستثمرون كل دقيقة من وقتهم. ولذا «فإدارة الوقت لا تنطلق إلى تغييره، أو تعديله أو تطويره، بل إلى كيفية استثماره بشكل فعّال، ومحاولة تقليل الوقت الضائع هدراً دون أي فائدة أو إنتاج، إلى جانب محاولة رفع مستوى إنتاجية العاملين خلال الفترة الزمنية المحددة للعمل».

الوقت في القرآن الكريم

نبّه القرآن الكريم على أهمية الوقت كثيراً في سياقات مختلفة وبصيغ متعددة منها الدهر، الحين، الآن، اليوم، الأجل، الأمد، السرمد، الأبد، الخلد، العصر... وغير ذلك من الألفاظ الدالة على مصطلح الوقت والتي بعضها له علاقة بالعمل وطرقه، وبعضها له علاقة بالإدارة وتنظيمها، وبعضها له علاقة بالكون والخلق، وبعضها يرتبط بعلاقة الإنسان بربه من حيث العقيدة والعبادة، وقد تَلمَّس الباحث ذلك من خلال ما يلي:

أولاً: الوقت من أصول النعم

إن نعم الله على العباد لا تعد ولا تحصى، قال جل شأنه: «وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا» (سورة إبراهيم - الآية 34)، ومن أَجَلِّ النعم وأعظمها نعمة الوقت، الذي هو من أصول النعم، فالوقت هو «عمر الحياة، وميدان وجود الإنسان، وساحة ظله وبقائه ونفعه وانتفاعه، وقد أشار القرآن إلى عِظمِ هذا الأصل في أصول النعم، وألمح إلى عُلوّ مقداره على غيره، فجاءت آيات كثيرة ترشد إلى قيمة الزمن ورفيع قدره وكبير أثره». يقول الله عز وجل في معرض الامتنان وبيان عظيم فضله على الإنسان: «وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ». (إبراهيم: 33، 34) «فامتن سبحانه في جلائل نعمه بنعمة الليل والنهار، وهما الزمن الذي نتحدث عنه ونتحدث فيه ويمر به هذا العالم الكبير من أول بدايته إلى نهاية نهايته».

قال تعالى مؤكداً امتنانه علينا بهذه النعم: «وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (النحل: 12). فهذه المخلوقات العظيمة والآيات الباهرة مسخرة من لدن خالقها ومدبر أمرها لخدمة الإنسان ومنفعته.

وقال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا» أي يخلف أحدهما صاحبه إذا ذهب هذا جاء الآخر فما فات الإنسان من العمل في أحدهما يدركه في الآخر. كما وصف نفسه سبحانه بأنه مالك الزمان والمكان وما يحل فيهما من زمانيات ومكانيات فقال: «وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»(5) أي «له جل وعلا ما استقر في الليل والنهار، وهو المالك لكل شيء».

ثانياً: القسم بالوقت

ورد التنبيه في القرآن الكريم إلى عظم الوقت بأن أقسم الله به في مواطن كثيرة من كتابه العزيز، ومن ذلك قوله عز وجل: «وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ»(6) وقوله: «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى»(7) وقوله: «وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ* وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ»(8) وقوله: «وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ»(9)وقولـه: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ»(10) وقوله: (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى»(11) وقوله: «فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ»(12)

فنلاحظ من الآيات السابقة أن الله عز وجل أقسم بالوقت (العصر) الذي هو الدهر والزمان، كما أقسم ببعض أجزائه، فالليل صنو النهار والفجر أول النهار والشفق أول الليل والضحى ما بين الغدو والزوال، ولله سبحانه أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، قال الفخر الرازي في تفسير قول الله تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) «إن الدهر والزمان في جملة أصول النعم فلذلك أقسم الله به - ولأن الزمان والمكان هما أشرف المخلوقات عند الله - كان القسم بالعصر قسماً بأشرف النصفين من ملك الله وملكوته». ويقول الشيخ يوسف القرضاوي: «من المعروف لدى المفسرين، وفي حس المسلمين، أن الله إذا أقسم بشيء من خلقه، فذلك ليلفت أنظارهم إليه، وينبههم على جليل منفعته وآثاره».

خُلق الإنسان لغاية نبيلة وهدف سامٍ ألا وهو عبادة الله وإعمار الأرض، وبين هذا وتلك تدور حياة المسلم، فهو بين العبادة والسعي في الأرض، قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ). أي «إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً». وقال سبحانه أيضاً: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ). أي «جعلكم تعمرونها جيلاً بعد جـيل وقرنـاً بعد قرن وخلفاً بــعد سلف» وقد ارتبطت العبادات بمواعيد ومواقيت محددة من قبل العزيز الحميد، ما يرفع من أهمية الوقت في حياة المسلم، وعلى رأس تلك العبادات الصلوات الخمس، التي قال الله فيهن: «إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا». أي «مفروضة لوقت بعينه».

وهي عبادة تتكرر في خمسة أوقات مختلفة من اليوم والليلة، ما يجعل المسلم في حال من الارتباط الوثيق بربه عز وجل الذي مكنه من العبادة والسعي في الأرض «فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ». أي «إذا فرغتم من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرّف في حوائجكم».

كذلك الزكاة لا تجب في المال حتى يتحقق فيه شرطان الأول أن يبلغ النصاب وهو القدر المشروع توفره لوجوب الزكاة فيه، والثاني أن يمضي عليه حول كامل أي سنة كاملة فإذا تحقق هذان الشرطان وجبت الزكاة في المال إذا كان من النقدين أي الذهب والفضة أو من عروض التجارة وهو كل ما أعده مالكه للبيع والشراء والمتاجرة، أما المزروعات فإن زكاتها تجب عند الحصاد، وقال الله تعالى: «وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ». أي «ادفعوا زكاته يوم جذه وقطعه».

بعد ذلك يأتي الصوم الذي فرض في شهر رمضان من كل عام وهو مؤقت برؤية هلال شهر رمضان ابتداءً وانتهاءً، قال الله تعالى: «فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ»،

ثم يليه الحج الذي فُرض على المسلم في العمر مرة فنجده محدداً بوقت معلوم كما قال الله عنه: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ».

هذا إضافة إلى الأذكار والنوافل التي يتعبد بها المسلمُ ربّه في كل صباح ومساء، بل في كل حين وعلى كل حال، تحقيقاً لقول الله تعالى: «فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ». وقوله سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلً»، وقوله: «إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ»، وقوله: «فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ».

رابعاً: الوقت وتعاقب الأهلّة

ارتبط التقويم الإسلامي بالأشهر القمرية التي تبدأ ببزوغ الهلال وتنتهي باختفائه وبزوغه من جديد ليعلن عن ميلاد شهر جديد، وقد سُئل النبي (صلى الله عليه وسلم) عن فائدة ذلك فأجاب عنه المولى عز وجل في كتابه العزيز إذ يقول: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ»، أي «هي مواقيت لكم، تعرفون بها أوقات صومكم وإفطاركم، ومنسك حجكم». إذاً فالغاية من وجود الأهلّة أن يستعين بها الناس في التوقيت لأمور حياتهم وعباداتهم فالشهر هو أيام واليوم هو ساعات الليل والنهار، وبالأيام والشهور والأعوام يحدد الإنسان مواقيته ويحسبها، يدل علـى ذلك قولـه سبحانـه وتعالـى: «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً». وقوله: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ» أي «لتعلموا دخول السنين وانقضاءها وحساب أيامها».



الوقت هو الحياة

الوقت يمضي يومًا بعد يوم، والوقت هو العمر، الوقت ـ كما قال رجل من أئمة هذا العصر (الشيخ حسن البنا) هو الحياة.

الناس يقولون: الوقت من ذهب، ولكن ما الذهب؟ وما الفضة؟ وما الماس؟ وما الجوهر؟ كلها ماديات، ولكن الوقت أغلى من هذه الجواهر الثمينة كلها، الوقت هو (الحياة). ما «حياتك» أيها الإنسان؟ هي: الوقت الذي تقضيه من المهد إلى اللحد، من ساعة الميلاد إلى ساعة الوفاة، من صرخة الوضع إلى أنة النزع.

هذا الوقت هو (حياتك) فإذا أضعت وقتك فقد أضعت حياتك، الوقت له قيمة عظيمة في الإسلام، ولهذا أقسم الله تعالى به في كتابه، أقسم بأجزائه، أقسم بالفجر، وأقسم بالضحى، وأقسم بالعصر، وأقسم بالليل، وأقسم بالنهار، لماذا هذا القسم كله، إن الله إذا أقسم بشيء فإنما يقسم به ليلفت أنظارنا إلى أهميته وإلى خطورته، حتى نتفكر في أجزاء الوقت كله: فجره وضحاه وعصره وليله ونهاره.



من وحي النبوّة

> قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ» رواه البخاري.

> وقال أيضاً: (لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند الله حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه؟... وعن شبابه فيم أبلاه؟... وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟... وماذا عمل فيما علم؟ (رواه الترمذي).

> وقال - عليه أفضل الصلاة والتسليم: ( اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك... وغناك قبل فقرك... وفراغك قبل شغلك... وصحتك قبل سقمك... وحياتك قبل موتك ) رواه الحاكم.

> وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: «إني لأكره أن أرى أحدكم فارغاً لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة».



طاقة الفراغ

> نملك نحن المسلمين طاقات في أيدينا لا ندركها ولا نستثمرها الاستثمار الأمثل... منها طاقة الفراغ فالإسلام جعل صاحب طاقتي الفراغ والصحة مغبون لأنه يملك وقتا كافيا لينجز ما لا يستطيع أصحاب المشاغل فعله «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ».

> يقول ابن الجوزي « رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمن دفعاً عجيباً إن طال الليل فبحديث لا ينفع... وإن طال النهار فبالنوم أو في الأسواق... ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود «



قلة الإنتاج

> ومع لهيب الصيف نجد أن الإنتاجية لدى الفرد تتناسب تناسباً عكسياً مع درجة الحرارة... فما أن تبدأ العطلة الصيفية إلا وتجد الفوضى تعم الأوقات وتهدر الغالي والنفيس من الأعمار بحجة الترفيه عن النفوس... ولو دققنا وتفحصنا ما نقوم به لوجدنا أننا نقوم ببيات صيفي لا يمت للترفيه الإيجابي بشيء.

فالإسلام حريص كل الحرص على الأوقات والأعمار... ونبه على ذلك في مواضع كثيرة في الكتاب والسنة... فينبغي علينا أن نحرص على إقامة السنة النبوية في أوقاتنا كما نطالب بها في كل حياتنا.



أهمية الاستجمام

ليس معنى هذا أننا نريد أن يظل الناس في عبادة ليلاً ونهارًا، لا يعملون لدنياهم ولا يروحون عن أنفسهم. 

المشكلة أن بعض الناس يريدون أن يجعلوا ثلاثًا وعشرين ساعة لقلوبهم، ولا يدخرون إلا ساعة واحدة لربهم، وربما لا تكون لله تعالى خالصة،، لا بد أن نقسم ما بين حظوظ أنفسنا وحق ربنا علينا.

لا مانع من الترويح ولا مانع من الترفيه في حدود الحلال، وفي حدود تنظيم الوقت وتقسيمه، نحن لا ننظم أوقاتنا بين المهم وغير المهم، بين الواجب وأوجب الواجب، بين المندوب والمباح، لا بد من تقسيم الوقت.

> وعلى الرغم من أن الإسلام أكد على الوقت وأهميته إلى أنه لم ينسى حاجات الإنسان إلى الراحة والاستجمام والترويح عن النفس، فقد لَقِيَ أبو بكرٍ رضي الله عنه حنظلةَ الأُسيدي فقال لـه: كيف أنت يا حنظلة ؟ قال: قلت: نافق حنظلة... قال: سبحان الله ! ما تقول ؟!... قال قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكِّرُنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأى عين فإذا خرجنا من عندِ رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسْنا الأزواجَ والأولادَ والضّيعاتِ فنسينا كثيرا. قال أبو بكر: فو الله إنا لنلقى مثل هذا... قال حنظلة: فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلتُ: نافق حنظلة يا رسول الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك ؟!... قال حنظلة... قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرُنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأى عين فإذا خرجنا من عندك عافسْنا الأزواجَ والأولادَ والضيعاتِ - نسينا كثيراً - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذِّكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعة. ثلاث مرات. رواه مسلم.

> ويقول ابن الجوزي رحمه الله: «ولقد رأيت الإنسان قد حُمّل من التكاليف أمورًا صعبة، ومن أثقل ما حُمّل مداراة النفس وتكليفها الصبر عما تحب وعلى ما تكره، فرأيت الصواب قطع طريق الصبر بالتسلية والتلطف للنفس».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي