التحدّي والاستجابة

تصغير
تكبير
| بقلم: فيصل عمر الهاجري |



يقبع في ربوع كل نفس بشرية رهط لا يستهان به من الكهول والعجزة والعاطلين عن العمل في غالب الوقت والأحيان الكثيرة، ويتلذذ هذا الرهط بالمكوث عندما يقطن ريعان الأنفس الشبابية على وجه التحديد والدِقة، ومما لاشك فيه أن هذا الأمر هو العائق الرئيس في مسألة القُدرة على التغيير، والجدية عند تنفيذ ما يُقدِم عليه المرء من قرارات، أي أن السبيل الوحيد لتخطي مرحلة التغيير تتطلب أولاً، وقبل كل شيء... الثورة على النفس لتحريرها من براثن الوهن والعجز واللامبالاة، إلا أن هذه الثورة تتطلب هي الأخرى أمراً آخر، وهو ضرورة وجود (المحفز) لصهر الجمود الداخلي، وإشعال فتيل الثورة النفسية لكل إنسان بحاجة إلى التغيّر أو التغيير، وهذا ما لحظناه اخيراً على الصعيد العام لا على المستوى الفردي. فعندما تنامي الشعور لدى الرأي العام الكويتي و (الذي يمثله الشباب) بعجز الدولة عن تحسين الأوضاع ومحاربة الفساد، ساهمت المجاميع الشبابية وبصورة فاعلة، في فتح الأبواب على مصراعيها للمزيد من الاحتقان السياسي، وغليان الأوضاع المحلية، واندلاع المظاهرات والاعتصامات في الميادين والساحات، عامدين إلى تحقيق الرغبة الجامحة في تغيير واقع البلاد، فقد اضطروا إلى كل هذه الأمور لكي ينقذوا البلاد من العجز، متخطين ما يدور في خلج النفس من مفاهيم مطنطنة بـ (أنا شكو) و (البخيت مكفي) و (يحلها الحلال) و (عط عمرك الراحه)!

وفي هذا الصدد يقول المفكر الإنكليزي أرنولد توينبي صاحب النظرية العالمية (التحدي والإستجابة) : إنَّ الفَرد الذي يتعرَّضُ لصدمةٍ، قد يفقدُ توازُنَه لفترةٍ ما، ثمَّ قد يستجيبُ لها بنوعَين من الاستجابة، الأُولى النكوص إلى الماضي لاستعادته والتمسُّك به تعويضًا عن واقعه المُرّ، فيُصبح انطوائيًّا، والثانية، تقبُّل هذه الصدمة والاعتراف بها ثمَّ مُحاولة التغلُّب عليها، فيكون في هذه الحالة انبساطيًّا، فالحالة الأولى تُعتَبرُ استجابةً سلبيَّة، والثانية إيجابيَّة بالنسبة لسلوك الإنسان، (لاحظْ أنَّ ذلك ينطبقُ على حالة العرب، فإنَّهم تعرَّضوا لصدمة الحضارة، فلجأوا إلى النكوص إلى الماضي دفاعًا عن النفس)، ولكن... وكما رأينا فالصدمة وحدها ليست كفيلاً لتحفييز إرادة القرار، والمُضي نحو التغيير، الأسكيمو مثلاً، شعب يعيش في صدمة المناخ الجليدي على مدار العام، يعاني برودة الطقس القارس والأعاصير الثلجية، ومع ذلك حياتهم هي حياتهم ذاتها، لم تتكيف مع ما هُم فيه، ولم تتخط ذلك أيضاً، أضف إلى ذلك أن التحدي ليس بالضرورة أن يكون قهرياً كما هو الوضع مع الأسكيمو. فشعب نيوزيلندا مثلاً، يعيش في بيئة صحية، داخل بلد ثري متعدد الموارد، لا يعاني البطالة أو الكثافة السكانية إطلاقاً، ومع ذلك، وبرغم توافر جميع سبل التطور والتقدم نحو النمو والازدهار، نجد أن تصنيف نيوزيلندا لا يزال عالمياً ضمن طور الدول النامية، وعلى النقيض من ذلك (التجربة الصينية) وما وصلت إليه من حال اليوم.

في أحيان كثيرة، يكون التغيير نتيجة استصدار قرار يحتمل المعنيين، أما أن يكون الشخص المتغير صنيعة لهذا القرار، أو أن يكون هو القرار نفسه، وبمعنى أكثر وضوحاً، عندما يشدد رب العمل على ضرورة الحضور باكراً للوظيفة، ستضطر حينها إلى تغيير نمط حياتك وإلى الأسوأ مُسيراً غير مُخير (صنيعة قرار)، ولكن حينما تقرر أنت الحضور إلى العمل باكراً، فإنك ستكون (القرار نفسه) والذي سيغير نمط حياتك إلى الأفضل، فعندئذٍ ستمثل أنت (الإرادة) نفسها، والإرادة لا يمكن أن تكون مُسيرة، وسياسياً ينطبق هذا المثال على العديد من الأنظمة والحكومات العالمية والإقليمية والمحلية أيضاً. فإن تنتخبك الجموع ستكون وبلا شك صاحب قرار بل و (القرار) نفسه، ولكن أن يقوم شخص آخر بتسميتك أو تعيينك، فستكون حينها (صنيعة القرار)!



جامعة الكويت - كلية الآداب

FaisalBnOmer@
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي