جعلها الله تعالى من قواعد التمكين وقدّمها أبو الأنبياء في دعائه على الطعام والغذاء

الأمن ... نعمة أغفلنا شكرها فعاقبنا المنعم بفقدها

تصغير
تكبير
| كتب عبدالله متولي |

تعيش الأمة الإسلامية - خاصة الاقطار العربية منها - حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار مصحوبة بشيء من الخوف وعدم الشعور بالأمن... هذه الحالة المضطربة **امتدت لسنوات واخذت في التمادي والانتشار حتى وصلت الى ذروتها في هذه الايام التي نعيشها...

ومما لا شك ولاجدال فيه ان نعمة الامن والامان في الاوطان هي من اعظم النعم التي انعم الله بها على الانسان.

فإذا انعدم الأمن فقد الانسان القدرة على التفكير السليم والقدرة على العمل واضطربت حياته، ولذلك قدمها ابو الانبياء سيدنا ابراهيم عليه السلام في دعائه كما ورد في قوله الله تعالى على لسان خليل الرحمن: «رب اجعل هذا بلداً آمنا وارزق اهله من الثمرات» (البقرة 126)، فقد قدم ابراهيم عليه السلام نعمة الأمن على نعمة الطعام والغذاء، لعظمها وخطر زوالها لان اشهى المأكولات، واطيب الثمرات لاتستساغ مع ذهاب نعمة الأمن، ونزول الخوف والهلع، لانه لا غنى لمخلوق عن الأمن مهما عزّ في الأرض، او كسب مالاً او شرفاً او رفعة...

ان الديار التي يفقد فيها الأمن صحراء قاحلة، وان كانت ذات جنات وارفة الظلال... وان البلاد التي تنعم بالأمن تهدأ فيها النفوس، وتطمئن فيها القلوب، وان كانت قاحلة جرداء... ففي رحاب الأمن يأمن الناس على اموالهم ومحارمهم واعراضهم... وفي ظلال الأمن يعبدون ربهم ويقيمون شريعته ويدعون الى سبيله... ولذلك قال تعالى «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لايشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون» (النور: 55).

أي انهم كانوا قبل الإسلام في خوف، يسلب بعضهم بعضاً، وينهب بعضهم بعضاً، كذلك كما يحدث الآن في بعض المناطق من دولنا العربية وعالمنا الاسلامي، حيث اصبح للخوف مكان في نفوس البعض من كثرة ما يسمع ويرى ويقرأ عن حوادث الاختطاف، والاغتصاب، والنهب، والسلب، والقتل.

فما الذي وصل بنا الى هذا الحد من عدم الامن اوالخوف؟

انه البعد عن الدين... وعدم مراقبة الله سبحانه وتعالى... والتجرؤ على اوامره ونواهيه... وانتشار الظلم بين الناس... قال تعالى: «وعد الله الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الأمن وهم مهتدون»، وامتن على قريش في قوله سبحانه: «فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف».

اذاً هو الايمان الذي اذا وقر في القلب وصدقه العمل... والأمن من الايمان... فلا امن الا بايمان صادق... ولا ايمان اذا انعدم الأمن...

فاذا تملك الخوف من النفوس... فلا مفر ولا ملجأ الا لله سبحانه وتعالى ليذهب عنا الخوف ويعيد الينا الأمن والامان والاستقرار...



المتتبع للأحداث التي نعيشها الآن بغض النظر عما حدث ويحدث ومن المتسبب فيه-يشعر بان هذه رسالة ربانية موجهة الينا، وتنبيه عاجل لنفيق من غفلتنا ونشكر الله تعالى على نعمة الامن التي اغفلنا شكرها فعاقبنا الله بفقدها.

ان نعمة الأمن والاستقرار لمن أعظم النعم التي يظفر بها الانسان فيكون آمناً على دينه أولاً ثم على نفسه وعلى ماله وولده وعرضه بل وعلى كل ما يحيط به ولا يكون ذلك الا بالايمان والابتعاد عن العصيان لان الأمن مشتق من الايمان والأمانة وهما مترابطتان قال الله جل في علاه الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون والمقصود بالظلم كما بينه الله في آيات أخرى في وصية لقمان لابنه يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في مواضع عدة والأمن لغة عباد الله طمانينة النفس وزوال الخوف والى هذا أشار الله بقوله في سورة التوبة: وان أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بانهم قوم لا يعلمون قال الراغب الأصفهاني أي أبلغه المكان الذي فيه أمنه وطمانينة نفسه وزوال خوفه والأمن اصطلاحا هو الحالة التي تتوافر حين لا يقع في البلاد اخلال بالقانون سواء كان هذا الاخلال جريمة يعاقب عليها القانون أو نشاطاً خطيراً يدعو الى اتخاذ تدابير الوقاية والأمن لمنع مثل هذا النشاط والأمن كذلك هو السلامة والاطمئنان للنفس وانتفاء الخوف على حياة الانسان أو على ما تقوم به حياة الانسان من مصالح وأهداف وأسباب ووسائل مما يشمل أمن الفرد وأمن المجتمع والأمن بارك الله في الجميع هو الأساس في ازدهار الحضارة وتقدم الأمم ورقي المجتمعات واذا ضاع الأمن اختلت الحياة وتوقف موكب التقدم وأصبح هم كل فرد هو الحفاظ على أمنه وأمن من معه دون النظر الى أي شيء مهما كان ولقد اهتم الاسلام بالأمن غاية الاهتمام واعتبره هدفاً لذاته فلقد دعا القرآن الكريم بشكل صريح وفي آيات كثيرة الى المحافظة على الأمن بكافة جوانبه الأمن للدين الأمن للنفس الأمن للمال الأمن للعرض والنسل وهذه هي الضروريات الخمس التي جاء الشرع لحفظها وجاءت لحفظها جميع الشرائع والأديان تأمل في قول أبي الانبياء ابراهيم عليه الصلاة والسلام واذا قال ابراهيم ربي اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم اضطره الى عذاب النار وبئس المصير ولقد استجاب الله الى دعاء ابراهيم فانتشر الأمن والطمانينة في البلد الحرام واستمر هذا الأمن حتى في الجاهلية لدرجة ان الرجل منهم كان يلقى قاتل أبيه في مكة في طرقات مكة فلا يتعرض له بسوء بينما فقد هذا الأمن وشاع الخوف والاضطراب خارج مكة المكرمة وغيرها من انحاء جزيرة العرب والى هذا أشار الله الى أهل مكة ممتناً عليهم بتلك النعمة (( أولم يروا انا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم أفا بالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون )) والاسلام يعتبر الأمن من أعظم نعم الله على الانسان لهذا اهتم بالمحافظة عليه غاية الاهتمام فنهى عن كل ما يخل بالأمن صغيرا كان او كبيرا.



الاسلام دين الأمن

انَّ الاسلام هو دين الأمن، ولا يمكن ان يتحقق الأمن للناس الا اذا دانوا بهذا الدين العظيم، فقد حرم قتل النفس، وسرقة المال وأكله بالباطل، ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ترويع المسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ». قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائقَه» رواه البخاري ومسلم.

ولعن صلى الله عليه وسلم من أشار بالسلاح لأخيه المسلم، وحرم علينا الجنة حتى نؤمن ويحب بعضنا بعضاً، وأخبر بان ذلك يتحقق بافشاء السلام الذي يأمن الناس معه، وهو من شعائر الاسلام العظيمة، وقال: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» البخاري ومسلم.

وقال في حق الكافر المعاهد: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَاِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» رواه البخاري. وقال: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوْ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه أبو داود.



أعظم الأمن

أعظم أمنٍ يجب على الناس ان يسعوا لتحقيقه الأمن من عذاب الله. قال تعالى: «أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (فصلت: 40). فان أردت ان تفوز به فقف على الآيات التي بشر الله بها عباده بقوله: «فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون»، وان مما يحقق لنا ذلك الاستقامة على دين الله، قال الله: «اِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (الأحقاف: 13).

والأمن من عذاب الله يكون بالسَّيْر على دروبِ الخير، وبالاكثار من الحسنات، قال تعالى: «مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ» (النمل: 89)



الشعور بنعمة الأمن

الشعور بالنعمة العظيمة التي انعم الله سبحانه وتعالى بها في انفسنا، في بيوتنا، في لقمة عيشنا. أخرج الامام البخاري في الأدب المفرد: من أصبح آمناً في سِرْبِه، مُعافىً في جسده، عنده قوتُ يومه، فكانما حيزَتْ له الدنيا بحذافيرها. آمناً في سربه: في بيته، في حيّه، في عمله، في قريته، في مدينته، في مجتمعه. معافىً في جسده: وهو الأمن الصحي، والأمن الغذائي، والأمن النفسي الذي يمكن ان تتحدّث عنه اليوم كل الدول المتحضّرة، والذي كَفِلَه الاسلام لأتباعه في القرآن الكريم، وفي نصوص الحديث النبوي الشريف. حيزت له الدنيا بحذافيرها: يقول شُرّاح الحديث: الحيازةُ تعني الملك والجمع، أي فكانما جمع لك الله الدنيا بأجمعها؛ بنعمها، بمتعها، بكل ما فيها من أحوالٍ تُرضي الانسان في دنياه وآخرته. أليست هذه نعمةٌ عظيمةٌ ينبغي ان نتذكّرها أولاً وقبل كل شيء؟! فنحافظَ على نعمة أقواتنا، ونعمة أجسادنا، ونعمة انفسنا وطمانينتنا.



الحذر من ترويع المسلمين والاعتداء عليهم

ولقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم من وسائل الحفاظ على الأمن، فقال عليه الصلاة والسلام: اذا مرّ أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نَبْلٌ فلْيُمْسِكْ على نِصالِها. صحيح مسلم. وفي رواية: فليقبِضْ بكفّه ان يصيب أحداً من المسلمين منها بشيء. هنا يحذّر النبي عليه الصلاة والسلام من ان يعتدي مسلمٌ على أخيه المسلم برمحٍ أو نبلٍ أو نَصلة سيفٍ أو نحوِ ذلك؛ حتى لا يؤذيَ المسلمُ المسلمَ، فالمسلم على المسلم حرام، دمُه ومالُه وعِرضُه.

ولقد كان من آخر ما أوصى به النبي عليه الصلاة والسلام في خُطبة حجّة الوداع: ان دماءَكم وأموالَكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. حذّر النبي صلى الله عليه وسلم ان تُراقَ دماءُ المسلمين بأيدي المسلمين، ودعا الى حقنها والحفاظ عليها، والحفاظ على أمن النفس وأمن الغذاء وأمن الصحة وأمن الوطن، فأمن الوطن يحقّق ذلك كلَّه.

وحذّرت السنة النبوية الشريفة أتباع النبي صلى الله عليه وسلم من ان يُثير أحدهم الخوف أو الرعب أو الذُّعر، أو ان يُرَوِّعَ آمناً من المسلمين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يُشِرْ أحدكم الى أخيه بالسلاح، فانه لا يدري لعل الشيطانَ ينزع في يده فيقعُ في حفرةٍ من النار. الفردوس بمأثور الخطاب. أي لا يُشْهِرْ ولا يرفعْ ولا يهدّدْ أحدكم أخاه بالسلاح، فلعل الشيطان يثيره ويحرّكه ضدّ أخيه المسلم، فيقتلَه فيقعَ في النار.

كذلك حرّمت السنة النبوية الشريفة على كل مسلمٍ ان يشيرَ الى أخيه، ولو بحديدةٍ أو عصا أو حجر، فقال عليه الصلاة والسلام: من أشار الى أخيه بحديدة فان الملائكةَ تلعنه حتى يدعَها، وان كان أخاه لأبيه وأمه. صحيح مسلم. وفي ذلك حَقْنُ لدماء المسلمين، وحفاظٌ على الأمن للوطن، ودفاعٌ عن حرمة الدماء الاسلامية.

وفي اشارة أخرى الى حُرمة الترويع والتخويف والتهديد، واثارة الفوضى والتشويش فيما بين الناس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحلُّ لمسلمٍ ان يروّعَ مسلماً». مسند أحمد. وقد ذكر بعض العلماء من المحدّثين انَّ من أيسر الأمور ان تروّعَ أخاك فتُخفي عصاه أو تخفي حذاءه فانه يُرَوَّعُ بذلك، فما بالكم اذا كان الترويع بسيفٍ، أو بأداةِ قتلٍ، أو بتهديدٍ وسَلْبٍ للأمن، فذلك مما يحذّر منه الاسلام على لسان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

علينا ان نشعر بنعمة الأمن التي ألبَسَنا اللهُ اياها، وان نحذرَ ونخشى من الله تعالى ان يُذيقَنا لباسَ الجوعِ والخوف كما حصل بأممٍ سابقة عندما أذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانت تكسب أيديهم من المعاصي والسيئات، وبما كانوا يقعون من المخالفات، وان نحذر من الفتن. ولقد حذّرنا النبي صلى الله عليه وسلم من اشاعة الفتن في المجتمعات الآمنة والمطمئنة، فالفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها.



وسائل حفظ الأمن


1 - شكر الله على نعمة الأمن

فالنعم تثبت بالشكر وتذهب بالجحود، وفي القرآن الكريم حكاية ما قاله موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم لقومه: «وَاِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ اِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ» (ابراهيم: 7).

وقال في خصوص نعمة الأمن: «لَقَدْ كَانَ لِسَبَاٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي اِلَّا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ اِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ» (سبأ: 15-19).

وقال: «وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ» (النحل: 112). قال القرطبي رحمه الله: «سماه لباساً ؛ لانه يظهر عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس».

2 - تحقيق توحيد الله تعالى

فالتوحيد أمن في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» (النور: 55). فلا أمن الا باقامة العبادة الخالية من شوائب الشرك ؛ فلا يُدعى غير الله، ولا يُستغاث الا بالله، ولا تُشيد الأضرحة، ولا يُطاف بها، ولا يُتبرك بترابها... وأما في الآخرة فقد قال الله تعالى: «الذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ اِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ» (الانعام: 82). مهتدون في الدنيا، آمنون في الآخرة.

3 - تطبيق الحدود

فاقامة حد الحرابة والقتل أمن من اراقة الدماء، واقامة حد الزِّنا أمنٌ من انتهاك الأعراض، وقطع اليد أمن من انتشار السرقات فيأمن الناس على أموالهم، وحد القذف يمنع من الوقيعة بالباطل في أعراض المسلمين، فيأمن المسلم على عرضه ان يلغ فيه أحد، وحد شرب الخمر أمن من فساد المفسدين... وهكذا.

وقد دلت السنة النبوية على ارتباط الأمن باقامة الحدود وتحكيم أحكام الله في عباد الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ اِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ) رواه ابن ماجة. فيرتفع الأمن بذلك. وصدق الله اذ يقول: «أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» (سورة الملك: 14).

4 - الدعاء

وقد كَانَ نبينا صلى الله عليه وسلم اِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْاِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْاِسْلَامِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وترضى. رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ» رواه الترمذي.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح «اللهم اني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم اني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك ان أغتال من تحتي» رواه أبو داود.

5 - من مقومات الأمن أيضاً اصلاح العقيدة باخلاص العبادة لله تبارك وتعالى قال الله جل في علاه: «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً» لا بد من اخلاص العبودية لله ولا بد من تصحيح العقيدة حتى ننعم بالأمن والأمان والمعنى واضح ولا يحتاج الى مزيد بيان.

6 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا هو سبب خيرية هذه الأمة به تنتشر الفضيلة وبه تنقمع الرذيلة وهو وظيفة كل فرد في المجتمع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة كل فرد في المجتمع وبتركه تحل العقوبات ويختل الأمن ليس المطلب انكم صالحون لكن لابد ان نكون مصلحين.

ولا خير في مجتمع لا يحارب الرذيلة ويدعو الى الفضيلة قال صلى الله عليه وسلم: «لا تأمرن بالمعروف ولا تنهن عن المنكر أو ليوشكن الله ان يسلط عليكم عذاباً فتدعونه فلا يستجيب».

7 - شكر النعم بالقلب والجوارح والأركان وذلك بالاقرار للمنعم وذلك بحبه والثناء عليه وذلك باستعمال تلك النعم في طاعة الله أما ترون أحبتي ان الله لا يحارب الا بنعمه النعم لا تدوم الا بحقها واذ تأذن ربكم وان شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد انظر ماذا يصنع كفران النعم بالأمم والشعوب قال الله وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله يعني لم تقدر تلك النعم حق قدرها ولم تقم بشكرها وأداء الفضل الذي لله فيه عليها فحول ذلك الأمن الى خوف وجوع وألبسهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون.

8 - الاستقرار السياسي للبلاد فهو من أهم عناصر استتباب الأمن، وكذلك الاستقرار الاقتصادي للبلاد نعم فتأمين الحياة الطيبة للجميع بتوفير حاجاتهم وسد مطالبهم يوفر الأمن للبلاد والعباد فشرع الاسلام الزكاة وحث على الصدقات وأمر بالعدل بتوزيع الأعطيات بسد حاجات الناس وتلبية رغباتهم قال الله ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي لعلكم تذكرون.

9 - التزام الاعلام بالمنهج الاسلامي فالاعلام سلاح ذو حدين ووالله كم أفسد الاعلام بسلاحه الآخر في بيوت المسلمين وأحدث فيها خللاً لا يعلمه الا الله كم أفسدت الشاشات والقنوات التي لم تراقب الله فيما تعرضه على مسامع الناس،فماذا صنعت الشاشات والقنوات بأبناء المسلمين بل وحتى برجالهم ونسائهم وأطفالهم ألا فليتقي الله كذلك أولئك الذين يسطرون في الجرائد والمجلات وليعلموا ان كل كلمة ستكتب عليهم قال صلى الله عليه وسلم: «ان الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن ان تبلغ ما بلغت يكتب الله عز وجل بها رضوانه الى يوم يلقاه بالكلمة الواحدة ينال رضوان الله تبارك وتعالى الى ان يلقى الله جل بعلاه وان الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن ان تبلغ ما بلغت يكتب الله عز وجل عليه بها من سخطه الى يوم ان يلقاه بالكلمة يستطيع الرجل ان يرقى في الجنان وبالكلمة يهوي في الدركات والنيران نسأل الله العفو والعافية حتى يعلم كل منا مدى خطورة الكلمة قال الله تعالى: ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد)) هذه مقومات الأمن لجميع الأوطان على قدر حرصهم يكون لهم الأمن من الله والأمان وعلى قدر تفريطهم يحل عليهم العذاب والهوان أعد هذه المقومات عداً، تحكيم شرع الله، اصلاح العقيدة، شكر النعم، الاستقرار السياسي، استقرار الاقتصاد، جهاز أمن قوي ثم التزام الاعلام بكل انواعه بالمنهج الاسلامي فليتقِ الله الجميع. آخر الكلام ان الذنوب والمعاصي هي أعظم سبب لزوال الأمن واختلال الأمان في الأوطان وما يحصل اليوم من فتن وبلايا وجرائم مخلة بالأمن هي بسبب كسب الأيدي وجزاء الأعمال التي تصدر من العباد قال الله تعالى: «ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي