د.نوف علي المطيري / «الربيع العربي» ... هل أصبح العالم مختلفا؟

تصغير
تكبير
تعذب الناس في البلدان العربية لسنين كانوا فيها يخافون من زائر الفجر الذي يقتحم منازلهم ويأخذهم من بين أبنائهم إلى غياهب السجون حيث التعذيب الجسدي والنفسي. كان زائر الفجر يأتي للمنازل فيقلبها رأسا على عقب، ويأخذ كل ما تقع عليه عينه من كتاب أو ورقة أو جهاز حاسوب، لعل به ما يشير إلى أن صاحبه لا يرضى عن حكومته، أو أن له رأيا معارضا لسياساتها. وكان الناس يحتملون الذل والفقر ولا يتحدثون عن مأساتهم إلا لمن يثقون به. وكان الآباء يحذرون أبناءهم أن للجدران آذانا، فمباحث الحكام كانت أعدادها تتزايد بشكل جعل الصرف على ميزانية دائرة المباحث يقتطع جزءا كبيرا من مورد البلاد. واستمرت الحال حتى فقد الناس الأمل في غد خال من الخوف والفقر، واستسلموا لقدر ظنوه محتوما. لكن الشعوب تنام ولا تموت وتغفو ثم تصحو، وفجأة خرج من لم يرض بالذل شاب مثقف منعوه من كسب الرزق بعد أن أحالوه إلى شخص معدم، فرفع شعار «الموت ولا المذلة»، فأحرق نفسه. لم تكن نفسه نفسا رخيصة، بل كانت أغلى من كل كنوز الأرض، لقد أشعلت نفس محمد البوعزيزي النار ليس في جسده بل في كل الحكام المتسلطين في العالم العربي وربما في العالم كله من يدري، أليست «احتلوا وول ستريت» هي بوحي من جسد البوعزيزي المحترق؟ وما أظنه إلا نفسا مرسلة من الله لتقول للعالم كله يكفي الظلم ويكفي الفساد، وليبدأ مشوار الحرية، فلا مكان في العالم للمتسلطين ولا للفاسدين الذين يسرقون لقمة الفقير ويرغمونه على الصمت.

لقد قالت روح البوعزيزي لا صمت بعد اليوم على الظلم، فالتقطها جيل الشباب الذي كان تواقا للخلاص من الاستعباد، وتناقلها عبر وسائل تواصل اجتماعية حديثة تجلى فيها الإبداع والتجديد، ودعمها إعلام انحاز للشعوب ولم يتواطأ مع الحكام الفاسدين، قنوات كـ «الجزيرة» و«الحوار»، ومواقع إعلامية حرة على الشبكة العنكبوتية، وشعراء تركوا كلمات خالدة كأبي القاسم الشابي، وغيره.

جيل الشباب أيها الحكام تعني له الحرية حق الإنسان في اختيار فكره وطريقة حياته ومن يحكمه، ولديه فكر خلاق يجعله يستطيع تحقيق الحلم الذي يراوده، ولديه وسائله التي لا يعرف الحكام استخدامها بحكم انتمائهم للجيل السابق. جيل الشباب جيل لديه حلم أيها الحكام الذين تجهلون روح العصر ووسائله، جيل مغاير لجيل الآباء الذين رضوا بالذل والفقر والاستعباد، وقبلوا الهشاشة الفكرية واستسلموا لجلاديهم. جيل الشباب أيها الحكام جيل ثائر لا يقتنع بلقمة العيش فقط بل يطمح في المشاركة في صنع القرار بل المشاركة في صنع الحضارة الإنسانية. جيل الشباب جيل محظوظ بفكره ووسائله، يدرك أن الله أعطى الإنسان عقلا خرافيا قادرا على أن يحقق له ما يريد حتى لو كانت معجزات. جيل يؤمن بأن التخلف هو حالة ذهنية وليس صفة ملازمة للإنسان، وأنه يمكن تغيرها بالفكر والإرادة. جيل يؤمن بأن التغيير يجب أن يعم البشرية جمعاء، فالعالم أصبح قرية واحدة. لقد بلغت الحركات المطالبة بالتغيير تحتل الساحات في أكثر من 2600 مدينة في أميركا لوحدها، أما في العالم فقد وصلت لكل عاصمة من عواصم الشرق والغرب.

إن العالم أيها الحكام المترددون في قبول الواقع أمام طوفان تغيير مجلجل، فمن الغباء والسذاجة أن تقفوا أمامه. هل رأيتم التسونامي الذي حل باليابان؟ إن الله أرسله متزامنا مع الربيع العربي للتنبيه، وكأن به إشارات ضمنية لما ينتظر العالم من تغيير. إنه ينذر من له عقل ليصحو، فإرادة الله للعالم أن يتغير تغييرا جذريا. فلا تكونوا أيها الحكام مثل القذافي المعتوه الذي ظن أنه يستطيع أن يقف في وجه الشعب عندما انتفض: فهل استطاع حاكم أن ينتصر على شعبه في أي مرحلة من مراحل التاريخ؟ أليس مصير كل طاغية النهاية المذلة والعار، هل تقرأون التاريخ؟ فالتاريخ يعيد نفسه. أين صدام، أين بن علي، أين القذافي؟ وسنقول قريبا: أين على صالح؟ وأين بشار، وربما أين...، وأين....، وأين....؟ إلى ما لا نهاية من حكام ظلمة في الشرق والغرب وفي كل بقعة من العالم، إننا في عصر سيتغلب فيه الخير على الشر فليعتبر المعتبرون.





د.نوف علي المطيري

d.nooof@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي