د.نوف علي المطيري / الجنون الكروي... والروح المفقودة

تصغير
تكبير
حينما يبدأ الدوري في احدى الدول أو دوري كأس العالم تعلن حالة الطوارئ في المنازل، ويتحلق الرجال حول جهاز التلفاز وكأنهم سوف ينقضون عليه، أو كأنهم ينتظرون حدثا عظيما كاستقالة رئيس دولة في العالم العربي! وما ان تبدأ المباراة حتى يبدأ الصراخ وسب اللاعبين، أو الحكم، أو المعلق، أو المصور، أو غيرهم. وما ان يشتد اللعب حتى يصبح جو المنزل مشحونا، الكل يصرخ طلباً لهدف، وتنهال اللعنات على اللاعب الذي شاء حظه السيئ أن يتعثر ولا يكمل المهمة القتالية بهدف يروي ظمأ جماهير فريقه المتعطش للدماء... عفواً للأهداف. ثم يحول الجمهور هذا اللاعب إلى كبش فداء عند خسارة فريقه للمباراة. وقد يدرج مشجعو الفريق اسمه في القائمة السوداء للاعبين غير المفضلين. وحينما يعلن حكم المباراة نهاية المعركة، عفوا المباراة، تبدأ المأساة، أو ما يسمى باحتفالات ما بعد العرس الكروي، فتتعطل حركة المرور كما تتعطل العقول، وتصبح الشوارع ساحة للصراخ والأهازيج والسخرية من الفريق الخاسر.

صراخ... هتاف... بكاء... وكل هذا من أجل ماذا؟ تضيع العقول ويذهب الحلم وتبكي العيون لأجل مباراة، وكأن الفريق الفائز قد حقق مكسبا عظيما للبشرية، يسطره التاريخ بأحرف من ذهب! لماذا هذا الجنون الكروي ولماذا بعد كل مباراة نسمع الشتائم والاتهامات التي يتبادلها جمهورا الفريقين أو الشعبين إذا كانت مباراة دولية، وكأن ما حدث معركة حربية وليست لعبة تحتمل الفوز أو الخسارة، وهدفها خلق التقارب بين الناس والشعوب! إنني كلما أقيمت مباراة أشعر بحيرة وأتساءل: هل تمارس الرياضة من أجل المتعة أو لتعميق المنافسات والأحقاد، أين الروح الرياضية والمنافسة الشريفة والشعور بقضاء وقت ممتع، كيف تسلب هذه الكرة المطاطية التي تتدحرج على العشب الأخضر ألباب الشباب بل والكثير من الرجال المسنين، وكيف صار لها ما نرى من سحر، كيف فعلت بعقول الرجال ما لم تستطع أن تفعله أجمل النساء وأكثرهن مكراً، ومن الذي مكن هذه اللعبة من التلاعب بعقول الملايين وتتسبب في قيام حرب بين دولتين، كيف تستطيع في لمح البصر تحويل رجل عاقل إلى شخص فاقد لاتزانه؟ اسمحوا لي أيها الرجال أن أقول إنكم تفقدون عقولكم أثناء مشاهدتكم لمباراة كرة قدم، وفي ساحة الملعب كل شيء يكون حاضرا، اللاعبون، الجمهور، وسائل الإعلام، ماعدا العقول المدركة والروح الرياضية المفقودة، قاتل الله الانكليز فقد عرفوا كيف يتلاعبون بعقول البشر.





د.نوف علي المطيري

كاتبة سعودية

d.nooof@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي